تنذر عديد المؤشرات الاقتصادية في تونس، باتجاه البلاد نحو أزمة غير مسبوقة، وامكانية الانزلاق نحو افلاس الخزينة العامة للدولة، نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تشهده البلاد منذ سنوات عدة.
وعلى مدار أكثر من خمس سنوات، تعثر النمو الاقتصادي في تونس حتى أنه لم يتجاوز 1 % خلال الربع الأول من السنة الحالية، وفي الوقت نفسه فقد الدينار التونسي قيمته أمام الدولار واليورو، وتجاوزت معدلات البطالة 15 %، وساء الوضع الاقتصادي في البلاد إلى ما هو أكثر من ذلك.
خسائر مالية كبيرة نتيجة عدة أسباب
وتشهد تونس، تقلصا ملحوظا في الانتاج، خاصة في قطاعين أساسيين لجلب العملة الصعبة للبلاد وهما السياحة والمناجم اللذين تكبدا خسائر مالية كبيرة و كلفا ميزانية الدولة عجزا بقيمة 2.5 مليار دولار و 1.76 مليار دولار على التوالي.
الحرب على الارهاب من جهتها كلفت تونس نحو 4مليار دولار الى جانب الازمة في ليبيا التي كلفت البلاد 4مليار دولار، حسب ما صرح به رئيس تونس، الباجي قائد السبسي، في وقت سابق.
عجزت البلاد عن تحقيق نسبة النمو المتوقعة (2.5%)
ونتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها تونس وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها, عجزت البلاد عن تحقيق نسبة النمو المتوقعة (2.5%)، وهو ما أثر سلبا على موارد الدولة، وخلف خسارة بين 15 إلى 20 ألف موطن شغل جديد.
خسائر مالية كبيرة نتيجة الحرب على الإرهاب
وأشار تقرير صادر عن البنك المركزي التونسي، خلال أغسطس الحالي، إلى أن الأوضاع الإقليمية المحيطة بتونس، إلى جانب الأوضاع المحلية ، (عدم الاستقرار السياسي وتواصل الاحتجاجات وعدم الاستقرار الاجتماعي في مناطق الإنتاج، والتأخير في تنفيذ الإصلاحات الضرورية ومنها مجلة الاستثمار)، من شأنها أن تزيد من الضغط على الوضع الاقتصادي في البلاد.
وتواجه ميزانية الدولة لسنة 2016عجزا كبيرا، نتيجة الصعوبات المالية التي يواجهها كثير من الهياكل العمومية، وعلى رأسها الصناديق الاجتماعية وكبرى المؤسسات الحكومية، وفاتورة مكافحة الإرهاب والزيادات المتتالية في الميزانيات المخصصة للمؤسستين العسكرية والأمنية.
ارتفاع الدين الخارجي
بلغ الدين الخارجي لتونس خلال السنة الحالية 27 مليار دولار، بما يوازي 69 في المائة من الناتج القومي الإجمالي. وفي الآونة الأخيرة، وافق الاتحاد الأوروبي على قرض بقيمة 500 مليون يورو لمساعدة البلاد على سداد مدفوعات الديون القائمة، وخلق فرص عمل جديدة في الاقتصاد.
وفي مايو، وافق صندوق النقد الدولي، على قرض بقيمة 2.88 مليار دولار لمدة أربع سنوات بهدف دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي في تونس.
يكلف انهيار العملة المحلية، تونس، أعباء إضافية تناهز200 مليون دولار
إلى جانب ارتفاع الدين الخارجي لتونس، شهدت عملتها المحلية انهيارا غير مسبوق، نتيجة تزايد الطلب على العملة الأجنبية اللازمة للحصول على الواردات، في ظل تفضيل التونسيين للمنتجات المستوردة؛ مما خلق طلبا كبيرا على العملة الأجنبية.
و يكلف انهيار العملة المحلية، تونس، أعباء إضافية تناهز200 مليون دولار، إضافة إلى تخصيص 6.5 مليار دولار لنفقات الأجور، وتخصيص نحو 2.5 مليار دولار لنفقات التنمية، وأكثر من 25 مليار دولار للدين العمومي.
وسبق لمحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، أن أكد في وقت، أن “تمويل ميزانية 2017 سيكون صعبا في ظل عدم كفاية الموارد الجبائية، التي لا تغطي النفقات الجارية مثل أجور القطاع العمومي ودعم المؤسسات وميزانيات الصناديق الاجتماعية”.
انهيار العملة المحلية
العياري, أكّد, أن الموارد الجبائية المباشرة وغير المباشرة لا تكفي لسداد أجور أكثر من 670 ألف موظف تعادل قيمتها 1 مليار دينار شهريا، قائلا: “نحن بصدد البحث عن حلول معقولة تخول تحقيق النمو وزيادة حجم الادخار، الذي لا يتجاوز 13 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، والارتقاء بالاستثمار في نفس الوقت”.
تسعى تونس إلى حشد الدعم الدولي لتوفير اعتمادات مالية تبعدها عن مخاطر إعلان الإفلاس الاقتصادي والمالي
وتوقع البنك الدولي، في تقريره الأخير عن الآفاق الاقتصادية في تونس، استمرار تنامي ضغوط المالية العامة مع زيادة الإنفاق الجاري المتفاقم بسبب الزيادة المعلنة في الأجور بداية من عام 2016 والتعيينات الجديدة في قوات الأمن والدفاع.
نتيجة هذا الانهيار المالي، تسعى تونس إلى حشد الدعم الدولي لتوفير اعتمادات مالية تبعدها عن مخاطر إعلان الإفلاس الاقتصادي والمالي. في هذا الاطار, صادق البرلمان التونسي، الاسبوع الماضي، على مشروع قانون يتعلق بمنح ضمان الحكومة الأميركية لإصدار تونس قرضا رقاعيا (سندات طويلة المدى) بقيمة 500 مليون دولار من الأسواق المالية العالمية، يسدد على 5 سنوات.
ومن المنتظر ان يمكّن الضمان الأمريكي تونس من الحصول على قروض بنسبة فائدة في حدود 1.4 بالمائة عوضا عن 2 بالمائة مثلما أعلن عن ذلك وزير المالية التونسي أمام البنك المركزي.
إلغاء دعم المواد الاستهلاكية
وفي اطار البحث عن موارد مالية إضافية لفائدة موازنتها العامة في الفترة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها, و إيفاء بأحد بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي, تتجه تونس نحو إعادة النظر في منظومة دعم المواد الاستهلاكية بأكملها.
ويعتبر نظام دعم أسعار المنتجات المستهلكة في تونس واحدا من الأسباب الرئيسية وراء العجز في الميزانية في البلاد، بعد ارتفاعه من 475 مليون دولار في عام 2010 إلى نحو 3مليار دولار في الوقت الحالي، بزيادة قدرها 530 في المائة في ست سنوات.
تستنزف المحروقات ما لا يقل عن 70 في المائة من نفقات الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية
في هذا السياق، أشار زكريا حمد، وزير الصناعة، إلى اعتماد آلية الرفع التدريجي للدعم الموجه لعدة قطاعات إنتاجية، على غرار الصناعات الغذائية والنسيج والآجر والخزف. ويشمل هذا الإجراء مجالي الكهرباء والغاز، وذلك على فترة تمتد ما بين 3 إلى 6 سنوات.
توجه نحو رفع الدعم عن المواد الغذائية
وتستنزف المحروقات ما لا يقل عن 70 في المائة من نفقات الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية, وفق دراسات اقتصادية غير رسمية. ويقدر حجم الدعم الموجه للمواد الغذائية بما لا يقل عن 900 مليون دولار، في حين ارتفعت تكلفة دعم المحروقات إلى 2.1 مليار دولار.