ترجمة من الفرنسية نون بوست
اعتمادا على معطيات وفرها مقال مصور في أوائل القرن العشرين، قام الكاتبان” جيروم فيراري” و”أوليفر رو” بالبحث في صورة الغرب أثناء الحرب الإيطالية العثمانية في أوائل القرن العشرين وبالتساؤل عن تبعاتها الإيديولوجية.
تعتبر تفاصيل هذه الحرب، التي جدت بين الإمبراطورية العثمانية والدولة الايطالية في بداية القرن العشرين وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، منسية. وتمثل هذه الحرب واحدة من عديد الصراعات الاستعمارية التي لا زال ذكرها يقترن بالاضطراب الذي يلخص، على حد قول إيمي سيزير، العمل الروتيني التخويف والضغط والشرطة والضرائب والسرقة والاغتصاب والإلزام الثقافي والاحتقار وعدم الثقة والغطرسة والغرور والنخب المعذبة والشعوب متدهورة الأوضاع. إلا أن كل هذا يتعارض مع ما كان على الصحفي والمبعوث لتغطية هذه الحرب، غاستون شيرو، نقله.
على غرار الصحفيين الأوروبيين الآخرين، أُرسل هذا الصحفي إلى طرابلس لـ”تبييض” الصورة المشوهة للجيش الإيطالي التي التصقت في ذهن الرأي العام العالمي نظرا لوحشيته.
وقد شهدت نتائج هذا البحث، في درجة أولى، بأن هذه الأمة المتحضرة العظيمة لم تكتف بمجرد اعتقالات جماعية أو إعدامات أو إجراءات مؤقتة، ولكنها تربعت على العرش وبدأت تحكم وتدين. ولهذا السبب، كانت قد حكمت بأن العدو “البربري” و”المتخلف” ليس له إلا أن يموت.
ولهذا السبب، قام المبعوث الخاص لصحيفة “لوماتان” الفرنسية، طيلة أسابيع، بتصوير وتوثيق عمليات شنق جماعية أو فردية. وكانت الصور المؤلمة تنقل جثثا هامدة تتدلى من حبل المشنقة. وأكد منفذوها أن في ذلك تطبيقا “للعدالة وللعمل الحضاري ضد الفوضى والهمجية”. وقد تحولت المادة الإعلامية المتحصل عليها إلى أداة دعائية موجهة، ومنذ ذلك الحين ازدهر هذا النوع من الصحافة.
وقد أثارت هذه الطبعات القديمة المكتشفة من قبل بيتر شيل عند كل من جيروم فيراري وأوليفر رو شعورا بالرعب والغضب وشكوكا كثيرة. وحيرهما التساؤل التالي: كيف يمكننا، في إطار مشروع متعدد التخصصات، إنتاج نص أدبي انطلاقا من صور هذه الجثث المشنوقة، وكيف نستطيع أن نتجنب الوقوع في “تجميل” هذه الصور الواقعية كي لا يصدم المتلقي من وحشيتها؟ وتوصلا إلى أن ما يجب فعله حقا هو تصوير هذا الجانب الجريء لهذه الصور ثم أخذ الوقت الكافي للبحث عن معناها الخفي الذي نجح الكاتبان في فهمه واستغلاله.
وقد تمخضت رؤاهما المشتركة والمتشابهة عن مشروع فني سمي بـ “لكسر أقسى القلوب”، وهو عبارة عن نصوص مجزأة كشفت عن علاقة العالم بالصورة وبالاتصال ورسمت انطباعات فنية أكثر من أن تقوم بتصوير لأدق تفاصيل الصراع الإيطالي التركي.
وبالرغم من أن المقالات المصورة لشيرو من المفترض أن تنقل صورة ليبيا في أوائل القرن العشرين، إلا أنها عبرت أيضا عن كل التدخلات العسكرية الغربية، منها التدخلات الحالية، في مناطق مختلفة من العالم. فرغم اختلاف الحروب وأطرافها، تضل قيمها وصورها العالقة في خيال الإنسان ومثلها “العليا” وخطاباتها هي ذاتها.
ويقول كل من فيراري وروه، متحدثان عن كيفية تمثيل الحرب في الجزائر من قبل فرنسا، ولكن أيضا عن التقارير التي وصلتهما منذ سنة 2003 والتي تصف غزو العراق: “إننا نعتبر أن الأرشيف الذي وفره لنا شيرو قيم، لأننا لاحظنا اعتناءه باختيار الموضوعات وبترتيب الصور. كما أنه مكننا من أن ننظر من زاوية مدفونة، قبل أن ينبشها شيرو، إلى ما نتذكره من تمثيل للشعوب وللحروب العربية التي وقعت فيها”.
في كل مرة، التصقت صورة الصحفيين الموجهين بمواقف وآراء القوى الغربية، ولم يأخذ أبدا رأي العدو الذي تدار الحروب على أراضيه، إن كان من المدنيين أو من المتمردين، بعين الاعتبار، وبذالك يضاف عدم تكافئ فرص التعبير و”القمع الفكري” إلى اختلال موازين القوى بين المستعمَر والمستعمر. ويفسر هذا أن الصور التي وفرها شيرو تظهر جنودا أو أشخاصا يقادون إلى حبل المشنقة، ولكنها لا تنقل أبدا تفاصيل قتال أو معارك. ولم يتم تنفيذ مثل هذه العقوبات المنتهكة لحقوق الإنسان؟ وفي أي سياق تندرج أفعاله العنيفة هذه؟ وتبقى هذه الأسئلة عالقة لأن توثيقات شيرو لا تقدم أي تفسير لذلك.
ومع ذلك، فإن حبل المشنقة يشهد على فظائع الجيش الإيطالي خلال الحرب العثمانية الإيطالية على تراب طرابلس، فخدعة تطبيق العدالة التي تحتل عادة مقدمة الحجج التي يدفع بها الطرف الأقوى في القتال، تجعل من الانتهاكات التي يرتكبها “مشروعة” حسب رأيه.
كما استنتج الكاتبان أيضا أن “مثل هذه الصور الموثقة للحرب في ليبيا والعراق، كأي مواد أخرى، تهدف إلى الترويج ونشر خطابين اثنين في الفكر الغربي، وتمثيلان مرتبطتان ارتباطا لصيقا ببعضهما وهما أن الشعوب العربية لا تثير اهتمام أو قلق أطراف عالمية إلا إذا كانت فريسة للفوضى والحرب، كما أنها هي الجانية أو الضحية السلبية التي لا تدافع عن نفسها. بالإضافة إلى أن صورتها في المجال العالمي مقترنة بممارساتها العنيفة التي تفسر وجودها في الماضي وفي الحاضر”.
كما أن نظرة الغرب، بما في ذلك الصحفيين والكتاب، قد فشلت في تبني أو حتى محاولة تفهم وجهة نظر الآخر المختلف. فهي عادة ما تنضوي ضمن صفوف المنتصرين والأقوياء. وتصبح بذلك حليفهم “الموضوعي” الذي تدعمه عبر وسائل الاتصال. وكما يقول ألبرت ندن: كيف يمكننا الهروب من الخطابات التي تفرضها سلطة القوي؟ وكيف يمكن لأحد أن يحمل القلم ليرسم جراحا دون أن يصاب بها أو أن يكون أول ضحاياها؟
وقد سافر غاستون شيرو إلى ليبيا مشبعا بأفكار الاستعمار وأحقية الغرب في فرض سلطته على الآخر الضعيف، إلا أنه صدم من المشاهد التي رآها. ولاحظ جيروم فيراري وأوليفر رو في كتابهما أن شيرو “يعبر عن ألمه إزاء المجازر اليومية على الأراضي الليبية، ولكن حينما يكون برفقة زوجته وليس في مقالاته. فأفريقيا التي وجدها تبدو أقل بكثير مما كان يتصوره لفترة طويلة. فمشاهد الشنق والإعدام نجست صورة الاستعمار الغربي في مخيلته.”
وفي نهاية المطاف، يبدو أن مساعي شيرو في التغطية الشفافة للحرب بدت فاشلة. وبما أن الكاتب يفقد سلطته على مؤلفه بمجرد أن يتمه ويضع قلمه، فإن للصحفي حرية القراءة الخاصة والتعبير عن آراءه من وجهة النظر التي يراها صحيحة. فالانطباعات الشخصية تتأثر بتجارب الواقع، وبمفهوم الحياة، كما تتأثر، في الوقت ذاته، بالنظرة الموجهة للموت. لأن “الصور تبقى حية وناطقة مقارنة بالظروف التي أخذت فيها، وعادة ما تتضمن معطيات إضافية أو تبعث برسائل خفية غير تلك التي ترسلها، ظاهريا.”
وفكرة الصور التي وثقها شيرو خلال الحرب الإيطالية العثمانية في أوائل القرن العشرين بينت أن الصورة والتاريخ مثل الأخبار الحصرية؛ يجب دراستها والتدقيق فيها عن كثب. يجب، كذلك، أن نتمكن من التمييز بين أبسط التناقضات ومعرفة الرسائل الخفية واللامرئية لنتمكن من فهم الحقائق التاريخية في مختلف المجالات.
المصدر: ميديا بار