في 28 يوليو 2016، أعلنت جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه في اليمن، عن تشكيل مجلس سياسي لإدارة شؤون البلاد، الاتفاق المشار إليه الموقع في العاصمة اليمنية صنعاء ينص على تشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد يتكون من عشرة أعضاء، وللمجلس الحق في إصدار القرارات واللوائح اللازمة لإدارة البلاد، ورسم السياسة العامة للدولة.
ووقع الجانبان ما أسمياه “الاتفاق الوطني السياسي”، الذي بموجبه ستتحدد مسؤولية قيادة البلاد، وتسيير أعمال الدولة وفقًا للدستور الدائم للجمهورية اليمنية والقوانين النافذة، وحسب البيان الصادر عن اللقاء بين الجانبين.
وهو ما يعني حل اللجان الشعبية التي كانت تحكم اليمن، وإلغاء الإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثيون عقب تقديم الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي استقالته للبرلمان اليمني الذي كان مقررًا أن ينظر في تلك الاستقالة غير أن الخطوات التالية التي أقدم عليها الحوثيون أحالت دون ذلك، وهو ما ظل نقطة خلاف بين المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيون، إلى أن تم تأسيس مجلس سياسي أعلى في البلاد، وبموجبه تعود المؤسسات الشرعية في اليمن.
وفي 6 أغسطس أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، فشل مشاورات السلام في الكويت بين الأطراف اليمنية، غير أنه قال إنها مستمرة وسوف يتم استئنافها في غضون شهر في مكان يتم الاتفاق عليه لاحقًا.
وفي نفس اليوم أعلن مستشار وزير الدفاع السعودي اللواء أحمد عسيري استئناف عمليات “إعادة الأمل” في اليمن، ونفس اليوم أيضًا دعت هيئة مجلس رئاسة البرلمان اليمني أعضاءه إلى الاجتماع يوم السبت 13 أغسطس 2016، دون أن تحدد أسباب ذلك الاجتماع وما المواضيع التي طرحها على طاولة أعضاء مجلس النواب اليمني لمناقشتها.
وفي خطوة استباقية، وبعد يومين من أعلان مجلس النواب اليمني عزمه عقد جلسة مع أعضائه، أعلنت المملكة العربية السعودية تعليق الرحلات الجوية إلى مطار صنعاء الدولي لمدة 72 ساعة (ثلاثة أيام)، زامن الإعلان عملية عسكرية جوية وبرية واسعة ورفعت غرفة العمليات مذكرة لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أبلغته فيها بتعليق الرحلات من وإلى مطار صنعاء الدولي لمدة 72 ساعة بشكل مبدئي قابلة للتمديد.
مذكرة وزارة الدفاع السعودية إلى الأمم المتحدة عن تعليق الرحلات الجوية إلى اليمن
هذا الإعلان والخطوات العسكرية من قبل التحالف يبين القلق الشديد للمملكة العربية السعودية، من أن يعقد مجلس النواب اليمني جلسته لمناقشة استقالة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، وتعليق الرحلات جاء بعد أن عزم عدد من أعضاء البرلمان اليمني المتواجدون خارج البلاد للعودة للمشاركة في الجلسة الأولى بعد عودته رسميًا.
القلق والارتباك انتاب المملكة العربية السعودية، وهو ما جعلها تتخذ خطوات عدة، أبرزها تشديد الحصار الجوي والبري والبحري على اليمن لمنع وصول أعضاء مجلس النواب إلى اليمن، والتحرك العسكري في مختلف الجبهات، وعملت على وقف الطيران من وإلى اليمن وضربت المطارات كي لا يصل أحد من أعضاء البرلمان من الخارج، إضافة إلى تدمير كل النقاط الأمنية المحيطة بصنعاء كي لا يصل الأعضاء المتواجدون في المحافظات اليمنية الأخرى إلى صنعاء، وهو ما كنا قد أوضحنا هذا السيناريو في موضوع “حرب الحدود اليمنية السعودية” السابق، وكذا تحركها إعلاميًا في التشكيك بشرعية البرلمان اليمني الذي يعد شرعيًا وفقًا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي التي منحت الشرعية للرئيس عبده ربه منصور هادي (عامين فقط)، لكن المجلس ينتهي مع أول استفتاء على الدستور الجديد، وهو ما يعني أنه ما يظل قائمًا حتى بعد انتهاء فترة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي المحددة بعامين.
ومن ضمن تلك المحاولات التي تعمل عليها المملكة العربية السعودية والحكومة الشرعية، هو ما اعتبره نائب رئيس الوزراء اليمني ووزير الخارجية عبد الملك المخلافي أن الاجتماع خيانة، موضحًا أن كل من سيشارك في الجلسة سيعتبر مشاركًا في “العملية الانقلابية”.
في الحقيقة إن عودة انعقاد مجلس النواب اليمني هو اعتراف ضمني بشرعية الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي من طرفي صنعاء، لكن ذلك يتوقف على ما سيعقب جلسة البرلمان، والقرارت التي سيتخذها حيال ذلك، وهناك سيناريوهات يمكن أن يقدم عليها البرلمان وفقًا للدستور اليمني في مواده 115 و116 و128.
السيناريو الأول
سيناقش البرلمان اليمني الاستقالة التي قدمها الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي إليه في 22 يناير 2015، وتعذر من الانعقاد بسبب إجراءات الحوثيين الذين سيطروا حينها على كافة المؤسسات الشرعية، ومنعوها من ممارسة عملها الدستوري، قبل أن يقدموا على حله في إعلانهم الدستوري.
تنص المادة (115) من الدستور اليمني على أن “يجوز لرئيس الجمهورية أن يقدم استقالة مسببة إلى مجـلس النواب، ويكون قرار مجلس النواب بقبول الاستقالة بالأغلبية المطلقـة لعدد أعضائـه فإذا لم تقبـل الاستقالـة فمن حقـه خـلال ثلاثـة أشهر أن يقدم الاستقالـة وعلى مجلـس النـواب أن يقبلهـا”.
لكن الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي إلى الوقت الحالي لم يقدم رسالة مكتوبة إلى البرلمان يعلن فيها عن تراجعه عن الاستقالة، وهو ما يعد أمرًا غير مفهوم من قبل هادي، وما إن كان لا يعلم الخطوات الدستورية التي يجب أن يقدم عليها، أو أنه لا يعترف أصلاً بشرعية المجلس كما أعلنها وزير الخارجية عبد الملك المخلافي، وإن كان ذلك صحيحًا فإن هذا يعد أمرًا خطير بالنسبة لشرعيته، فهادي وحكومته يستمدون شرعيتهم من هذا المجلس والمبادرة الخليجية.
السيناريو الثاني
إن لم يناقش البرلمان اليمني استقالة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، واكتفى بحديثه عقب فراره إلى عدن، وتجاهله تقديم استقالته، فإنه قد يلجأ إلى المادة 128 من الدستور اليمني لنزع الشرعية من الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي.
وتنص المادة (128) من الدستور اليمني على “يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد بناء على طلـب من نصـف أعضاء مجلـس النـواب ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضائـه ويبين القانون إجراءات محاكمتـه، فإذا كان الاتهام موجهًا إلى رئيس الجمهورية ونائبـه تباشر هيئة رئاسة مجلس النواب مهـام رئاسة الجمهورية مؤقتًا حتى صدور حكم المحكمة، ويجب أن يصدر القانون المشار إليه خلال دور الانعقاد العـادي الأول لمجلس النواب التالي لسريان هذا الدستور وإذا حكم بالإدانة على أي منهما أعفي من منصبه بحكم الدستور مع عـدم الإخـلال بالعقوبات الأخرى وفي جميع الحالات لا تسقط بالتقـادم أي من الجرائـم المذكـورة في هـذه الـمـادة”.
بمعنى أن المجلس قد يطعن على شرعية الرئيس هادي، ويعمل على تأسيس محكمة قضائية لمحاكمة الرئيس بتهمة الخيانة العظمى، وهذا لن يكون إلا بنصف أعضاء البرلمان من العدد الكلي 301 عضو أي 151 عضوًا يجب أن يوافقوا على هذا الاتهام، وهذا السيناريو يبدو الأقرب لتفادي أي عقبات قانونية من السيناريو الأول.
السيناريو الثالث
قد يبارك البرلمان اليمني تأسيس المجلس السياسي الأعلى الذي أعلنه الحوثيون والمؤتمر الشعبي العام، لكن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر الدستورية، فالدستور اليمني لا يوجد في ثناياه أو أي من مواده ما يبين وجود مثل هذا المجلس، وهذا ما قد يعزز من موقف شرعية الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، على اعتبار أن قرارات المجلس جاءت تحت القوة القاهرة، وهو أيضًا ما سيعزز من موقف التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في التدخل باليمن، ويزيد المشهد السياسي تعقيدًا.
ذلك كله يزيد اشتداد المواجهات داخليًا وفي الحدود ومزيد من التعقيدات في المشهد السياسي اليمني، وستبرز شرعيتان متصارعتان قد تضيف تعقيدات لما هو قائم.
أما الموقف الأممي سيتوقف على كيفية إخراج الشرعية الجديدة في مجلس النواب، وإن كان ذلك يتوافق مع الدستور اليمني، وانعقاد البرلمان وقراراته قد يعمل على شق الصفي الأممي وينقسم الموقف الدولي كل حسب مصلحته ورؤيته للأوضاع.
الأيام المقبلة ستكون صعبة حتمًا بعد فشل المشاروات اليمنية وإعلان مجلس سياسي أعلى وعودة البرلمان اليمني للانعقاد، ومعركة كسر العظم في صنعاء وجوارها، جارية على قدم وساق، ويقابلها أيضًا معركة شرسة في الحدود السعودية اليمنية وهي قد تكون أكثر صعوبة تواجه السلطات السعودية.
ما لم يتوصل اليمنيون لحل سياسي ينهي هذه المأساة، فإن دمائهم ستظل تنزف سنوات طويلة دون أن يشعر أحد بهم في العالم، ولا يمكن للحلول العسكرية أن تتفوق أو الوصول إلى نتيجة ترضي طرف ما، فلا التحالف قادرًا على دخول العاصمة اليمنية صنعاء، ولا الحوثيون قادرون على اقتحام الرياض.