واصل جيش الفتح المكون من عدة فصائل سورية مسلحة معارضة تقدمه في خضم معارك مدينة حلب أمام قوات النظام السوري، وذلك في المرحلة الرابعة التي أطلقها التجمع المسلح المعارض لبسط كامل السيطرة على المدينة، بعد ثلاث مراحل من المعارك نجحوا خلالها في فك الحصار عن أحياء المدينة الواقعة تحت سيطرتهم.
وتأمل المعارضة السورية في هذه المرحلة الرابعة من التقدم باتجاه الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام داخل مدينة حلب، حيث أعلنت عن النجاح في إحكام السيطرة على معظم مساحة معمل الأسمنت الاستراتيجي جنوبي المدينة، والذين يعد أحد أكبر التحصينات العسكرية للنظام في حلب.
وذلك بعدما أعلنت “جبهة فتح الشام” – النصرة سابقًا – و”فيلق الشام” الاقتراب من السيطرة بالكامل على المعمل، مع استمرار قصفه بالصواريخ، واقتحام أجزاء منه، كما تكمن أهمية السيطرة الكاملة على أراضي المعمل، أنه في حال تمت هذه السيطرة بشكل كامل على معمل الأسمنت، فإن الطريق بين حلب وريفها الجنوبي سيكون مفتوحًا أمام قوات المعارضة المسلحة، وهو ما سيسهل عليها مهمة الوصول إلى المدينة.
وعلى جبهة أخرى أعلنت حركة أحرار الشام” إحدى مكونات جيش الفتح” أيضًا، بدء عملية اقتحام حي جمعية الزهراء بحلب، خلال المرحلة الرابعة من المعركة لتحرير كامل المدينة.
النظام يرد بهجوم معاكس
كانت المعارضة السورية المسلحة قد أحبطت هجومًا شنه مقاتلو حزب الله اللبناني بالاشتراك مع قوات النظام السوري على مواقع سيطرة المعارضة في أحياء الحمدانية والراموسة جنوبي مدينة حلب، إضافة إلى تلة المحروقات بريف حلب الجنوبي، وأفادت مصادر إعلامية أن قياديًا كبيرًا في حزب الله اللبناني قد قتل في هذه المعارك دون الإشارة إلى هويته.
كما شن الطيران الحربي للنظام غارات جوية مكثفة على تجمعات ونقاط لكتائب المعارضة في مواقع تمركزهم جنوب غرب حلب، إذ أعلنت وكالة النظام الرسمية أن غارات سلاح الجو تركزت على تجمعات ومحاور تحرك المجموعات المعارضة في محيط الراموسة والعامرية وخان طومان جنوب غربي المدينة.
فيما تسعى المعارضة السورية منذ الأمس تأمين مؤخرة قواتها في حال التوغل أكثر في أحياء حلب الغربية الخاضعة لسيطرة النظام، حيث أعلنت الفصائل المعارضة انتهاء المرحلة الدفاعية من معركة تحرير حلب، وبدء مرحلة جديدة هجومية ستحدث تغييرات على الأرض الفترة القادمة.
ربما أحد أبرز هذه المتغيرات السعي للسيطرة على معمل الأسمنت المصنف بين أقوى ثلاث ثكنات للنظام في مدخل حلب، وتؤدي السيطرة عليه إلى القضاء على قدرة نيرانية مدفعية لقوات النظام يصل قطرها لعدة كيلومترات.
إلا أن مصير المرحلة الرابعة من معركة تحرير حلب حتى الآن غير معروف، خاصة وأن المعارك تتجه إلى الأحياء السكنية التي يسيطر عليها النظام بشكل كامل، وهو ما يجعل التحدي صعبًا أمام المعارضة التي عليها صناعة حاضنة شعبية في وسط هذه الأحياء التي تخضع لسيطرة قوات نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية، ولم تشهد هذا الشكل من المعارك طوال خمس سنوات.
إلا أن البعض يعول على سمعة جيش الفتح التي صنعها في معارك سابقة لاجتذاب حاضنة شعبية داخل هذه الأحياء، حيث إن الجيش له باع في السيطرة الكاملة على إدلب وريفها، ومع ذلك لم تسجل انتهاكات تذكر له ضد المدنيين.
تطورات ميدانية على صعيد آخر
بجانب ما ينتظره السوريون من نتائج معركة تحرير الحلب، أتت الأنباء من منبج بانسحاب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من مدينة منبج بريف حلب الشرقي باتجاه مدينة جرابلس أمام قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت كامل سيطرتها على أحياء المدينة.
وتأتي سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على منبج بعد أكثر من 50 يومًا من الحصار والقصف المكثف من قوات التحالف الدولي على تنظيم الدولة، وبخسارة المدينة، يكون التنظيم قد فقد السيطرة على رابع مدينة في سوريا على يد تلك القوات المدعومة من التحالف الدولي والطيران الروسي، حيث كانت وكانت منبج – إلى جانب مدينتي جرابلس والباب – أبرز معاقل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في محافظة حلب.
ورغم تحقيق قوات سوريا الديمقراطية لهذه الانتصارات، والتي تشكل قوات وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لها، إلا أنه يُعتقد ألا يطول بقاء هذه القوات في مدينة منبج طويلًا بعد تحريرها.
يأتي هذا الطرح مع وجود تسريبات تتحدث عن اتفاق تركي روسي لمنع تمدد القوات الكردية شرقي نهر الفرات باتجاه الحدود التركية تحت شعار محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بحيث يتم تحرير المناطق التي تسيطر عليها القوات، في منبج، وقبلها في كل من تل أبيض وعين العرب في ريف الرقة.
كما ينص هذا التفاهم على عدم توجه قوات سوريا الديمقراطية إلى مدينة جرابلس في ريف حلب على الحدود التركية، خلف مقاتلي “داعش” الذين غادروا منبج بعد تحريرها، على اعتبار أن جرابلس خطًا أحمر لدى الأتراك، من حيث عملية وصول المقاتلين الأكراد إليها، بسبب رؤية تركيا أن هذا يشكل خطرًا على أمنها القومي لجهة ما تسميه أنقرة تمدد “مشروع الإقليم الكردي الانفصالي”، وهو ما تحاول تركيا منعه بتفاهمات مع روسيا أحد أكبر الداعمين لهذه القوات على الأرض.
وعلى إثر هذه التفاهمات التي خرجت تسريباتها بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا للقاء نظيره فلاديمير بوتين، يتوقع أن تقوم روسيا بعد ذلك بتحجيم دور قوات سوريا الديمقراطية بعد انتهاء معركة منبج، أو على الأقل منع المزيد من تمدده في مناطق لا غالبية كردية فيها وتشكل حساسية بالنسبة للقيادة التركية.
كما يتوقع أن تتولى تركيا مهمة تحرير جرابلس من داعش بالتعاون مع روسيا، بسبب الخطر المتزايد على الحدود التركية مع هذه المدينة.