كان اسمه على اللائحة السوداء أما الآن فعائلته مشتته في بلاد اللجوء، لقد قضى نظام الأسد على عائلته – عائلة الطيبي – التي يفخر بانتسابه إليها، فهي من بين أهم 17 عائلة في دمشق وعنها كتب في تاريخ دمشق مقطعًا كاملاً كما يقول.
كان الشاب بسام الطيبي يرغب بالدراسة في هارفارد لكن والده أجبره على الدراسة في ألمانيا الأمر الذي يبدو أنه ترك أثرًا كبيرًا في نفسه حتى الآن، فهو يستغرب ويستنكر في اللقاء الذي أجرته معه صحيفة دي فيلت الألمانية مجيء السوريين إلى ألمانيا ويتساءل – كأي شخص ليس من هذا العالم – لماذا يأتي السوريون إلى هنا؟!
هذا السؤال يسأله أيضًا سوريون موالون لنظام الأسد وبينهم ضباط وعناصر مخابرات قدموا إلى ألمانيا بصفة لاجئين، وهو فيما لو كان جادًا يعني أنه فصام جديد من نوعه في علم النفس فصام المنطق الأرستقراطي، أو الفصام السياسي.
يقدم البروفسور بسام طيبي نفسه لصحيفة دي فيلت الألمانية على أنه من أصل سوري ليكون بذلك بمثابة شاهد من السوريين على السوريين، هنا تستخدم الصحيفة الألمانية شهادة هذا السوري الألماني العتيق للجمهورالألماني وتبرزها كشهادة ألماني سوري موثوق به في ألمانيا ضد اللاجئين السوريين بالخصوص، في محاولة ربما لتغيير الرأي العام الموالي لميركل ولتحريض إضافي ضد قضية اللجوء.
وفي محاولة أساسية لإقناعنا أنه مضطلع على أوضاع اللاجئين يقول إنه التقى بآلاف اللاجئين خلال سنة ونصف وهو ادعاء باطل في اعتقادنا، فلا أحد يستطيع خلال هذه الفترة الزمنية لقاء هذا العدد، هنا نتذكر جميعنا أن السنة 360 يوم فقط للأسف!
يستخدم البروفسور “الأرستقراطي” – كما يصف نفسه – وسيلة أخرى للتحريض على السوريين لكنها وسيلة ملتوية ولها تأثير مؤكد على الرأي العام الألماني بما فيه السياسييين، لم تخطر في بال نظام الأسد نفسه، حيث يتهم البروفسور اللاجئين السوريين بأنهم معادون للسامية.
هل فحص البروفسور بسام هؤلاء الآلاف ليكتشف أن قسمًا منهم معاد للسامية؟ كيف اكتشف ذلك؟ لا أحد يعرف، ربما لأن بعض اللاجئين لهم موقف سياسي معادي لإسرائيل أو لأن بعضهم رفض التعامل مع إسرائيليين ينشطون في ألمانيا في مجال تأمين البيوت أو مناحي أخرى، وهذا أمر طبيعي، فالمعادون لإسرائيل موجودون في كل مكان من العالم وفي الجالية اليهودية أيضًا.
أعتقد أن فحوص الـ (DNA) ستكشف الأمر بشكل علمي وأعتقد أن الساميين موجودون بين كل الأديان والشعوب في الشرق الأوسط ومنهم السوريين.
من بين الآلاف الذين تحدث إليهم، يقول البروفسور إنه قابل امرأة من درعا واكتشف أنها لم تسمع بكلمة لجوء سياسي الأمر الذي أزعجه، ثم يتساءل البروفسور طيبي عن السبب الذي دفع هذه المرأة من درعا للمجيء إلى ألمانيا، ترى لماذا يبيع السوريون بيوتهم من أجل تأمين رحلة الخروج من الجحيم؟
هل يعتقد البروفسور طيبي أن هذه المرأة من درعا ومئات الآلاف مثلها هربوا من سورية وقصدوا ألمانيا من أجل السياحة والاستجمام؟ لا شك أن لهذه المرأة من درعا قصة محزنة كحال الكثيرات، على سبيل المثال هل سمع عن المرأة من درعا التي مات أربعة من أولادها في عام واحد وهدم منزلها؟ وهل سمع البروفسور طيبي عن مئات السوريين الذين غرقوا في البحر المتوسط هربًا من الحرب؟ هل سمع عن مئات الأطفال السوريين المخطوفين أو المفقودين في أوروبا خلال اجتيازهم ألفي كيلومتر حتى يصلوا إلى ألمانيا أو النمسا أو السويد؟
يتابع البروفسور بسام الطيبي أنه لم يقابل أطباءً أو مهندسين أو فنيين أو جامعيين لاجئين إلى ألمانيا وهذا أمر غريب، ففي ألمانيا يوجد آلاف اللاجئين السوريين من هذه الاختصاصات لدرجة أنه لم يبق في سورية أحد منهم في المناطق المدمرة أو التي شهدت أعمالاً حربية،
وهؤلاء النخب وبينهم أيضًا صحفيين وكتاب وشعراء وفنانين وجامعيين وأكاديميين ومهندسين هاجروا من سورية بسبب الحرب ومطلوب القبض عليهم من قبل النظام أو داعش أو البي واي دي.
السيدة ميركل قالت في تصريح جديد إنه يسمح لكل من يستحق اللجوء بالدخول إلى ألمانيا، وأردفت أن المادة الأولى في الدستور الألماني تتعلق بالكرامة وهو أمر ربما سمع به البروفسور الطيبي، فماذا لو لم تسمح الحكومة الألمانية بدخول مليون لاجيء كيف سيكون مصير هؤلاء النائمين في العراء لو لم ينالوا الفرصة التي نالها الدكتور طيبي بدخول ألمانيا؟ هل يحق فقط للأرستقراطيين دخول ألمانيا أو اللجوء إليها؟ إنه سؤال في الأخلاق وليس في السياسة بالطبع.
يخشى البروفسور بسام الطيبي على صورة مدينته الحالمة المثالية التي تحولت إلى مخيم لاجئين كما يقول وهذا حقه، لكن كثير من الألمان يتذكرون ما يشبه هذه الصورة جيدًا، لقد عاشوا وعاش آباؤهم وأجدادهم في مكان شبيه، عاشوا في مخيمات لجوء هربًا من الحرب كما شاهدوا مخيمات شبيهة للاجئين بولونيين في أرضهم، وعاشت شعوب أوروبية في مثل هذه الصورة، ملايين الفرنسيين والإسبان والروس والأتراك عاشوا في مخيمات لجوء في الحرب العالمية الثانية ولم يكن هذا عارًا أو شيئًا معيبًا.
أما بالنسبة للخوف على الألمان من موضوع الاندماج فأعتقد كما كثيرين أن سياسة الاندماج تجري بشكل صحيح عمومًا، فهي تبدأ بتعليم اللغة ومن ثم منح الإقامة ومن ثم البحث عن عمل لمن جاء من دول تشهد حروبًا أو نزاعات أو هربًا من اضطهاد ديني أو سياسي، هناك عثرات وبيروقراطية تعرقل الاندماج هذا صحيح، لكن أكثر ما يعيق الاندماج هي الأصوات المخيفة الرافضة للاندماج والأصوات العنصرية المعادية للاجئين وهو أمر يؤثر نفسيًا على الألمان واللاجئين معًا ويثير الكراهية والخوف المتبادل.
لكن الترحيب باللاجئين واحتضانهم ومساعدتهم على تجاوز صعوبات اللغة والاختلاف الثقافي والاجتماعي سيكون له انعكاس إيجابي على الجميع.