ترجمة وتحرير نون بوست
قالت أسومان عنتبلي، التي عملت لسنوات ممرضة بمستشفى بكارولينا الشمالية، إن أغلب الناس تتجاهل الحجاب الذي ألبسه رمزًا لتمسكي بإسلامي، ولكن قد يصادف أن يعتدي عليها أحد المرضى ويرميها بكلمات جارحة، ولكنها لا تبالي، في إحدى المرات في الفترة التي قتل فيها أسامة بن لادن عام 2011 في طريقها للمنزلب سيارتها، رماها أحد المارة بكلام فاحش ولعنها.
ولكن منذ السنة الماضية مع بداية الصعود المذهل لدونالد ترامب ساءت الأوضاع بالنسبة للسيدة عنتبلي، بدأ المرضى أو أقاربهم يرمقونها بنظرات حادة، بينما يرتدي غيرهم قبعات وقمصان ترامب تعبيرًا عن رفضهم لها، بينما رفض بعضهم أن يتلقى العلاج على يديها، على الرغم من عملها في غرفة الطوارئ.
قال زوجها عبد الله عنتبلي الذي يدرس البحوث الإسلامية بجامعة دوك: “هذا أمر مؤلم” وأكّد أنه تلقى معاملة مماثلة من قبل طلبته، وقد ذرفت دموع الزوجين عندما شاهدا أخيرًا المهاجر خيزر خان وهو يوجه توبيخًا شديد اللهجة لترامب في مؤتمر توافق الديمقراطيين بفيلادلفيا، لقد أثار خان في خطابه موضوعًا حساسًا وهز الساحة السياسية الأمريكية؛ وهو مقتل ابنه هوماين، الجندي في القوات الأمريكية، في العراق سنة 2004، وقد ساهم رد فعل ترامب القبيح من خطاب خان في تراجع موقعه في الانتخابات وما زال يصارع حتى يتعافى من نتائج فعلته.
بالنسبة للأمريكيين المسلمين أمثال السيد عنتبلي فالخطاب جاء في وقت مناسب لمعالجة الوضع، خاصة رد الفعل المثالي لترامب في انتخابات صورت المسلمين على أنهم خونة، غير جديرين بالثقة وخطرين، وقد قال السيد عنتبلي “شعرت كأنه تدخل إلهي، لم ينكروا إسلامهم، لم ينكروا أنهم مهاجرون ولا أنهم أمريكيون، كانت تلك هي المرآة التي احتجناها لنثبت تمسكنا بالمجتمع الأمريكي”.
تركيز المجهر على المسلمين هو جزء من هوية الأزمة، إلى جانب أزمة العرق والدين والجنسية، التي جذبت استقطاب الناخبين نحو هذه الانتخابات، مدفوع بتصريحات ترامب المشتتة، والتي وضعت انقسامات سياسية على خط النار بين الأنصار والمنتقدين، ما تسبب في وقوع أشياء غير متوقعة.
في شباط/ فبراير نشر كيث إليسون أحد الممثلين المسلمين في الكونغرس في مينيسوتا، إعلانًا على صفحة كاملة في صحيفة ستار تربيون، داعيًا من منزله بمينيابوليس الأمريكان لنبذ التعصب الأعمى والكراهية قائلاً: “كل تصريح متعصب وكل تعليق مغرض يستهدف المسلمين يحتاج لإجابة“.
على الرغم من أن السيد إليسون ديمقراطي إلا أن الإعلان الذي نشر على الصحيفة تكفل به رجل أعمال محلي جمهوري، قال سيد أليسون: “لا تُغلب الناس وهي جالسة، ليس المسلمون فقط، الأمريكيون من كل الأطياف، يهود ومسيحيون وغيرهما، سيضطلعون بمسؤولية الدفاع عنهم“.
يبدو السيد خان أنه الشخص المثالي للتصدي لإهانات ترامب، على الرغم من ذلك يبقى أسلوب السيد خان الذي سوّق له بشكل مبالغ فيه من قبل الإعلام الأمريكي يثير العديد من المناقشات وعدم الارتياح لدى الكثير من المسلمين، كأن وطنية مسلمي أمريكا لا يمكن أن تقاس إلا من خلال مدى مواجهتهم للإرهاب وفي السياسات الخارجية.
وقد أثار هذا سؤالاً مفاده: هل تصريح السيد خان المحدد والقوي، الذي يظهر فيه وفاة ابنه في حرب يحوم حولها الكثير من الجدل على أرض مسلمين، يثبت أنك مسلم جيد؟
أدّت المناقشات إلى “معضلة أخلاقية داخلية”، قالت داليا مجاهد، مستشارة سابقة لدى أوباما في شؤون مسائل الإيمان، وهي الآن باحثة ومديرة بحوث بمعهد السياسات الاجتماعية والتفاهم: “أخيرًا جاء من يمتلك السلطة الأخلاقية ليقف أمام ترامب ويتحداه، ولكن في الوقت نفسه عظّم جهود قوات عسكرية أو على الأقل تغاضى عن حرب مضللة وغير عادلة“.
وقالت إن الحجج التي استخدمها، والتي انتشرت على الواب تشير إلى نقطة ومشكل قديم يعاني منه قرابة 3.3 مليون مسلم في أمريكا، الكثير منهم يعارض سياسة أمريكا الخارجية في الدول المسلمة مثل أفغانستان وباكستان، على الرغم من هذا هم يشعرون بقدرتهم على المنافسة في هذه الانتخابات التي يتلاعب بها السياسيون والتغطية الإعلامية التي تساوي المسلمين بالإرهاب، مع خوفهم من أن يتهموا بكونهم “الطابور الخامس”.
تعقدت المناقشات مع أحداث العنف التي يرتكبها المتطرفون داخل الولايات المتحدة، مثل العملية الإرهابية التي وقعت بسان برناندينو وكاليفورنيا من قبل زوجين مسلمين صرّحا أنهما يقاتلان إلى جانب تنظيم الدولة، أو الهجوم الذي نفذه عمر متين ابن عائلة أفغانية مهاجرة، بنادي ليلي بأورلاندو بفلوريدا، قالت حفصة كانجوال مرشحة دكتورة بجامعة ميشيغان: “تم توظيف الوضع سياسيًا، لدينا هوماين خان نموذج للمسلم الجيد وعمر متين للمسلم السيء، أعتقد أن في الحالتين تم التلاعب بالإسلام”.
بالنسبة للبعض الآخر لا يتعدى الأمر واقعية سياسية في وقت تنتشر فيه هوامش الأفكار في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى دعوات منع المسلمين المهاجرين من دخول أمريكا واقتراح ترامب غلق بعض المساجد، ووضع بطاقة هوية خاصة بالمسلمين وإنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتتبع ومراقبة كل المسلمين المقيمين بأمريكا.
أعجبت بعض هذه الأفكار بعض الأصوات وظهر الإعجاب في شكل أعمال عنف ضد المسلمين: ورد في تقرير حديث لجامعة جورج تاون، وهو مركز للتفاهم بين المسيحيين والمسلمين، أن الحملة الانتخابية رافقها صعود العنف ضد المسلمين في كامل البلاد، وتراوحت أعمال العنف بين الهجوم على الأشخاص والمساجد.
ولكن غالب التوتر السياسي ساد في الحياة اليومية من خلال أحداث عنف صغيرة، وقد قال عشرات المسلمين من أماكن متفرقة بأمريكا في لقاء معهم: انتشرت التعليقات العارضة من قبل زملائهم، كما تعرض أبناءهم للكراهية في المدارس وتعرضت النسوة مرتديات الحجاب للنظرات العدائية، في نيسان/ أبريل أنزل طالب عراقي من رحلة على متن طائرة بكاليفورنيا بعد أن أنذر مسافر المسؤولين بوجود رجل يتحدث العربية.
قال حسان منهاج، وهو كوميدي في برنامج “ديلي شو”، معلقًا على مؤتمر التوافق الجمهوري الذي حضره: “شعرت بأنه مؤتمر هزلي للعنصرية”، ولكنه أضاف: “لم تكن إلا أقلية تلك التي صاحت بألفاظ مرعبة، ولكن الغالبية كانت متجاهلة، لم تكن تعلم أكثر من ذلك“.
من المفارقات أن السحابة السياسية الغامضة جاءت في توقيت تمتلك فيه أصوات المسلمين قيمة أكثر من قبل، بعيدًا عن قيد مناقشات الإرهاب، تراجع الاستهزاء من المسلمين في الثقافة الشعبية، مثل البرامج التلفزيونية، كما توافد قادة المجتمع المسلم، حتى المنتقدين لسياسة أمريكا الخارجية، في حزيران/ يونيو إلى العشاء الرمضاني الذي أقامه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالبيت الأبيض.
ولكن صوت واحد، صوت ساجد ترار، الذي ولد في باكستان، واحد من بين عدد قليل من المسلمين الذين تحدثوا دفاعًا عن دونالد ترامب، قال في حوار معه إنه تلقى الكثير من الرسائل الإلكترونية المليئة بالكراهية من مسلمين آخرين يتهمونه بالخيانة لأنه يردد موقف ترامب حول خطورة “الإصلاحات السياسية” واللاجئين السوريين.
وقال “لماذا يأتي هؤلاء إلى هنا ويتركون بلدهم؟ لماذا لا يذهبون إلى تركيا، الأردن أو لبنان؟ أوروبا الآن تشتعل”، كما قال إن منظمته بها 500 عضو، وقال إنه “جزء من الأمريكيين الغاضبين، ولأني مسلم علي أن أظهر أن المسلمين ليسوا كلهم إرهابيين“.
المصدر: نيويورك تايمز