لا يزال موضوع التعاطي الإعلامي مع ظاهرة التطرف والإرهاب يلفه الكثير من الضبابية، رغم أن الإرهاب يعتبر ظاهرة قديمة قدم البشرية، إلا أنها في العقود الأخيرة انتشرت بسرعة فائقة جدًا وأصبحت أداة من أدوات الممارسة السياسية ووسيلة لإدراك الرأي العام والتأثير في صناعة القرار.
لكن السؤال الحاضر: ما العلاقة بين وسائل الإعلام والإرهاب؟ ثم كيف يمكن أن تتعامل المؤسسات الإعلامية والقائمون عليها مع الظاهرة الإرهابية المعقدة وتداعياتها الخطيرة على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات؟
ولعمري يكاد يجمع معظم الراصدين والمتابعين لإعلامنا العربي بأن الأحداث الإرهابية والحوارات والتسجيلات لمنفذي العمليات الإرهابية التي يتم عرضها في وسائل الإعلام العربية من قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية ووكالات أنباء لهي تقدم خدمة جليلة في إشهار هؤلاء الإرهابيين وإعلائهم إلى مرتبة السياسيين وصنّاع القرار في أوساط الجمهور والرأي العام، بل وتصبح لديهم علنية وحضور في أذهان وأفكار الناس.
كما تكمن مشكلة المعالجة الإعلامية العربية للظاهرة الإرهابية بأنها مرتجلة وغير منتظمة وأنسب ما توصف به بالمناسباتية أي أنها تزداد كثافة أثناء العمليات، ثم تتلاشى! مما يضعف من تأثيرها في رفع الوعي بخطورة الإرهاب وتداعياته على الأمن والاستقرار في المجتمع، كما وتفتقد التغطية الإعلامية غير المستمرة قدرتها في تكوين رأي عام موحد يدين المدبرين والمنفذين والممولين للعمليات الإرهابية ويعضّد في الوقت نفسه من اللحمة الوطنية لمن يعزفون على أوتار تمزيقها في المجتمعات الآمنة، وهذا يعطي مؤشرًا على افتقار المؤسسات الإعلامية والقائمين عليها للأسس المنهجية والاستراتيجية الواضحة، مما يجعل من التغطية المقدمة غير متماسكة منهجيًا وتفتقر للإطار المرجعي.
كما أنه من السهل أيضًا ملاحظة الطريقة التي تعالج بها الوسائل الإعلامية في عالمنا العربي الظاهرة الإرهابية، فهي تتعامل مع كل عملية إرهابية كحدث منفصل بذاته وليس ضمن إطار ظاهرة لها إطارها ومحدداتها تنمو وتتطور وتنتشر في بيئة لها خصائصها ومميزاتها وسياقها الأيدولوجي والسياسي والاقتصادي والثقافي.
وعليه فإن هذه النظرة الجزئية للعمليات الإرهابية وإخراجها من سياق الظاهرة الشاملة في إعلامنا العربي تفسر هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية العربية للعمليات والحوادث الإرهابية، فتكون التغطية عاجلة وسريعة وسطحية تهتم بتقديم جواب على سؤال واحد فقط: ماذا حدث؟ وتهمل الأسئلة المحورية لماذا؟ وما الخلفية والأبعاد؟ وما الإطار المحلي والإقليمي والدولي؟
ومع غياب التغطية الإعلامية ذات الطابع التفسيري والتحليلي وعدم الاهتمام بمعالجة جذور الظاهرة الإرهابية ونبش أسبابها العميقة، فإن ظاهرة الإرهاب تبدو وكأنها مجردة ومطلقة تقع خارج الزمان والمكان والمجتمع، الأمر الذي يجعل التغطية الإعلامية ضالة وبعيدة عن الحرفية والمهنية.
ولن أطيل في وصف مكامن ضعف التعاطي الإعلامي العربي مع الإرهاب الذي أخذ يومًا بعد يوم يتسع في مداه ويتنوع في مظاهره، بل الأجدى التنويه إلى بعض الحلول والتوصيات التي من شأنها أن تشكل ركائز لاستراتيجية مواجهة الإرهاب إعلاميًا، يتصدرها ضرورة تقديم رسالة إعلامية مضمونها الأمل في المستقبل وحتمية الانتصار على الإرهابيين لرفع الروح المعنوية لدى المواطنين وإشراكهم مع الجهات الرسمية في مسؤولية المواجهة والتصدي بجسارة الفكر والوعي والمنطق لخطورة الإرهاب وتداعياته على الأمن الوطني والاستقرار المجتمعي.
كما ينبغي تكثيف عرض القصص الإنسانية لجذب التعاطف الواسع من المواطنين مع أجهزة الدولة الرسمية في مواجهة الإرهاب، مع التأكيد بعدم التعامل مع العمليات الإرهابية على أنها قصص خبرية أو سبق إعلامي! بل هي قضية قومية تشكل عدوانًا صريحًا وتتطلب استنفار كل الجهود والطاقات لمواجهتها لما تسببه من أضرار فادحة وخسائر في الأرواح والممتلكات.
وهذا المستوى المطلوب في عالمنا العربي من الأداء الإعلامي التفاعلي واليقظة الذهنية على مستوى الوعي والإدراك لطرح مضامين إعلامية هادفة تعالج الظاهرة الإرهابية وتجتث جذورها يستدعي تدريبًا مستمرًا لمقدمي البرامج والقائمين على إعدادها، وتنسيق السياسات الإعلامية بين مختلف الدول العربية فيما يتعلق بضمان تقديم أفضل مستوى من الطرح والمعالجة للقضايا ذات الصلة بالإرهاب والأمن القومي واستقرار المواطن العربي.