لقد مر وقتًا طويلاً، ربما مئات القرون، لكي يتحول الإنسان من مجرد إنسان بدائي يقوم بصناعة النيران لكي يقوم بطهي قطعة لحم قطعها من جسد أحد الحيوانات التي اصطادها، إلى ذلك الإنسان الذي يستمتع بالدجاج المقلي بعد أن قام بتسخينه في جهاز الميكرويف، ولكن بدون أجدادك البدائيين، ربما لما كنت الآن تستمتع بكل هذه المأكولات المتنوعة حولك، حيث يعتقد علماء الاجتماع والعلوم الإنسانية أن للطهي دورًا محوريًا في تطوّر البشرية، حيث كان أحد أسباب تحول البشرية من تلك الصفات الوحشية والقاسية في الحياة البرية، إلى الحياة المدنية التي جعلت الإنسان يتحكم بالعالم الآن.
كان للطهي أحد تلك الأدوار الأساسية التي ساعدت في بناء الثقافات المختلفة عند البشر الآن، حيث إن أجدادنا الأوائل لم يضيعوا وقتهم في عمل وأكل وهضم الطعام كما نفعل نحن حاليًا، فكان همهم الشاغل هو محاولة طهي الطعام جيدًا لكي يكون سهل البلع والهضم، فمن المعروف أن الطعام الجيد الطبخ لحد كبير، هو طعام يحتوي على أقل نسبة من الدهون، وبهذا استطاع أجدادنا تبديل الدهون المركزة في الجسد بمساحة أكبر متاحة لنمو العقل، كما استغلوا الوقت الضائع في الأكل والمضع والهضم في تطوير أنفسهم وبناء الحضارة.
كان أوائل البشر يتمتعون بصحة جيدة، وأجساد سليمة البناء، لم يكن أحد منهم يتصف بالوزن الزائد، فكانت المدة التي يقضيها إنسان العصر الحالي في المضغ والبلع و الهضم، وهي من 4 لـ 7 ساعات، يقضيها أوائل البشر في الحركة والبناء والتطوير.
خُصصت وظيفة الصيد للرجل في حين كانت المرأة تعمل على طهي غنيمة الرجال من الصيد، ويعتقد علماء الاجتماع أن تلك كانت نقطة البداية للأفكار المزروعة في عقول الرجال بأن على الرجل الخروج والحركة ومواجهة الحياة اليومية، وعلى المرأة أن تقبع في المنزل تنتظر غنائم الرجل، بالطبع مع اختلاف تلك الغنائم من عصر للآخر.
كانت تلك البداية فقط لتأثير الطهي على الحضارة، ففي عهد الرومان، كان للطهي دور أساسي في تعزيز مبدأ المنافسة بين البشر، حيث كان هناك ما يُسمى بالطهاة العبيد، وهو العبد الذي يقوم بطبخ مأكولات سيده الغني في القصر، لذا كان يتنافس الخبازون والطهاة على خبز وطبخ أشهى المأكولات لإرضاء السادة، لكي يتم اختيارهم للعمل عندهم، وتأمين حياة جيدة لهم ولعوائلهم.
بدأت التفرقة بين الطبقات المختلفة في المجتمع بما كانوا يتناوله على طاولة الغداء في المنزل، حيث كان ذلك في القرن الرابع عشر والخامس عشر، انتشر ذلك بين العائلات المالكة، حتى بدأ الأوروبيون في تأليف ونشر كتب عن وصفات الطعام التي تليق فقط بعلية القوم.
تطور طهي الطعام في القرن التاسع عشر، حيث تحول طهي الطعام من على المدفأة أو الموقد، إلى موقد الغاز، وبهذا كان سهلًا على البشر طهي الطعام في وقت أقل، وبطريقة أسرع وأسهل، كما وفّر خاصية طهي أكثر من صنف في نفس الوقت على موقد الغاز، وهو ما أعطى الطهي تنوعًا واختلافًا.
مع تطور طرق التنقل في العالم، وتطور السكك الحديدية ووسائل النقل، ووسائل حفظ الطعام والمزروعات لساعات طويلة وتحت ظروف معينة، استطاع البشر الحصول على المزروعات الطازجة نسبيًا في وقت أقل، وهي التي كانت تبعد عنهم أميالاً كثيرة، وهذا ما أضفى على مكونات الطهي تنوعًا من الخضروات والفواكه والأسماك وأنواع اللحوم والدواجن أكثر من أي وقت مضى، فالآن يتم تصدير أنواع من الأسماك عبر المحيطات، وليس فقط برًا عبر الكيلومترات البرية.
في مطلع القرن الواحد والعشرين، أصبح لكل سيدة منزل، عدة كاملة مكتملة من أدوات المطبخ الكهربائية منها وغير الكهربائية، وهو ما يساعد على فرم وتقطيع وتقشير وتحمير وقلي كل الأنواع المختلفة من الأطعمة، وهذا بلا شك، جعل أمر الطهي أكثر سهولة، وبإمكان كل شخص القيام به، وهذا ما جعل البشر أكثر رضا وسعادة.
لم يعد المطبخ محليًا بعد الآن في أيامنا الحالية، فقد زار الطباخون دول العالم، وتعرّفوا على مطابخ بعضهم البعض، حتى تم تأسيس مدارس بعينها للطبخ حول العالم، مثل معهد الطهي التعليمي في نيويورك، حيث يحتل المعهد المرتبة الأولى ضمن أفضل المراكز التعليمية للطهي، ومعهد “لو كوردن بلو” في شيكاغو وهو المعهد الأشهر في العالم لتعليم المأكولات الفرنسية والإيطالية، كما أنه من أحد المعاهم التي تقدم دروس تعليمية على الإنترنت.
تحول الطهي الآن إلى صناعة إعلامية، استغلتها وسائل الإعلام المختلفة من مواقع للتواصل الاجتماعي، وبرامج تلفزيونية، وبرامج على يوتيوب، حيث أصبحت هناك قنوات فضائية كاملة خاصة بتقديم برامج للطهي، من مختلف البلاد وبمختلف اللغات، وأصبح مهرة الطباخين نجومًا، ليس فقط في مطابخهم، بل في الإعلام كذلك.
لاقت العديد من البرامج الأجنبية في البداية رواجًا من الشعب الأمريكي، مثل برنامج الشيف، والشيف الحديدي، حيث أضفت تلك البرامج على الطهي لمسة التنافسية، فكانت برامج تنافسية قبل أن تكون برامجًا للطبخ، ومن ثم تحول الأمر إعلاميًا إلى برامج كاملة خاصة بالطبخ فقط، ليستطيع المشاهد الآن أن يشاهد المأكولات من مختلف البلاد وهي تصنع أمامه من أيدي أمهر الطباخين، بل وأيدي شخصيات عادية من المجتمع يتمتعون بمهارة الطبخ، وهذا ما نراه في القنوات الفضائية الخاصة بالطبخ في العالم العربي.
من أبرز الطهاة في العالم العربي
أسامة السيد: شيف مصري، درس في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فن الطهي، وعمل كرئيس طهاة في أشهر المطاعم الفرنسية ويقدم حاليًا برنامج “من مطبخ أسامة” على قناة سي بي سفرة، ويعتبر أشهر شيف عربي على الساحة، حصل على العديد من الجوائز لمشاركته في مهرجانات الطهي.
من منّا لا يحنّ إلى أطباق جدّته، الشيف اللبناني أنطوان الحاج ذائع الصيت بأطباقه التي يعدّها وفق الطريقة التقليدية، والتي تروي عن حنكة السنين وأصول المطبخ الشرقي، وهو من أشهر وأقدم مقدمي برامج المطبخ في العالم العربي.
برامج الطبخ في الوطن العربي
ديكورات وأفكار ووصفات تحظى بها برامج الطبخ فى رمضان، جعلتها تحصد مشاهدة عالية، تضاهي المسلسلات وبرامج المنوعات وحتى البرامج الحوارية، ووضعت مقدميها في مكانة كبار النجوم، حيث يتضح ذلك في الفواصل الإعلانية التي تكتظ بها، والاتصالات الهاتفية التي تظفر بها من قبل مباشرةً، وتعليقات الجمهور على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي وتداول فيديوهات وصفات الطبخ المختلفة.
الآن هناك قنوات بعينها في العالم العربي تختص بالمطبخ وفنون الطهي، مثل قناة فتافيت وسي بي سفرة، بالإضافة إلى البرامج الأكثر شهرة ومتابعة في مصر، مثل برنامج الشيف الشربيني الذي تتابعه أغلب سيدات مصر، وبرنامج نجلاء الشرشابي واسمه “على قد الإيد” الذي اشتهر بوصفات بسيطة تناسب العائلات ذات الميزانية المحدودة في الوطن العربي.