ترجمة من الفرنسية نون بوست
هل ستدفع هيلاري كلينتون الولايات المتحدة الأمريكية نحو تعديل ثانٍ للدستور الأمريكي إذا فازت في الانتخابات الرئاسية، كما ادعى خصمها الجمهوري دونالد ترامب؟ إذا كانت هذه الادعاءات مجرد حملة دعائية يقوم بها ترامب ضد منافسته المباشرة في السباق نحو البيت الأبيض، فإن الأمر الذي لا شك فيه هو أن هيلاري كلينتون سوف تعمل على الحد من حرية امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، ووضع قيود كبيرة على استعمالاتها.
في حال نجحت السيدة الأولى للولايات المتحدة سابقًا في الوصول إلى البيت الأبيض في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، فإنها ستجد نفسها في مواجهة شبكة قوية من تجارة السلاح سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الدولة، الذي تمثله جمعية البندقية الوطنية.
أقوى لوبيات العالم
ظهرت هذه الجمعية سنة 1871، ما يجعلها من بين أولى جمعيات المجتمع المدني التي تدافع عن حق امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، وتمتلك هذه الجمعية نفوذًا كبيرًا يمكنها من التأثير على توجهات أصحاب القرار، حيث لا تتردد في إغداق ملايين الدولارات على أعضاء الكونجرس الأمريكي لضمان دعمهم لحقوق امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، ومواجهة كل مشاريع القوانين التي يمكن أن تفرض قيودًا على هذه الحقوق.
يترأس آلا ندي كور جمعية البندقية الوطنية في الولايات المتحدة منذ سنة 2015، ويتمتع رجل الأعمال الجمهوري بشبكة واسعة من العلاقات، التي دفعت أكثر من 5 ملايين شخص للانضمام إلى الجمعية التي تعتبر أكبر جمعية أمريكية، ومن بينهم شخصيات سياسية مشهورة في الولايات المتحدة، مثل شوط نوريس ووبي جولدبرغ، وبلغت ميزانية هذه الجمعية 350 مليون دولار في سنة 2013، وهو ما يعني ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بالأعوام الماضية، بفضل تطور قيمة التبرعات الفردية.
تأثرت قيمة التبرعات في السنوات الأخيرة، بالادعاءات التي تدور حول نيّة باراك أوباما، منذ سنوات، فرض قيود على حقوق تجارة الأسلحة وامتلاكها، وقد تزامنت فترة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي في سنة 2012، مع تنفيذ هجوم على مدرسة ساندي هوك، الذي أدى إلى مقتل 20 طفلاً و6 أشخاص آخرين.
أدت هذه الأحداث المأساوية إلى نتائج عكسية، فقد سيطر الخوف على أغلبية الأمريكيين من رغبة الحكومة الفيدرالية في السيطرة على عملية التجارة بالأسلحة، ما أدى إلى التأثير على مواقف العديد من الأمريكيين الذين أصبحوا أكثر تفهمًا لحقوق ملكية الأسلحة، وضرورة الدفاع عن هذا الحق الدستوري.
تمتلك الجمعية نفوذًا كبيرًا في الكونجرس الأمريكي من خلال التأثير على السلطة التشريعية الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي نهاية سنة 2015، عملت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على اقتراح مشروع قانون يهدف إلى حظر بيع الأسلحة الفردية على المواطنين خلال تنقلهم من وإلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في ذلك الوقت، حقيقة الضغوطات التي مارسها أحد أبرز قادة جمعية “بندقية الولايات المتحدة”، كريس كوكس، إلى جانب مجموعة كبيرة من لوبيات الضغط من أجل دفع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين للتخلي عن هذه الإجراءات، وقد ذكرت الصحيفة أن كوكس تبادل عشرات الرسائل الإلكترونية والاتصالات الهاتفية بطريقة مكثفة خلال وقت قياسي، كما عملت الجمعية على الدخول في اتصالات مباشرة مع قاعدتها الشعبية الواسعة التي تتكون من عدد كبير من الشيوخ للوقوف في وجه هذا القانون.
توصلت هذه الاتصالات المكثفة التي قامت بها لوبيات السلاح في الولايات المتحدة إلى رفض مجلس الشيوخ الأمريكي، بالأغلبية، قرار الحدّ من حريات امتلاك الأسلحة الفردية والمتاجرة بها، وفي المقابل، أثبت سبر للآراء قامت بها إحدى المنظمات الأمريكية خلال تلك الفترة أن أكثر من 90% من الأمريكيين الذين وقع استجوابهم يساندون إقرار حريات إضافية على عملية شراء الأسلحة.
وفي شهر يونيو/ حزيران، أعاد النواب الديمقراطيون اقتراح قوانين مماثلة تحد من حرية امتلاك الأسلحة الفردية بعد أحداث أورلاندو التي ذهب ضحيتها قرابة 49 شخصًا، لكن النتيجة لم تختلف كثيرًا، فقد واجه النواب الجمهوريون هذه القوانين بالرفض.
جماعات الضغط، وتمويل الانتخابات: المال والعزف على أوتار الحرب
تستثمر جمعية البندقية الأمريكية وجماعات أخرى ملايين الدولارات سنويًا من أجل ممارسة القوة الناعمة للضغط على أصحاب القرار، وقد ارتفعت نفقات جمعية البندقية الأمريكية بصفة تدريجية منذ انتخاب باراك أوباما في سنة 2009، بعد أن حافظت على نفس النسق لأكثر من 11 سنة، وفقًا لما ذكره مركز السياسة المتجاوبة، وهو مركز غير ربحي وغير حزبي يعمل على مراقبة نفقات الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة الأمريكية.
شهدت سنتا 2009 و2013 تطورًا كبيرًا في حجم النفقات بلغت أرقامًا قياسية بعد تجاوزها قيمة 500 ألف دولار، وقد تزامنت هذه الفترات مع انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة في سنة 2009، ثم إعادة انتخابه مرة ثانية في سنة 2013، وفي سنة 2015، أنفقت جمعية البندقية الأمريكية قرابة 3.6 مليون دولار على نشاطات الضغط.
جمعية البندقية الأمريكية ليست الجمعية الأمريكية الوحيدة التي تعمل على الدفاع عن حقوق امتلاك الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتأثير في عملية اتخاذ القرار السياسي في الكونجرس، إن منظمتي حقوق الأسلحة الفردية أو رياضات الرماية الوطنية، من بين المنظمات الأقل شعبية في الولايات المتحدة، لكنها لا تقل تأثيرًا عن بقية المنظمات الأخرى، خاصة فيما يتعلق بحجم الاستثمارات التي تخصصها للضغط على خيارات أصحاب القرار.
إن ادعاءات دونالد ترامب التي يتهم فيها خصمه هيلاري كلينتون بالسعي إلى تعديل الدستور الأمريكي للمرة الثانية في تاريخه، يعتبر أمرًا مستبعدًا حتى في حال وصولها إلى البيت الأبيض في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لأن إقرار تعديل مماثل يقتضي المصادقة عليه من طرف ثلاثة أرباع مجالس الولايات، وهو ما لا يمكن أن يتحقق على ضوء الموازنات السياسية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية.
المصدر:لوموند