خريطة المعارضة المسلحة في سوريا وتحولاتها

نُشرت أمس ورقة بحثية عن خريطة المعارضة المسلحة في الثورة السورية وتحولاتها منذ بداية الثورة وحتى الآن. تناقش الورقة التي أصدرها مركز الجزيرة للدراسات تحولات القوى العسكرية في الثورة السورية، من الدفاع عن المتظاهرين المدنيين إلى السعي للإطاحة بالنظام، ومن تمثيل الثورة المطالبة بالدولة المدنية إلى العمل على إقامة خلافة إسلامية.
فمنذ بداية الثورة التي انطلقت في مارس/ آذار 2011، بدأ العمل الثوري المسلح بالانتشار البطيء منذ شهر الثورة الثالث أو الرابع من طريقين: انشقاق عناصر عسكرية عن جيش النظام كوَّنت مجموعات مقاتلة صغيرة، وانتقال جماعات من الثوار المدنيين إلى العمل العسكري.
كان أول انشقاق علني موثّق عن جيش النظام في بداية الأسبوع الخامس من انطلاق الثورة، بتاريخ 23 إبريل/نيسان 2011، المجند في الحرس الجمهوري وليد القشعمي انشق واختفى عن الأنظار، أما أول المنشقين من الضباط فهو الملازم أول عبد الرزاق طلاس في حزيران، وبعده بيومين انشق المقدم حسين الهرموش وأنشأ “لواء الضباط الأحرار”. بعد ذلك بأقل من شهر انشق العقيد رياض الأسعد (4 يوليو/تموز 2011)، وبعد انشقاقه بخمسة وعشرين يومًا أعلن عن تأسيس “الجيش السوري الحر” الذي اقتصرت مهمته -في البداية- على حماية المدنيين وحراسة المظاهرات السلمية.
وبعدها توسع الجيش الحر بتشكيل كتائب أخرى وإدماج لواء الضباط الأحرار بعد أسابيع من اختطاف حسين الهرموش من قبل عناصر علوية في المخابرات التركية، الهرموش لا يُعرف مصيره على وجه الدقة.
شهدت السنة الثانية (2012) تغيرًا كبيرًا في المشهد الثوري العسكري؛ فقد انتقلت القوى الثورية الوليدة من الهدف الذي نشأت من أجله، وهو حماية المدنيين وحراسة الحراك السلمي، إلى الهدف الجديد الكبير الذي حافظت عليه بعد ذلك: إسقاط النظام وتحرير سوريا من حكم الأسد.
تزايدت الكتائب حتى بلغت ٥٠٠ جُمعت كلها تحت عنوان واحد “الجيش الحر” وبعدها بدأ التمايز حيث أُنشئت “الجبهة الإسلامية السورية” التي سرعان ما تفككت وتشكلت بدلا منها “جبهة تحرير سوريا الإسلامية” في سبتمبر من العام نفسه
في ديسمبر ولدت “الجبهة الإسلامية السورية” ، وحركة أحرار الشام التي تشكلت من اندماج عدة كيانات أصغر (كتائب أحرار الشام وحركة الفجر وجماعة الطليعة وكتائب الإيمان)
وخلال العام الجاري بُذلت جهود ضخمة لتوحيد الجبهات العاملة على الساحة في كيان واحد جامع، وقد تمخضت تلك الجهود أخيرًا عن توحيد فصائل الجبهتين الإسلامييتين في جبهة جديدة تم الإعلان عنها يوم الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 باسم “الجبهة الإسلامية”، وتضم أكبر الجماعات العسكرية العاملة في الميدان، وهي: حركة أحرار الشام الإسلامية وجيش الإسلام وألوية صقور الشام ولواء التوحيد ولواء الحق وكتائب أنصار الشام والجبهة الإسلامية الكردية. وتزامنًا مع إطلاق الجبهة الجديدة تم الإعلان عن إلغاء وتفكيك الجبهتين القديمتين: جبهة تحرير سوريا والجبهة الإسلامية السورية.
وقد نشأ أخيرًا في الريف الدمشقي تجمع جديد باسم “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام”، أُعلن عنه قبل ولادة “الجبهة الإسلامية” بثلاثة أيام فقط، أي بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ويضم أكبر الفصائل المقاتلة في الغوطتين الشرقية والغربية وجنوب دمشق والقلمون، وهي: ألوية وكتائب الحبيب المصطفى وألوية وكتائب الصحابة وكتائب شباب الهدى وتجمع أمجاد الإسلام ولواء درع العاصمة، ويبلغ عدد مقاتلي هذا التجمع الجديد قريبًا من ثمانية عشر ألفًا.
بدأ اسم جبهة النصرة بالانتشار أواخر عام 2011، ولكنها لم تعلن عن نفسها رسميًا إلا في أوائل 2012. كان جُلّ مقاتليها في أول الأمر من السوريين الذين سبقت لهم تجربة جهادية في أفغانستان والشيشان والعراق، غير أنها سرعان ما بدأت باستقطاب مجاهدين من خارج سوريا، لم يشكلوا أغلبية من بين مقاتليها.
وبما أن جبهة النصرة أقرب إلى التنظيم المغلق (بسبب الارتباط بتنظيم القاعدة واشتراط البيعة على عناصرها) فقد نَمَت ببطء شديد حتى بلغ عدد مقاتليها ما بين ستة آلاف وتسعة آلاف مقاتل، ثم أصابها التصدع عقب إعلان البغدادي المشهور في إبريل/نيسان الماضي 2013 (إعلان ضم النصرة إلى دولة العراق)؛ فانشقت عنها مجموعة كبيرة واستقلت باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (ويسميها البعض اختصارًا باسم “داعش”) وأعلنت تبعيتها لتنظيم البغدادي في العراق.
كان الذين انشقوا عن النصرة في البداية قلّة، لكن دعاة “الدولة” نشطوا في الدعوة إليها في أوساط “النصرة” واستطاعوا استقطاب عدد أكبر من مقاتليها، وبالنتيجة صار عددهم هو الأكبر؛ إذ يقدَّر أنهم استحوذوا على ثلثي مقاتلي النصرة الأصليين، ثم وصل إلى تنظيم الدولة مدد من العراق يقدَّر بنحو ألف من الذين أُطلقوا من سجني التاجي وأبي غريب في عملية السجون المشهورة في يوليو/تموز 2013، ومن ثَمّ يمكن تقدير عدد مقاتلي “جبهة النصرة” حاليًا بنحو ثلاثة آلاف، أما مقاتلو “الدولة” فيقدَّرون بستة آلاف أو سبعة آلاف.
هناك أيضا بضعة آلاف من المقاتلين جُنّدوا باسم “الجيش الوطني” وسُلّحوا تسليحًا جيدًا ودُرّبوا تدريبًا خاصًا في الأردن على يد مدربين أردنيين وأميركيين. ربما كانت تلك المجموعة هي الوحيدة التي ترتبط ارتباطًا عضويًا دائمًا بمرجعية خارجية غير سورية، بخلاف سائر مجموعات الجيش الحر.