منذ تشكل بلداننا العربية ضمن الخطوط السياسية المقسمة لأرضنا لم توفر الأنظمة الغربية مناسبة الا ونالت من بلداننا مفاخرة بحريتها وعلمانية اهلها مقابل راديكاليتنا وتخلفنا حتى وصل معهم الحال تشكيل هيئات ومؤسسات تحمي معالمنا التاريخية ونمط معمارنا منا نحن الذين ضيعنا ماضيا وذهب حاضرنا فاختزلت احلامنا بدفتر جواز السفر للعمل مع محطات وقودهم أو لغسيل أطباقهم.
مع بداية الثورات العربية كان موقف الغرب حاسما بالوقوف مع الشعوب ضد هذه الدكتوريات الصدئة بالتصفيق لشعب تونس البطل ومن ثم عدم تأييد مبارك وعلو التصريحات التي تفقده شرعيته الدولية حتى ظن المشاهد العربي ان الحبل سيلحق الدلو نزولا عند كل مستبد وحاكم عربي.
المشاهد العربي فوت مشهدا مهما جدا في بداية هذا الربيع تحديدا. مشهد تنحي تنحي مبارك، فكيف برجل فعل ما فعله مبارك يبقى مكانه ويكتفي بالتنحي دون الهرب خوفا على نفسه ؟(و هو الذي اوجع المصريين وتراجعت مصر في زمنه فكريا واقتصاديا لتختزل صورة ام الدنيا في عقول الشعوب براقصة تحمل عصا وتتمايل بين الجماهير المحرومة) ومع مرور الوقت اتضح للجميع المسرحية التي قدمها مبارك والجيش المصري بالدعم من انظمة ومخابرات عربية وعالمية.
السيناريو المصري رغم نجاعته في مصر الا انه لم يوقف الشعوب العربية لنيل حريتها بل على العكس شجعهم ففي يوم تنحي مبارك اشتعل الشارع اليمني رافضا العودة لبيته قبل ان يرحل صالح هو وشيعته وووصلت العدوى ليبيا ومن ثم سوريا، وهكنا انتشرت المظاهرات في عموم الاوطان العربية من اليمن والشام مرورا بمصر وليبيا وصولا الى تونس كل يتظاهر سلميا ما بين طالبا لحريته واخر للمحافظة عليها .
المظاهرات السلمية أعطت الشعوب أمل المشاركة في حكم بلدانها من دون اللجوء للقوة العسكرية، وبالفعل حصلت على تأييد شعبي كبير حتى ضمن القطاعات العلمانية رغم طابع الحراك الديني كالخروج من الجوامع أو الشعارات المرفوعة.
كانت نقطة التحول الاكبر في الربيع العربي هو تسلح الثورة في ليبيا ودعم الغرب للفصائل اللامتناهي وكانوا دائما يتحدثون عن انتهاء شرعية الرئيس الفلاني وعن نيتهم مناقشة دعم الثورة الفلانية بالسلاح في حال طلبهم لذلك.
كانت سوريا تحتل المرتبة الاولى عربيا من حيث السيطرة على الشعب عسكريا ومخابراتيا حيث ان السلطة متغلغلة في جميع مفاصل حياة الفرد ومسيطرة عليه سيطرة كاملة بالاضافة لخبرتها في قمع الثورات الشعبية كما حدث في الثمانينات أو في عام 2004 ولا نستطيع ان ننسى كيف كان لجيشها اليد الاقليمية الطولى في التدخل بلبنان وتغيير موازين القوى بين اطرافه المتصارعة وقبلها في الاردن للمشاركة بمحاولة قلب الحكم على الملك حسين فيما يعرف باحداث ايلول الاسود، فالحكم في سوريا قائم بقوة الجيش ومن البديهي الزج بهذه القوة في حال نشوب اي محاولة للتغيير.
في بداية عام 2011 وبعد نجاح الثورة في تونس ومصر تم دعوة قوى المعارضة السورية للاتفاق على يوم للخروج على حكم الاسد في سوريا (و هو ما تم رفضه من جماعة الاخوان المسلين في ذلك الوقت) وقد تم اعطائهم تطمينات غربية بالدعم الاعلامي والمالي والسياسي، وبعد بداية الاحتجاجات وعلى الرغم من سلميتها وقلتها مقارنة باليمن أو مصر الا ان النظام لم يحاور المتظاهرين الا باللغة التي يفهمها وهي العنف ليسقط اول شهيد في اول جمعة تظاهر وعلى الرغم من هذا الا ان الثورة بقت سلمية بمجملها الى ان جاءت دعوات لتسليح الثوار بشكل صريح في الثالث من شباط عام 2012 أي بعد عام تقريبا.
كان تسليح الثورة هو الخطأ الاستراتيجي للثورة السورية خاصة وللربيع العربي عامة على اعتبار أنها اللغة الوحيدة التي يفهما النظام السوري ويتحدثها وكما هي الحل الوحيد التي يمكن الخارج من السيطرة على سير الاحداث ومن خلال قراءتنا للاحداث التي لم تخفى عن احد يعلم القارئ اننا وقعنا في فخ نصبه لنا نفس الجهات التي اسقطت القذافي بينما كانت ترسل حفتر وهي نفسها من عزلت مبارك بينما كانت تعد للرجوع بانقلاب السيسي.
كانت التجربة التركية التي لم يظهر نجمها الا مع بداية الثورات العربية على اعتبار انها المثال الأعلى لمعظم الثورات مما شكل عبئ عليها بشكل أو باخر ومما زاد سخط الانظمة المستبدة منها هو تعاطيها الايجابي مع الشعوب وعلى الرغم من ان تعاطي الاتراك مع جميع الثورات العربية كان تعاطيا ناعما لم يعلو عن تصريح أو وقفة احتجاجيه الا انه مع الوقت تحولت الديمقراطية في تركيا لتقض مضاجع ملاك دولنا فكان لا بد من المحاولة لادخالها الى نادي العسكر ليقضى على مشروع الربيع بشكل كامل ونهائي.
خلاصة القول بعد خمس سنوات من الصراع في سوريا أصبح بشار الأسد هو رمز للقوة العسكرية في كسر إرادة الشعوب، ومصير الشعب السوري من التهجير والقتل هو مصير اي شعب سيفكر في الخروج على حاكمه . أما الغرب فلن يقدم لنا سوى الحرب والدمار وعلينا ألا ننسى أن مصيرنا نصنعه بيدنا، فلا النواح سيعيد الشرعية لاهلها في مصر ولا العويل يحرر الشام من الاحتلال الاجنبي. وكما وقفت الايدي العارية في وجه دبابة في تركيا علينا نحن ان نجتهد ونعمل وان نحلم لنعرف اجابة سؤال واحد فقط ماذا سيحصل في عالمنا العربي في اليوم التالي لسقوط الاسد؟