ترجمة وتحرير نون بوست
إذا كان هناك شك في حالة التوتر الشديد القائمة بين روسيا وأوكرانيا، فإن إعلان الجيش الروسي، يوم الجمعة 12 أغسطس/ أب، بنشر أنظمة دفاع تحمي من هجوم الطائرات والصواريخ من نوع S-400في جزيرة القرم سيزيل كل الغموض.
سجل الكرملين وصول آخر هذه الصواريخ في يوليو/ تموز، ولكن هذا الإعلان الجديد حول نشرهم تم في الوقت الذي كانت فيه شبه جزيرة القرم، التي أصبحت تابعة لموسكو منذ سنة 2014، مركز التصعيد الخطير بين الدولتين المجاورتين لها.
اتهم جهاز المخابرات الروسية نظيره الأوكراني، في 10 أغسطس/ أب، بالتخطيط لشن هجمات ضد “أهداف حيوية” تابعة لشبه جزيرة القرم، بما في ذلك الطرقات والبنية التحتية السياحية، ما جعل موسكو تقوم، بين 6 و7 أغسطس الجاري، بإرسال رجال مسلحين بغاية التسلل إلى الحدود الأوكرانية، ما خلف قتيلين تابعين لوحدة الاستخبارات الروسية والجيش الروسي مع مقتل العديد من الجنود الأوكرانيين.
دفعت هذه الاتهامات الخطيرة وغير المسبوقة الرئيس بوتين، يوم الخميس، إلى الإعلان عن تعزيز أمني في شبه الجزيرة، كان قد مهد له في اليوم الذي سبقه، وفي اليوم الذي تلى الإعلان، استنكر رئيس الوزراء الروسي الجريمة التي تحاك ضد روسيا والشعب الروسي، وهدد على إثرها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا.
وأمر الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، على إثر هذه الاتهامات، الوحدات العسكرية المتمركزة بالقرب من شبه جزيرة القرم بترفيع حالة التأهب القصوى، وفي نفس الوقت دعت العواصم الغربية، المشككة في ادعاءات روسيا، إلى ضبط النفس، لكن لا يبدو أن هذه الدعوة ستمنع من نشوب حرب حقيقية، خاصةً مع التحركات الواسعة التي نفذتها القوات الروسية قبل هذه الأحداث الأخيرة.
في خضم هذا المناخ المضطرب، قد تكون تهدئة الوضع مهمة أسهل وأسرع من مجرد إشعال الحرب، ولكن الواقع الذي يقول إن شبه جزيرة القرم تقع في مركز التوترات الجديدة، قد يزيد من القلق المحيط بها.
جملة من الحوادث المزعجة
لا وجود لأي دليل يثبت أن الخدمات الأوكرانية لم تبدأ بتفعيل أعمالها على أراضي شبه جزيرة القرم، وقد أكدت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية أن “أوكرانيا لا تملك الطموح لاستعادة الأراضي المستعمرة، باستعمال القوة”، ولكن اتضح أن العاصمة الأوكرانية تقاتل وبشدة من أجل استرجاع الأراضي التي تم ضمها سنة 2014.
وجاء في التقرير الذي قدمته الاستخبارات الروسية وجود مناطق ضل خطرة، مما قد يوحي إلى أن القضية كانت مختلقة في كامل أوجهها، حيث ذكرت هذه النسخة الروسية أن القصف المدفعي كان قادمًا من الأراضي الأوكرانية، ولم تستند في ذلك إلى شهود.
ولم تكن موسكو قادرةً سوى على تقديم عامل واحد من العوامل المزعومة والمتمثل في رجل يدعى يفغيني بانوف، يعمل سائق شاحنة في منطقة زابوريزهيا، ولا نعرف عنه من المعلومات سوى أنه كان متطوعًا في الجيش الأوكراني لبعض الوقت وتم تنحيته بعد ذلك.
ويبين التسرع الفجائي الذي وضعه بوتين، والذي أعلن فيه عزمه على تعليق مفاوضات السلام مع الغرب، قرار الكرملين استغلال هذا الظرف.
هجمات عسكرية “أولمبية”
تعيش أوكرانيا، منذ سنتين، خوفًا كبيرًا يتمثل في رؤية روسيا تحاول الاستيلاء على الأراضي التي تربط شبه جزيرة القرم ودونباس التي وقع الاستيلاء عليها من قبل الانفصاليين الموالين لروسيا، وسريعًا ما حرّكت هذه المخاوف عواطف بوتين لشن هجمات عسكرية “أولمبية”، تذكرنا بالحرب التي جدت في جورجيا خلال ألعاب بكين سنة 2008 وانضمام شبه جزيرة القرم، وخاصةً مع الوضع المتوتر الذي يعيشه غرب أوكرانيا.
وإذا كانت غالبية سكان القرم تريد الانضمام إلى روسيا، فإن الأحداث التي مرت بها هذه الدولة على مدى العامين الماضيين قد تساعدهم في إدراك أن انضمامهم إلى روسيا لم يحسّن من حالتهم وأن هذه الأخيرة لن تضمن لهم الحماية التي يطمحون إليها.
كما يرى العديد من المراقبين أن بوتين يسعى، من خلال إعادة التوترات في شبه جزيرة القرم، إلى صرف تركيز الروس عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد، في الوقت الذي تحاول فيه وسائل الإعلام تغطيته.
المصدر: لوموند