ربما اتضح أن عدو إسرائيل الأكثر تأثيرًا والأكثر خطورة من بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة في 2014 هو مواقع التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من أنها ليست بسلاح فتاك يهدد أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي مباشرة كما تهدده صواريخ المقاومة، إلا أنها بدون شك هي التهديد الأكبر لسمعة إسرائيل الدولية التي يبنيها النظام الصهيوني منذ عام 1948، حيث أن العالم كله باستطاعته الآن مشاهدة جرائم الجيش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بضغطة زر واحدة، فهناك الآلاف من كاميرات الهواتف الذكية الآن التي بإمكانها تصوير المشهد كاملًا، ونقله على ملايين من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، فيتحول الأمر من مجرد جريمة فردية حدثت في أحد الأحياء الفلسطينية ذات نهار، إلى ضجة إعلامية واسعة يتدخل فيها العالم كله.
كان لمواقع التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تعزيز الحرية لدى الشباب الثوري المقاوم في مختلف الدول العربية، فقد أعطته مجالًا واسعًا من حرية التعبير لم يجده من قبل من السلطات الحاكمة، كما أنه لا يفرض عليه رقابة شديدة الصرامة كما هو الحال في وسائل الإعلام الرسمية، وهو ما دفع العديد من هؤلاء الشباب في مختلف الدول العربية إلى استخدام تلك الميزة وتكوين برامج خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إما برامج مصوّرة على يوتيوب، أو مقاطع مصوّرة لهم على حساباتهم الشخصية على فيسبوك أو تويتر أو انستغرام.
جاء اليوتيوب في مقدمة مواقع التواصل الاجتماعي كأكثر المواقع استخدامًا من قبل شباب الثورة والتغيير، في طريقة للتعبير عن حنقهم على الوضع الراهن في بلادهم، فكان في الطليعة الشباب الفلسطيني، وطريقتهم في عرض الكوميديا السوداء بنكهة فلسطينية على اليوتيوب، فجاء برنامج “وطن ع وتر” للممثل الفلسطيني عماد فراجين كبداية الكوميديا الفلسطينية المستقلة على مواقع التواصل الاجتماعي.
تناول برنامج “وطن ع وتر” القضايا السياسية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني بمختلف أحزابه وتوجهاته السياسية بطريقة ساخرة وأحيانًا لاذعة، فكانت البيئة الفلسطينية بتنوع قضاياها مادة خصبة لنص كل حلقة في البرنامج، حيث ناقش البرنامج تفشي البطالة، وهجرة الشباب، وقضايا غلاء الأسعار في الضفة الغربية، ومشاكل الحصار المجتمعية في قطاع غزة، كما ناقش القضايا السياسية بجرأة وانفتاح، وانتقد السلطة الفلسطينية المتمثلة في حماس في قطاع غزة، كما انتقد الانتخابات الفلسطينية بشكل كبير، وانتقد كذلك ممارسات السلطة المصرية تجاه قطاع غزة بالتحديد وتجاه الفلسطينين بوجه عام.
كان “وطن ع وتر” هو أول برنامج ستاند أب كوميدي، أو باللغة العربية برنامج الكوميديا الارتجالية، ينتقل من اليوتيوب إلى شاشة التلفزيون، وهو ما كان انتصارًا لفريق العمل وإثباتًا بأن الكوميديا الفلسطينية في طريقها للتغيير، إلا أن خروج البرنامج عبر التلفزيون الرسمي الفلسطيني لم يجعله حرًا طليقًا في إنتاج مواده كما كان في يوتيوب، حيث كان مصير البرنامج هو الإيقاف من قِبل السلطة الفلسطينية، نتيجة حلقة لاذعة انتقد فيها فريق البرنامج السلطة الفلسطينية بجرأة شديدة، أدت إلى إنتهاء بث حلقات البرنامج على شاشات التلفزيون، وعودته إلى ساحات مواقع التواصل الاجتماعي بقناة رسمية على يوتيوب، و ببرنامج جديد بإسم ” هي هيك”، كما حصل البرنامج بعد ذلك على جائزة أفضل عمل كوميدي عربي من مونديال القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 2013.
حلقة ” تقسيم فلسطين” التي تسببت في وقف برنامج ” وطن ع وتر”
كان البرنامج تحت مُسمى فنجان البلد في عام 2012، وهو العام الذي ظهر فيه بقناة رسمية على يوتيوب، ناقشت حلقات البرنامج الظواهر الاجتماعية والسياسية التي تخص المجتمع الفلسطيني، كما تم عرض البرنامج على قناة رؤيا على التلفزيون الأردني، قبل أن يتم تغيير البرنامج في عام 2014 إلى برنامج “بالشكلوب”، أو بالعكس، وهو برنامج ساخر ينتقد الظواهر الاجتماعية والقضايا السياسية المتعلقة بفلسطين بتصوّره أوضاع معكوسة ويرصد ردود الشعب الفلسطيني تجاهها، مثل فرضية منح فلسطين مساعدات للولايات المتحدة الأمريكية في الحلقة أدناه.
حلقة من حلقات البرنامج
برنامج الكوميديا الإرتجالية في غزة هو أحد أشهر برامج الكوميديا السوداء على يوتيوب في فلسطين، فهو يناقش القضايا التي تؤرق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر يوميًا، بداية من الحصار الإسرائيلي من جهة والحصار المصري من جهة أخرى، بالإضافة إلى أزمة نقص الوقود وانقطاع الكهرباء، بالإضافة كذلك إلى انتقاد البرنامج للممارسات الاجتماعية التي تعتمد على العادات والتقاليد المتحجّرة، وهى إحدى الأمور الشائكة في قطاع غزة.
حلقة من حلقات البرنامج على يوتيوب
اهتم برنامج “بس يا زلمة” بتنويع المضمون، فقام “محمود زعيتر” بتسليط الضوء على مشاهد من نمط الحياة اليومية، كما ركز على الشباب وما يعيشوه من تغيّرات واضطهادات سلبية تجاههم، كما تميز البرنامج بجودة الإنتاج مقارنة بغيره من برامج الكوميديا الارتجالية، يتم عرض البرنامج على قناة “تشويش” على يوتيوب، والتي تعرض برامج مختلفة للكوميديا التراجيدية الفلسطينية، حيث بلغ عدد مشاهداتها 3 مليون مشاهدة.
حلقة من حلقات البرنامج
هو برنامج يسلط الضوء على كل ما هو “نشاز”، أي كل ما هو غير مألوف وسلبي في العادات المجتمعية في فلسطين، يقوم بتصويره فريق مكون من أربعة ممثلين شباب من رام الله والقدس، شارك بعضهم في تجارب كوميدية ومسرحية سابقة، من بينها البرنامجين الكوميديين السابق ذكرهما؛ “وطن ع وتر” و “فنجان البلد، قبل أن يقوموا بتصوير برنامج كوميدي مستقل، يصفونه بالكوميديا الفلسطينية بنكهة النشاز.
حلقة الانقسام الفلسطيني من برنامج “نشاز”
فن الكوميديا السوداء، أو الكوميديا الارتجالية أو التراجيدية، هو فن يعكس واقع الحياة في المجتمع الفلسطيني بعيدًا عن الصور النمطية له في الإعلام المحلي والدولي، كما يعكس حقائق من الشارع الفلسطيني مباشرة إلى المُشاهد خلف الشاشة الإلكترونية، تجعله يفهم الوضع الراهن بصورة أفضل، وذلك بسبب تقديمها بصورة كوميدية وليست صورة جادة كما اعتاد عليها المشاهد وملّ منها، وهو ما يجعله ينجذب إليها ويحب متابعتها بشكل مستمر، فالفن الساخر هو من أهم الفنون القادرة على إحداث التغيير، وذلك بسبب المسئولية الواقعة على عاتقه بأن يقوم بإيصال الفكرة إلى عقل المشاهد ولكن عليه أن يقوم بإضحاكه في نفس الوقت.