أنهى مسلسل الفانتازيا “Game of thrones”، أو لعبة العروش موسمه السادس على التوالي، حيث بدأ في عام 2010، وتم عرض 6 مواسم منه حتى الآن من أصل ثمانية، على أمل عرض الموسم السابع والثامن في 2017 و 2018 على التوالي، كما تم تصوير حلقات المسلسل في عدة بلاد مختلفة منها أيرلندا الشمالية ومالطا واسكتلندا والولايات المتحدة والمغرب.
يدور المسلسل باختصار في قارتين خياليتين، تتصارع فيهما عائلتين على العرش الحديدي للممالك السبعة في حضور خطر آخر على تلك الممالك متمثلًا في مخلوقات خيالية، حيث يتناول المسلسل خلال تلك الصراعات قضايا اجتماعية مثل العدالة والولاء والتضحية، والحب والجنس، والحرب الأهلية والدين والمراتب الاجتماعية.
تم ترشيح المسلسل للعديد من الجوائز العالمية، بما في ذلك ترشيحاته لجائزة الإيمي للمسلسلات المتميزة للمواسِم الأربعة الأولى، وفوزه بالعديد من الجوائز الأخرى، كما نال المسلسل قاعدة جماهرية واسعة ومتنوعة في مختلف البلاد، كما نال استحسان النقاد، حيث يُقدر المسلسل بأنه من أكثر المسلسلات التي حازت على أكبر طاقم من الممثلين على شاشة التلفاز، حيث تم تسجيل عدد 257 ممثل في الجزء الثالث فقط.
ما هو المميز في مسلسل “لعبة العروش”؟ وما الذي يجعل كل قراء الرواية شغوفين إلى هذا الحد برؤية أحداث الرواية ممثلة أمامهم على شاشة التلفاز، وما الذي يجعل مشاهدي المسلسل في ترقب تام لحلقات المسلسل القادمة، وأن يكون للمسلسل تلك الجماهيرية الشعبية المتنوعة، على الرغم من أنه يستمر إلى موسمه السادس بنفس المنهاجية من قطع للرؤوس واغتصاب وذبح وحرق وجرائم تضحية مستمرة؟
الرابطة العاطفية
تعد الرابطة العاطفية أحد أهم الأسباب التي تجعل مشاهدي لعبة العروش مرتبطين بكل شخصية من شخصيات المسلسل، فهذا ما ركز عليه كاتبو الرواية، وكاتبو حلقات المسلسل أيضًا، فالمشاعر التي تربط المشاهد بكل شخصية، هي ما تجبره كل مرة على الانتظار بشغف لرؤية ما سيحدث له في الموسم القادم، حتى وإن كانت تلك المشاعر هي مشاعر كره لأحد الشخصيات، فهذا لا يمنع من تكوين علاقة عاطفية بين الشخصية والمشاهد تجعله في كل مرة يتابع من أجل أن يرى نهاية تلك الشخصية الكريهة بالنسبة إليه.
الموت، والموت، والكثير من الموت
تمتلئ مشاهد مسلسل لعبة العروش بكثير من مشاهد الحرب والقتل والموت، وهو ما يحب المشاهد أن يراه عندما يأتي الأمر لإحدى الشخصيات التي يكرهها ويتمنى زوالها، ولكنه يحدث أيضًا للشخصيات التي ارتبط بها المشاهدون منذ الجزء الأول، وهو ما يصدمهم حد البكاء لفراق تلك الشخصيات، فعلى الرغم من توفع معظم مشاهد الموت من قِبل المشاهدين، والتي تصيب في أغلب الأمر، إلا أنها مازالت صادمة ومفاجئة لهم، حيث يكون الأمر ممتع للمشاهد إذا ما توقع نهاية شخصية، ويرى نهايتها بالفعل في الحلقة على الرغم من عدم قراءته للرواية.
إستحالة توقع أحداث المسلسل
على الرغم من أن توقع نهاية بعض الشخصيات قد يصيب أحيانًا مع بعض المشاهدين، إلا أنه من المستحيل توقع أحداث هذا المسلسل بالذات، فهو دائمًا يركز على عنصر المفاجأة الذي يجعل المشاهدون يقفزون عن مقاعدهم، وهو أحد الأسباب التي تُفسر هوس الجماهير بمسلسل لعبة العروش، حيث يترك كل موسم المشاهد في حالة من المفاجأة تجعله شديد الشغف والترقب للموسم المقبل.
الكثير من الشخصيات
يعد مسملسل لعبة العروش من أكثر المسلسلات التي تحتوي على أكبر عدد من الممثلين في تاريخ المسلسلات، فعلى الرغم من هذا العدد الضخم من الشخصيات داخل الحبكة النصية، إلا إن المسلسل يربطهم ببعضهم في حبكة درامية رائعة، ولا يكتشف المُشاهد ذلك إلى في نهاية الأمر، وهو ما يضيف عليها لمسة مفاجأة تعجب المُشاهد وتدهشه.
يحتوي المسلسل على شغف كل شخص
ربما يتحجج البعض بكرهه للفانتازيا أو التنانين والمخلوقات الخيالية، لذلك فهو لن يستمتع بمشاهدة مسلسل لعبة العروش، إلا ان المسلسل لديه ما يجذب به كل شخص، بمعنى أن المسلسل يربط بين القضايا الاجتماعية، وبين مفاهيم الحياة الأساسية، والقيم الإنسانية مع تصويره لتلك المخلوقات في ذات الوقت، فقد تفوق مسلسل لعبة العروش على باقي المسلسلات في ربطه للسياسة و القيم الإنسانية داخل إطار الحروب والصراعات بين الناس وبعضها وبين تلك المخلوقات الخيالية، والسحرة وغيرهم من شخصيت الفانتازيا، وهو ما يجعله مسلسل شامل، يستطيع الجميع مشاهدته لأنه سيلائم كل الأذواق، وربما هذا ما يفسر شعبية المسلسل الكبيرة، وقاعدته الجماهرية المتنوعة في كل بلاد العالم، على الرغم من اختلاف الثقافة واللغة.
يرى البعض أن لعبة العروش يتميز بقوة خاصة عن باقي المسلسلات، في إقناعه المشاهد بأن مشاهد القتل الجماعي والعنف والقسوة هي من أهم مقومات العمل الدرامي الآن، وهذا يفسر جماهيرية المسلسل المستمرة رغم كل مشاهد العنف الحادثة، ليكون لدى المشاهد في كل مرة مستوى أعلى من توقع العنف والمشاهد الدموية داخل الحلقة، فالمسلسل يستمر من رعب إلى مزيد ومزيد من الرعب، يضفي المسلسل كذلك قيم مجتمعية قاسية، بتصويره للشخصيات الضعيفة بأنها الشخصيات التي يتم استغلالها، أو انتهاك حقوقها، أو اختطافها وقتلها، بعكس الشخصيات القوية التي تقوم بتلك الأفعال الدموية والعنيفة من أجل البقاء.
يختلف لعبة العروش عن المسلسلات المشهورة الأخرى كمسلسل ” Breaking bad”, ” House Of Cards”، فيصفه بعض النقاد بأنه أحد المسلسلات الفارضة للذوق الاجتماعي المعتل أو المريض، فهو ليس فقط عن أشخاص تقوم بإيذا بعضها البعض، فقد تم إتقان الحوار وحبك الأحداث بشكل جيد جدًا، والأمر كله بيد الكاتبين، لو أرادوا أن تظهر تلك القيم الاجتماعية بشكل أقل دموية وأقل عنفوانية لفعلوا، ولكنهم أرادوا توظيف تلك الموهبة التي يمتلكوها في سبيل الوحشية.
هل يريد أي من متابعي مسلسل لعبة العروش أن يعيش قصة ذلك المسلسل في الحياة الواقعية؟ هذا هو أحد الأسئلة التي يتعجب منها الكثير، وهي أحد الأسئلة التي تكشف مدى تأثير المسلسلات في التفكير اللاوعي للبشر، حيث لا يعتقد العديد من النقاد أن محبي لعبة العروش سيفضلون خوض تلك التجربة في حياتهم الخاصة.
هل تحاول الليبرالية الحديثة التنفيس عن الذات المكبوتة، لذا تقوم بصنع تلك النوعية من المسلسلات، أم أن تلك النوعية هي محض تعبير عن وجهة نظر الليبرالية الحديثة عن الإنسانية؟، فبمجرد تحطيم معاني الإنسانية والنظام والسلام في تلك المشاهد، كيف يمكن للمجتمع محاولة تطبيقها في الواقع بطريقة آمنة، وكيف يمكن أن يحتفظ أي فرد في المجتمع بسلامه الداخلي؟