ترجمة وتحرير نون بوست
بعد مرور عقد على الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، لازالت البلاد تعاني من مخلفات هذه الحرب، وخاصة من الألغام والقنابل العنقودية التي توقع ضحايا عديدة وتتسبب في جروح وإصابات جسدية في صفوف المدنيين اللبنانيين.
كانت رشا في منزلها خلال ظهيرة هادئة نسبيًا من شهر سبتمبر/ أيلول، عندما انفجرت قنبلة عنقودية مما أدى إلى إصابتها بجروح جسيمة وبتر ساقها اليسرى.
اندلعت هذه الحرب سنة 2006، وقد أودت بحياة مئات الجنود الإسرائيليين وعدة مئات من مقاتلي حزب الله، ولكن أيضًا أكثر من ألف مدني، حيث رمى الجيش الإسرائيلي حوالي 2 إلى 4 ملايين قنبلة عنقودية على الأراضي اللبنانية، بما في ذلك أكثر من 30% كانت لا تنفجر عند سقوطها.
وكانت رشا، إحدى ضحايا هذه القنابل، والبالغة من العمر حوالي 26 سنة، تفرز أغصان الزعتر في المطبخ، وفجأة رأت أسلاك متصلة بقنبلة تشتعل بين أصابعها. ثم سقطت فجأة بين قدميها.
أدّت تلك الحادثة إلى سفر رشا بانتظام لمدة عشر سنوات لمتابعة علاج نفسي وفيزيائي فضلاً عن علاج لإعادة النطق، في مركز لإعادة التأهيل في الصرفند، وهي قرية في جنوب لبنان، وقد أفادت رشا في هذا السياق أنها الآن أفضل بقليل، ولكن حياتها تغيرت تمامًا.
وأوضحت مديرة مركز التأهيل الذي ذهبت إليه رشا قائلة: “عندما جاءت رشا إلى المركز، كانت فاقدة للنطق تمامًا من وقع الصدمة”، وأضافت: “في العادة يصعب تقدير حجم تأثير هذه الحوادث على نفسية المتضرر، لكن آثار مثل هذه الحوادث تتجاوز ما يمكن أن نراه بالعين المجردة”.
وتعتبر القنابل العنقودية واحدة من أكثر الأسلحة غدرًا، حيث تحتوي هذه القنابل على العديد من القذائف المتفجرة الصغيرة، وقد وقع ضحيتها مدنيون كثيرون، إذ تحتوي القنبلة من نوع إم 77 إلى ما يصل إلى 644 من الذخائر الصغيرة، وكانت رشا واحدة من بين 500 ضحية متضررة من هذه الأسلحة الرهيبة منذ عام 2006، بما في ذلك خمسين ممن لقوا حتفهم.
كما دفع الإخوة بزيه ثمنًا باهظًا لهذا الإرث المتسمم من الحرب، بعد تسع سنوات من انتهاء الأعمال العدائية، كان حسن ونبيه البالغان من العمر 15 سنة يسيرون مع ستة أصدقاء في حقل قرب قريتهم، عندما رأى حسن شيئًا على شكل قنبلة ملقى على الأرض، فقام أصدقاؤه بإحاطته بالحجارة، ولكن أحدهم أمسك بهذه القنبلة وعلقها في بندقيته، معتقدًا أنها تالفة، ويريد أن يحملها إلى بيته كتذكار.
وبعد خمس دقائق، تحولت المغامرة إلى كابوس، حيث سقطت القنبلة من البندقية وانفجرت عندما ارتطمت بالأرض، ليتعرض حسن لإصابات في الرأس والمعدة وليدخل في غيبوبة دامت ثلاثة أشهر، وعندما استيقظ، اكتشف الأطباء أنه أصيب بشلل نصفي من الجهة اليسرى ناجم عن إصابات بالغة في الرأس.
أما بالنسبة لشقيقه فقد أصيب في قدميه وبات عاجزًا عن المشي بصفة عادية، وفي هذا السياق، أفاد أن حياته تغيرت تمامًا منذ وقوع الحادث، حيث إنه أصبح عاجزًا عن متابعة دراسته بانتظام وعن المشاركة في جميع الأنشطة مثل كرة القدم.
وتزايد عدد ضحايا هذه القنابل من سنة إلى أخرى، ولا تزال هذه القنابل، في الواقع، تتسبب في قتل وتشويه الكثيرين، ففي عام 2014، أصيب 16 شخصًا، مقابل 23 شخصًا في سنة 2013، وفقًا لأحدث تقرير سنوي لمركز متابعة ضحايا الألغام بلبنان.
ولكن الطريق لا يزال طويلاً للتغلب على جهاز الموت هذا المنتشر في الأراضي اللبنانية، ويتوقع الجيش اللبناني أنه سيتمكن من إجراء تنظيف كامل لهذه القنابل بحلول سنة 2021، حيث تم تنظيف 1015 منطقة من مجموع 1795 منطقة ملوثة بمثل هذه القنابل.
وفي هذا السياق، قالت كريستينا بينيك، أحد المؤسسين المشاركين في إحدى المنظمات الدولية غير الحكومية، أن العديد من العائلات فقدوا العديد من أحبائهم جراء هذه القنابل في الحرب وبعد الحرب، وأضافت هذه المتخصصة الأمريكية في الألغام والذخائر العنقودية، أن إسرائيل أسقطت عمدًا قنابل على ارتفاعات منخفضة حيث يعود بعض منها إلى حرب فيتنام وذلك لزيادة احتمال عدم انفجارها، كما تم إلقاء معظم هذه القنابل في الـ 72 ساعة الأخيرة من الصراع الإسرائيلي اللبناني.
ووفقًا لأحمد مونس مسؤول بالمجموعة الاستشارية للألغام، فإن “نية الجيش الإسرائيلي كانت واضحة وهي التسبب في أكبر عدد من الإصابات في صفوف المدنيين، خاصة وقد تمّ إسقاط عدد كبير من القنابل في مناطق ذات كثافة سكانية عالية”.
لم تصادق إسرائيل على معاهدة أوسلو، التي صادقت عليها قرابة مائة دولة في سنة 2008، أي بعد عامين من حرب لبنان لسنة 2006، التي تحظر تمامًا استخدام وإنتاج وتخزين ونقل هذه الفئة من الأسلحة، وفي هذا الصدد قالت كريستينا بينيك، إن “حرب لبنان كانت حافزًا لاعتماد هذه الاتفاقية الدولية الإنسانية، وذلك نظرًا للخسائر المادية الفادحة التي تسببت بها هذه القنابل”.
وعلاوة على ذلك، كانت هذه القنابل كارثة حقيقية، على الصعيد الاقتصادي، فعلى الرغم من مرور عشر سنوات من هذه الحرب، لا يزال العديد من المزارعين لا يستطيعون استغلال أراضيهم بالشكل الأمثل خوفًا على حياتهم، حيث كان لهذه الحرب انعكاسًا سلبيًا واضحًا على الإنتاج الزراعي، الذي يعد أحد أهم مصادر دخل العديد من الأسر في بعض المناطق الفقيرة بالبلاد.
كما أشار أحمد مونس إلى أن عمال المناجم هم أيضًا من أكثر الفئات المتضررة من وجود هذه الذخائر العنقودية، حيث رفضت إسرائيل تقديم خرائط لتحديد أكثر المناطق الملوثة والمساعدة في عملية إزالة هذه الألغام، ولكن بعد ضغط كبير من منظمة الأمم المتحدة قامت بتسليم خريطة غير دقيقة وغير واضحة، وأضاف أن هذه الألغام قد تسببت في قتل اثنين من العاملين في حين أصيب ستة آخرون بجروح.
المصدر: سلايت