سعى الزعيمان التركي والروسي في اللقاء الأخير الذي جمع بينهما في سان بطرسبورغ الروسية، يوم الثلاثاء الماضي التاسع من الشهر الجاري للتفاهم حول الأزمة السورية، وتم عقد اجتماعًا مغلقًا في قصر قسطنطينوفيسكى للتباحث حول هذا الشأن، ومن هنا بدا التساؤل سيد الموقف حول ماهية الاتفاق الذي سيخرج به الزعيمان من الغرفة، ومدى التأثير الحقيقي الذي سيلامسه على مجريات الأحداث في سوريا سياسيًا وعسكريًا.
إلا أن الإجابة التي خرج بها الاجتماع لم تكن على قدر الأحداث الملتهبة في حلب والتي تخوض معركة مصيرية بكل المقاييس، فإجابة بوتين لم تحمل تطورًا من شأنه أن يحل الخلاف في وجهات النظر بين كلا الدولتين، إذ اكتفى بالقول أنه اتفق مع أردوغان على السعي لإيجاد حلول للأزمة السورية من خلال لقاءات بين وزارتي الخارجية في البلدين وأجهزتهما الاستخباراتية فالحلول الديمقراطية لا تكون إلا بالطرق الديمقراطية.
مراقبون قالوا إن اللقاء بين الزعيمين ركز على آفاق التعاون بين موسكو وأنقرة للدفع نحو تسوية الخلافات المرتبطة بالأزمة السورية بين الجانبين بما يتناسب ومصالحهما في المنطقة.
يرى إبراهيم العلبي أن تحرير كامل حلب يصب في “التقسيم الفعلي” لسوريا وهو امتداد لواقع الحال الذي يرجح أن يعمل الأتراك على تطويره.
والقول الذي ذهب إليه رئيس الائتلاف السوري المعارض أنس العبدة لم يُأت أُكله عندما قال إن أردوغان سيدفع برسائل سياسية واضحة حول الأزمة السورية، من حيث التوقف عن استهداف المدنيين والتوجه إلى عملية سياسية.
ويرى مراقبون أن لا شيء جديد على الميدان السياسي والعسكري ينم عن اتفاق حول الأزمة السورية بعد اللقاء الأخير بين تركيا وروسيا، بل إن القصف أصبح مركزًا أكثر ويستهدف مدنيين بصورة عشوائية، حيث قتل العشرات من المدنيين بفعل الغارات الجوية للطائرات الروسية والسورية المكثفة في حلب وإدلب شمالي سوريا، إذ تجاوزت حصيلة القتلى في اليومين الماضيين أكثر من 150 قتيلًا معظمهم في حلب، وأكدت التقارير الإعلامية التي ترصد الأوضاع الميدانية في عموم حلب على استخدام كافة أنواع الأسلحة في القصف من صواريخ فراغية لألغام بحرية وبراميل متفجرة، وترافق القصف الجوي مع قصف بالمدافع والصواريخ البالستية للمناطق الخاضعة للمعارضة في حلب.
وهذا التصاعد في وتيرة القصف الروسية والسورية مرده تحركات المعارضة الميدانية التي عقدت العزم على تحرير مدينة حلب بالكامل بعد نجاح الثلاث مراحل الأولى، وتقف متأهبة على مداخل حلب الجنوبي والجنوبي الغربي منتظرة ساعة الصفر.
ما بعد اللقاء الروسي التركي
أما الاتفاق التركي – الروسي فقد ترجم في زيارة لوفد تركي يضم ممثلين لوزارة الخارجية والجيش والاستخبارات التركية إلى روسيا لوضع آلية للتعاون بين هذه الهيئات ونظيراتها الروسية في سوريا.
وكان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم صرح الأربعاء الماضي أمام أعضاء مجلس مصدري تركيا في أنقرة، أن سوريا ودولًا أخرى في المنطقة ستشهد ما وصفها تطورات هامة، وأن تركيا ستعمل بشكل وثيق أكثر مع دول المنطقة لحل قضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها سوريا، حيث أكد يلدريم أن تجاهل دولة محورية مثل تركيا فيما يتعلق بحلول مشاكل المنطقة يعني عدم الرغبة في انتهائها أكثر مما يعني جهلاً بها.
نقطتان سنحاول الفصل بهما، بالاستعانة بمحللين مطلعين في الشأن السوري والتركي على السواء، الأولى ماذا نتج عن اللقاء الروسي – التركي فيما يخص الأزمة السورية حتى الآن؟ والأمر الآخر كيف تقرأ تركيا الأوضاع في سوريا بعد تحرير حلب؟
تركيا قدمت بحسب ما أفاد الكاتب والصحفي إبراهيم العلبي، عرضًا لروسيا للدخول معها في عملية عسكرية جوية “مشتركة” تستهدف داعش فقط، مقابل التوقف عن قصف المعارضة المعتدلة والتعاون مع تركيا ضد (ب ي د)، وهذا العرض مثير لاهتمام روسيًا ويحقق شيئًا من مصلحتها في تخفيف عبء تدخلها العسكري المنفرد في سوريا، ومن حيث التعاون ضد (ب ي د) لا يوجد مشكلة لدى روسيا التي أغلقت بالفعل مكتبًا تمثيليًا لما يسمى بالإدارة الذاتية التابعة للتنظيم، أما فيما يخص قصف المعارضة المعتدلة فيرى العلبي أن روسيا أبدت استعدادًا ظاهريًا لذلك لكن طلبها قائمة بالمواقع والأهداف التي ينبغي على الطائرات الروسية تجنبها قد لا يعدو “المراوغة”.
يرى الدكتور باسل الحاج جاسم أن أبرز عناوين لقاء أردوغان – بوتين هو اتفاق على وحدة أراضي سوريا.
ويكمل العلبي أن اشتراك أي دولة في أي تنسيق وتعاون مع روسيا في سوريا سيعزز من موقف روسيا داخل سوريا، لذا فإن العرض التركي ومن قبله الأمريكي يلاقي اهتمامًا روسيًا خاصًا فيما يجزم أنها ستتخذ قرارًا أو تحاول الوصول لتسوية أو حل وسط مع تركيا بهذا الشأن.
ويرى العلبي أن تحرير كامل حلب يصب في “التقسيم الفعلي” لسوريا وهو امتداد لواقع الحال الذي يرجح أن يعمل الأتراك على تطويره من خلال توفير متطلبات قيام حكومة واحدة في المناطق المحررة، وذلك كخيار مفضل في مواجهة المساعي الدولية للإبقاء على نظام الأسد وإعاده تأهيله، وهو الخيار الذي سيعطل أيضًا مشروع “كردستان سوريا” الذي يجري الإعداد له أمريكيًا على قدم وساق.
أما الدكتور باسل الحاج جاسم، وهو كاتب وإعلامي سوري، يقول: “بخصوص معركة حلب كل ما أثير إن كان بالتأكيد أو بالنفي حول الدور التركي فيها، كان مجرد مزاعم ومزاعم على النقيض، مع غياب أي تأكيد رسمي تركي، أو من قيادات الفصائل البارزة التي شاركت في المعركة، ولكن على أرض الواقع بمقارنة بسيطة بين جبهة الجنوب وضبط الأردن لحدودها وما بعد حدودها، ندرك الهامش الذي مازالت تركيا إلى اليوم تتيحه للفصائل السورية المعتدلة، وتكون الإجابة باتت واضحة حول دور تركيا وحلفائها في معركة حلب.
ويكمل الحاج جاسم أن هناك تطور عسكري ملموس بعد لقاء أردوغان – بوتين من الصعب ظهور نتائجه على الأرض بشكل مباشر، لكن أبرز عناوينه التي بات أكثر من مسؤول تركي يعلنها اتفاق على وحدة أراضي سوريا، والاتفاق على مكافحة الإرهاب بكل أشكاله الانفصالي الكردي والتنظيمات المتطرفة، بالإضافة لتنسيق عسكري تركي روسي في سوريا لعدم تكرار حادثة إسقاط الطائرة الروسية.
ومن التصريحات التي تصدر من موسكو بعد المصالحة الروسية التركية، أن موسكو ستراعي و تنحاز لمصالح أنقرة في أي تعامل لها مع الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، بالإضافة لما قاله وزير الخارجية التركي شاويش أوغلو إن بوتين قال لأردوغان لا علم له بوجود مكتب لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في موسكو، كل ما سبق يجعلنا نقول إن ما سبق وتحدث به مسؤولون روس عن فيدرالية سوريا كان لإغاظة تركيا لا أكثر وذلك كان بسبب حادثة إسقاط الطائرة، والأمور تغيرت تمامًا بعد المصالحة.