لا يجب الخلط بين الفن الحديث والفن المعاصر، فلا يمكن وصف الفن المعاصر بأنه فن حديث، فهو يضم منتصف القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، وهو فن ما بعد الحداثة Postmodern أو الفن المعاصر Art contemporain، أدت فيه الحداثة إلى نقلة تاريخية في عالم الفن، أدت إلى وجود الفن المعاصر كنوع من أنواع الفنون على الساحة الفنية.
كانت الفترة الأكثر جدلية بالنسبة للفن هي بداية القرن العشرين، والذي سار فيها الفن على وتيرة مختلفة، وبدأ يجدد لغته شيئًا فشيء بظهور الفن الحديث، وبظهور المدارس الفنية الحديثة التي أضفت انطباعًا جديدًا على مسار الفن في ذلك الوقت، فبدأت اللوحات تأخذ اهتمامًا واسعًا بالألوان أكثر من ذي قبل، وكان الفن متعة وراحة للإنسان المُتعب أو المتألم كما كان يحب الفنانون أن يصفوه.
بدأت اللوحات تأخذ شكلًا تزيينيًا، كما بدأت الزخرفة تلعب دورًا مهمًا في اللوحات، وهي المفهوم التي لم تكن تعرفه اللوحات الأوروبية من قبل، حينها بدأت العلاقة بين المفاهيم العربية والشرقية تتجدد بالفن، ليتم توسيع مبدأ الفن التشكيلي ويرتبط بالمفاهيم التعبيرية والتقليدية، ليعطي بُعدًا جديدًا للفن المعاصر في القرن العشرين.
يمكن استعارة مقولة بيكاسو عن الفن عند وصف الفن المعاصر، حيث قال بيكاسو “إن الأشكال تعيش حياتها الخاصة في العمل الفني”، بمعنى أن الأشكال في العمل الفني تتخذ حياة مختلفة عما تكون فيه في الواقع، وهذا ما يفعله الفن المعاصر أغلب الوقت، فتبدو الأعمال الفنية المعاصرة بشكل، وتكون في الواقع بشكل مختلف تمامًا.
جاء بعد ذلك الفن التكعيبي والفن التجريدي، وهما أكثر الفنون الرافضة لصلة الواقع بالفن، كشكل من أشكال الفن المعاصر، فهو أكثر الفنون حرية بالنسبة للفنان، يعبر فيه عن ذاته بحرية مطلقة متحررًا من الأصل ومن الواقعية، فبدأ الفنانون في تمجيد السذاجة والأساليب غير المنطقية في الفن، ويقدسون إعطاء فلسفة لكل ما يُعتبر غريبًا، ليندمج الحلم والواقع معًا في عالم واحد، هو عالم الفن المعاصر.
أما في العالم العربي، فتم استخدام الفن المعاصر في فترة التحول التي شملت التغيّرات الاقتصادية والسياسية والديموقراطية، واستغل الفنان ذلك في التعبير عن ذاته وسط خضم كل تلك التغيرات الجذرية والنقلات النوعية في المنطقة.
تعرّف على أبرز 5 فنانين للفن المعاصر في العالم العربي:
1- صليبا الدويهي
هو فنان لبناني وُلد عام 1912 وتوفي عام 1994، غادر موطنه الأصلي لبنان عام 1950 متجهًا إلى نيويورك، والتي كانت المدينة التي منحته الإلهام والطاقة الإبداعية أكثر مما منحته لبنان، بعد قضاء 10 سنوات في نيويورك، ذهب مخزون صليبا الدويهي الأكاديمي من لوحاته تمامًا، وبدأ في ميل لوحاته إلى الفن المجرد، فكانت لوحاته مسطحة، وأحيانًا تميّزت بأنها أشكال أحادية اللون، أو مجموعة من الكتل النابضة بالألوان، حيث تمتع الدويهي بمنهجية “الفضاء اللانهائي” في لوحاته، فاعتمد كثيرًا على المناظر الطبيعية في لوحاته، ربما بسبب تأثره بماضيه في لبنان في منزله حيث الفضاء الواسع من الحقول الخضراء الواسعة.
2- محمود سعيد
وُلد محمود سيد عام 1897 وتوفي عام 1964، وهو من أوائل المساهمين في الفن الحديث في بداياته البسيطة في الستينات من القرن الماضي، عمل كمحام وقاض قبل أن يعمل كفنان بدوام كامل في باريس عام 1947.
كانت أعمال سعيد مزيجًا رائعًا من الفن المعاصر والأصالة التي كانت جزءًا من شخصيته المصرية، حيث امتلأت لوحاته بتقنيات غربية، إلا أنها كانت مُطبقة على فلاحة مصرية تحمل جرة المياه فوق رأسها بجوار ضفاف النيل أمام المعابد الفرعونية القديمة، كما احتوت لوحاته على مشاهد تقليدية للعادات الإسلامية في مصر.
3- شاكر حسن السيد
كان شاكر السيد من مؤسسي نادي بغداد للفن المعاصر، والذي تمّ تأسيسه عام 1951، والتي استطاع أعضاؤه استخدام الفن المعاصر في استلهام واستعادة التراث العراقي من خلال منظور حديث، كان شاكر من أحد رواد الفن المعاصر في بغداد، تميز عمله بمزيج بين الثقافة العربية والحداثة الأوروبية، وذلك لأن شاكر كان مؤرخًا قبل أن يكون فنانًا، وهذا ما انعكس على أعماله التي جمعت بين الماضي والحاضر.
4- ضياء العزاوي
كما كان شاكر السيد أحد رواد الفن المعاصر في العراق، شاركه ضياء العزاوي في مسيرة الفن المعاصر العراقي، حيث كان أكثر الفنانين تأثيرًا في الفن المعاصر في العراق، كان طالبًا للآثار، ونشأ بين جدران المتحف العراقي للفنون، وكان من أوائل المغيرين في الفن العراقي، حيث أسس مجموعة الرؤية الفنية الجديدة العراقية، والتي اهتمت بتطوير الفنون في العراق، وبخاصة في حالة عدم الاستقرار السياسي التي كانت تعيشها العراق في ذلك الوقت.
5- منیر شاهرودی فرمانفرمائیان
الفنانة الإيرانية الموهبة في فن الزجاج وتلوينه وإعادة تدويره، أجبرتها الثورة الإسلامية في إيران على الرحيل عام 1979، لتبدأ رحلتها في المنفى في نيويورك لمدة 26 عامًا، إلا أن إيران كانت المعلم الأساسي في أعمالها، حيث طبقت كل ما تعلمته عن استخدام الحزم الضوئية في تلوين الزجاج، وإعادة تدويره، كما تأثرت بالتصميم الإسلامي في تصميماتها، فكان للشكل الهندسي على كراتها الزجاجية أثرًا بالغًا وعلامة مميزة في أعمالها الفنية.
اختلف الفن المعاصر من بيئة لأخرى، وتأثر بأغلب المحيطات البيئية، حيث يمكن اعتبار الفن المعاصر بأنه تحليل سيكولوجي للفراغ المحيط، فتأثر الفن المعاصر بالإدراك الفراغي، وبالثقافة الإسلامية، وبالتجريد كما اعتمد على الاختزال، واللامنطقية، والتجريد المطلق، كما اعتمد أحيانًا على التصوف، وذلك لأنه تعبير عن القدرات الكامنة، والتي تختلف من بيئة لأخرى ومن عصر لآخر.