أطلق مجموعة من الطهاة الدوليين مبادرة تهدف لحل أزمة الجوع الممتدة على نطاق واسع في مدينة ريو دي جانيرو، من خلال طهي فائض الطعام الذي تتبرع به القرية الأولمبية، فبحسب الإندبندنت البريطانية فإن الغرفة التي يقوم عليها كل من الطاهي البرازيلي ديفيد هيرتز والطاهي الإيطالي ماتسيمو بوتورا تقوم بإعداد ما يقرب من 5000 وجبة طعام يوميًا باستخدام المكونات الفائضة من القرية الأولمبية التي تعمل الشركة المزودة فيها على تقديم الطعام لما يقرب من 11 ألف متنافس في الألعاب، بدلًا من إلقائها في القمامة، مثل الفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان التي تعد صالحة للاستخدام.
وقد كانت المدينة شهدت سابقًا تظاهرات عديدة ضد الحالة المزرية خصوصًا أن الحدث يقام في ظروف اقتصادية وسياسية حرجة في البرازيل، حيث تظاهر في أول أيام الأولمبياد آلاف الأشخاص خارج أسوار الملعب وأمام الفندق الذي تقيم فيه أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية، للتعبير عن امتعاضهم من تنظيم الألعاب في البرازيل في ظل ارتفاع معدلات الجريمة والفقر والبطالة وانتشار فيروس زيكا والفساد، لكن ذلك لم يسهم في حل ولو جزء بسيط من المأساة التي يعيشها فقراء ريو.
أزمة اقتصادية ودورة ألعاب أولمبية
استضافت البرازيل دورة الألعاب الأولمبية المقامة حاليًا في مدينة ريو دي جانيرعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجه المدينة والانتقادات الكبيرة التي واجهتها قبيل انعقاد دورة الألعاب.
فقط الجانب المشرق من الألعاب يظهر دائمًا للعيان، فالملاعب والجماهير والقرية الأولمبية والافتتاح والتحضيرات والفنادق والطعام وغيرها من الأمور التي تلفت انتباه الناظر وتحوز على معظم الصورة، حتى ليظن الشخص أن المدينة لا تواجه أزمات بالمرة وأنها من أكثر المدن التي تتمتع بالرفاهية.
إلا أن جانبًا مُعتمًا يوجد في الخفاء لا تسلط الأضواء عليه حتى لا تفسد الصورة والأجواء التي تقام فيها الألعاب، أولئك هم الفقراء يرمقون المشهد والزائر واللاعب بصورة مختلفة، فلماذا تصرف الحكومة أموالًا طائلة على حدث كهذا! وهم أحق بها ليس لإطعام جوعهم فحسب، بل للقضاء على فقرهم من خلال توفير التعليم والعمل والبيئة المناسبة للمعيشة.
فبالنظر إلى تكاليف إقامة أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، تكلفت الحكومة تكلفة إجمالية تقدر بـ 11.4 مليار يورو منها 6.7 مليار يورو أشغال عامة و2 مليار يورو أمور تنظيمية و800 مليون يورو للإجراءات الأمنية و1.9 تجهيز وتطوير المباني والملاعب.
وليس بعيدًا عن الأولمبياد 2016، كأس العالم 2014 الذي أقيم أيضًا في البرازيل والتي أنفقت الحكومة عليه ما يقرب من 11 مليار دولار لاستضافة اللعبة التي يعدها البرازيليون جزءًا لا يتجزء من هويتهم القومية، فملعب مناوس لوحده كلف ما يناهر الـ 270 مليون دولار وقد تطلب بناء الملعب نقل المعدات من البرتغال عبر المحيط ومن ثم عبر نهر الأمازون، وكل هذا لأجل أن تقام في الملعب أربع مباريات فقط.
من يزور ريو دي جانيرو سواء من اللاعبين أو من الزوار الذين يودون مشاهد الألعاب لن يتوجه بالطبع نحو الأحياء الفقيرة حيث يقع أحد أكبر المستنقعات البشرية التي تعاني من انعدام خدمات الصرف الصحي والفقر المدقع وانعدام سبل المعيشة.
لن يتوجه اللاعبون لإلقاء نظرة على حي “ماري” أحد أفقر أحياء المدينة، هذا أصلًا إن استطاعوا رؤيته فالحكومة قامت ببناء جدار أسمنتي عازل ليفصل تلك الأحياء عن المدينة متذرعة بتخفيف الضوضاء وعازل للصوت حتى ينعم الفقير بنوم مريح ولا ينزعج من صخب المدينة وصوت سياراتها، وفضلاً عن الجدار خطوط المواصلات العامة في المدينة التي أُعيدت هندستها لتفصل بشكل أكبر وأكثر وضوحًا بين المناطق الشمالية الفقيرة والمناطق الجنوبية الساحلية المشهورة بالسياحة وانتشار الفنادق والمحال الباهظة الثمن.
المنطقة الجنوبية السياحية للمدينة شهدت منذ وقوع الاختيار على المدينة لتستضيف دورة الألعاب، ضخ مليارات الدولارات والاستثمارات لتنميتها وإصلاح ما هو معطل وإعادة ما يمكن بناءه بهدف إظهار المدينة بأبهى صورها لاستقبال الأولمبياد.
سيفضل الزوار زيارة الأماكن المعروفة في المدينة وأخذ حمام شمسي على طول الشاطئ الذي تشتهر به مدينة ريو والتقاط الصور التذكارية مع أصدقائهم ليروا حال عودتهم جمال المدينة وروعتها.
الكثير من الناس في مدينة ريو رأوا الحفل الافتتاحي الضخم في استاد “ماراكانا” الشهير حيث حضره 60 ألف متفرج، بما تخلله من عروض وألعاب نارية، وفي الوقت الذي كان يشعر فيه المتفرج داخل الاستاد بالفرحة والسرور، كان هناك العديد من الأطفال رمقوا الحقل من بعيد خلف الجدار العازل ولكن لم يشعروا بتلك البهجة، ليس لأنهم لا يعرفون الابتسامة، بل لأنهم جوعى ومضطهدين من قبل حكومتهم التي دفعت المليارات لبناء ملاعب ضخمة ولتنمية قسم من المدينة دون القسم الآخر.