قبل أن تبحث وسائل الإعلام المصرية في تداعيات هروب عدد من الشباب المصري عبر الحدود الغربية مع ليبيا للانضمام لتنظيم داعش الإرهابي ومآلاته ومخاطره على الأمن القومي المصري، سارع عدد من الإعلاميين المحسوبين على النظام الحالي بالبلاد للاستدلال بالواقعة لتبرئة ساحة وزارة داخلية النظام المصري من التورط فيما وصفته جمعيات حقوقية محلية ودولية بعمليات “الاختفاء القسري” للشباب خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
محاولة التبرير الإعلامية خلال اليومين الماضيين للربط بين اختفاء مئات الشباب المناوئين للنظام، وبين اكتشاف انضمام 9 مصريين لداعش ليبيا، تظهر سطحية التناول الإعلامي بمصر للحالة السياسية، وكيف تركز فقط على ما يمكنه تبرئة النظام من التورط في حملات الاعتقالات المتتالية للمعارضين، دون النظر في مخاطر التفكير في الانضمام لصفوف داعش أو أي من الجماعات الإرهابية الأخرى، والتي بلغت وفقًا لتقديرات مصادر أمنية ما يتجاوز الـ 8 آلاف فرد، على الأمن القومي للبلاد.
إجراءات أمنية غائبة
برؤية أمنية فإن نشاط داعش على حدود مصر الغربية وفي سيناء، بل وداخل بعض المدن مثل دمياط وبورسعيد والشرقية ووسط القاهرة، يستتبع بالضرورة اتخاذ إجراءات تستهدف منع تجنيد الشباب للتنظيمات الجهادية وخاصة داعش، بينها ما قامت به الحكومة في العام الماضي بمنع المسافرين المصريين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة والراغبين في السفر إلى تركيا أو ليبيا، وإلزامهم في حالة الضرورة بالحصول على تصريح مسبق بالسفر من وزارة الداخلية، خوفًا من الانضمام للتنظيم بسوريا وليبيا، لكن واقع التطبيق مختلف تمامًا، حيث اكتفى النظام المصري – بعقيدة دفاعية – بأن عرض على ليبيا مساعدتها في عمليات الاستخبارات والتدريب لجيشها، بدعوى أن مصر لديها معلومات عن أماكن تواجد المتشددين في ليبيا، وترحيل سكان 800 منزل بإجمالي 1165 فردًا من المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، لإقامة منطقة أمنية عازلة مع القطاع بعرض 500 متر.
تداعيات كارثية
نظرًا لضخامة الحدود الغربية مع ليبيا، والتي تبدأ من البحر الأبيض وتنتهي مع الحدود السودانية، ووعورة بعض المناطق، وعدم وجود عناصر من حرس الحدود الليبية مدربة للسيطرة علي الوضع، بجانب صعوبة السيطرة من الجانب المصري على هذه المساحة منفردة، أضحى الوضع يزداد سوءًا في الوقت الحالي، ومع ظهور حالات انضمام مصريين للقتال ضمن التنظيم الإرهابي بليبيا، بات الوضع في خطر متزايد ستظهر تداعياته الكارثية قريبًا على الحدود الغربية، خصوصًا مع تأكد نية التنظيم في إعلان ولاية سيوة بالصحراء الغربية المصرية، ونقله لعدد من قياداته وأسلحته للمنطقة، لتخفيف الضغط على التنظيم في سيناء بالجهة الشرقية.
الذئاب المنفردة
مخاوف الأمنيين من تورط بعض الشباب المصري في الانضمام لداعش بليبيا لها ما يبررها، خصوصًا إذا ما تم ربطها بتغيير التنظيم الإرهابي لاستراتيجيته مؤخرًا من الاعتماد على جماعية الهجمات والتنظيم العسكري لها، إلى صيغة الفردية والتي نالت مؤخرًا توصيف “الذئاب المنفردة”، ما يعني إمكانية عودة تلك العناصر الهاربة إلى الداخل المصري من جديد عبر فكرة “الترانزيت الجهادي” التي يتبعها التنظيم مؤخرًا، والتي تعتمد على متغيرين رئيسيين أولهما، دعم عمليات المبايعة التي تقوم بها بعض التنظيمات الإرهابية المحلية، باعتبار أن ذلك يساعد في اختراق الحدود بين دول المنطقة، وتقوية مساعي التنظيم في التمدد إلى مناطق جديدة، وهو ما ظهر جليًا في مبايعة تنظيم “أنصار بيت المقدس” لداعش في نوفمبر 2014، وتغيير اسمه إلى “ولاية سيناء”، أما العنصر الثاني فيرتبط بإمكانية تقديم مساعدات نوعية لتلك التنظيمات الإرهابية من خلال السعي إلى إدخال عناصر مسلحة، وموارد مالية ومعدات قتالية نوعية، للمساهمة في العمليات التي تقوم بها تلك العناصر ضد مؤسسات وأجهزة الدولة.
الحاضنة الاجتماعية
ما يثير الخوف من الاحتمال السابق والقاضي بفكرة “الترانزيت الجهادي” أو “الذئاب المنفردة”، هو أنها باعتمادها على شباب مصري بعيدًا عن فكرة العناصر الأجنبية التي كانت مسيطرة على عمليات التنظيم وأنصار بيت المقدس في سيناء، يمنحها ميزة فقدتها تلك التنظيمات خلال العامين الماضيين وهي فكرة “الحاضنة الاجتماعية”، فتواجد عناصر مصرية بالداخل تدين بالولاء للتنظيم يمنحها القدرة على التخفي بين العوائل والقبائل حسب النطاق الجغرافي لها، على عكس ما كان ينتهجه التنظيم خلال السنوات الماضية بالاعتماد على عناصر أجنبية عابرة للحدود خصوصًا بسيناء، أفقدته فكرة الحاضن الاجتماعي، كونها عناصر لا ترتبط بأية علاقة مع المكان الذي تسعى إلى السيطرة عليه.
مبايعة عن بُعد
الأمر الأكثر خطورة هو لجوء داعش خلال الفترة الأخيرة لتخفيف شروط الانضمام إليها والتخلي عن صرامتها المعهودة في قبول العناصر التي تبايعها، وبات التنظيم مؤهلاً عبر ضم أعداد كبيرة من المتعاطفين معه، إلى تحريض أتباعه على ارتكاب عمليات إرهابية فردية، وأعمال عنف تحت مسمى “الجهاد” داخل المناطق التي يتواجدون بها، دون اشتراط الانخراط التنظيمي، أو إعلان البيعة المباشرة للتنظيم، أو الالتزام بالسفر إلى معسكرات التنظيم في العراق وسوريا، وهو ما أدى إلى زيادة عدد العناصر الإرهابية التي تبايع التنظيم، وتقوم بتنفيذ عمليات إرهابية لتحقيق أهدافه، وهو ما ظهر في عدد من العمليات الإرهابية النوعية بداخل المدن المصرية ضد قوات الشرطة والجيش.
ناهيك عن أن التنظيم يمتلك قدرة دعائية دعوية غير تقليدية عبر استغلال الوسائل التكنولوجية من مواقع الإنترنت والإصدارات الدورية مثل مجلة “دابق” ومقاطع الفيديو المصورة، وهو ما مكنه من إقناع بعض العناصر المتطرفة في مناطق متعددة حول العالم بقدرته وإمكانياته الضخمة، والترويج لأفكاره وتوسيع نطاق الفئات التي يمكن أن تنضم إليه في ظل تلك المقومات التي يمتلكها، وهو ما ساهم في انضمام مئات العناصر الشابة حول العالم بصورة فردية إلى التنظيم وتشكيل ما يمكن تسميته بـ”الخلايا النائمة” أو “الذئاب المنفردة” التي بدأت في تنفيذ توجيهات التنظيم بارتكاب عمليات إرهابية في المناطق التي تتواجد فيها.
الخلاصة أن المرحلة المقبلة شديدة الخطورة ليس على مصر وحدها بل على المنطقة، وهنا من حقنا التساؤل: هل مصر لديها القدرة على ضبط حدودها الغربية تمامًا؟ وهل القوات المسلحة لديها من الأجهزة الرقابية والإلكترونية ما يمكنها من ذلك؟ وهل يدرك النظام المصري أن غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستمرار الاعتقالات للمعارضين دون تمييز يزيد من اشتعال الموقف؟ أسئلة بلا أجوبة في الوقت الحالي.