ترجمة وتحرير نون بوست
كانت سياسة الخارجية الباكستانية، في الأشهر الأخيرة، في حالة من الفوضى، مما أدى إلى تدهور العلاقات مع جيرانها المباشرين: الهند وأفغانستان وإيران وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ويرجع هذا كله إلى عدم وجود توافق بين القيادة المدنية والمؤسسة الأمنية حول طبيعة علاقات باكستان مع العالم الخارجي، وبالتالي غياب خيارات سياسة خارجية مدروسة وقوية.
يرغب قادة باكستان المنتخبين في تعزيز المشاركة الإيجابية المتعددة الأوجه مع الدول الإقليمية والقوى العالمية الكبرى، وخاصة من خلال تشجيع العلاقات التجارية والاقتصادية، ولكنهم لا يسيطرون تمامًا على عملية تحديد السياسة الخارجية، لأن الجيش قوي، لذلك، كلما ظهر تحد دبلوماسي، عادة ما يتبنى الجهاز المدني نهج عدم التدخل، لأنهم لم يعدوا خطط جيدة للسيطرة على مجال السياسة الخارجية.
ومن ناحية أخرى، رفض الجيش التخلي عن نهج الأمن الخارجي القاسي، وفضل بناء العلاقات على أساس المخاوف الأمنية وحدها، في حين يتجاهل القضايا الاقتصادية والسياسية.
لنأخذ، على سبيل المثال، الآراء المتباينة لكلا الطرفين حول إقامة علاقات مع العدو اللدود الهند، يدعو المدنيون، الذين يفترض أن يكونوا من أنصار السلام، لمزيد من التعاون مع دلهي، ويدعون أيضًا للسماح للهند بالعبور إلى أفغانستان وآسيا الوسطى عبر مدينة لاهور الباكستانية، فضلاً عن التعاون مع الهند في مشاريع إقليمية مثل خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان والممر الاقتصادي بين الصين وباكستان وآسيا وجنوب آسيا.
من شأن مثل هذه التحركات، في اعتقادهم، سد عجز الثقة وتخفيف حدة التوتر بين البلدين الجارين، مما يمهد الطريق لتحقيق السلام والازدهار في منطقة جنوب آسيا الفقيرة.
ومن خلال موقعها الإقليمي المحوري، يمكن لباكستان الاستفادة اقتصاديًا، بل يمكنها أيضًا إغراء عدوها السابق لتجنب أنشطتها التخريبية في إقليم بلوشستان وإنهاء حملتها التشويهية لعزل باكستان على المستوى الدولي.
على العكس من ذلك، يرى كبار ضباط الجيش وصقوره أن دلهي تتآمر لإضعاف باكستان وبسط الهيمنة في المنطقة، على غرار تطوير ميناء شاباهار الإيراني والشراكة الاستراتيجية بين الهند وأفغانستان.
وينظر إلى مبادرات دلهي في كابول وطهران بأنها جزء من هذه المؤامرة الشنيعة، وبالتالي، يعتقد القادة العسكريون، أنه من الضروري إبعاد الهند للحفاظ على سيادة باكستان و مصالحها الاستراتيجية.
عقلية جنون العظمة هذه، تحدد أيضًا علاقة باكستان بأفغانستان وبالولايات المتحدة، وينظر إلى كلا البلدين على أنهما شريكين تاريخيين للهند، من خلال مساعدة نيودلهي على تنفيذ أنشطة خفية لجعل باكستان أضعف، لذلك، يُنظر دائما إلى العلاقة مع هؤلاء الشركاء المحتملين من خلال منظور أمني، في سياق علاقاتها مع الهند.
تريد إسلام آباد أن ترى حكومة موالية لباكستان في كابول بحيث يمكن أن يكون لها نفوذ استراتيجي في الجوار، لمنع دلهي من زيادة نفوذها هناك، وهي على استعداد لفعل أي شيء، حتى وإن كان ذلك رعاية المسلحين المناهضين للحكومة الأفغانية، على غرار شبكة حقاني وطالبان الأفغانية.
تعتزم باكستان مواصلة تحالف “الحرب على الإرهاب”، مع الولايات المتحدة، مادامت واشنطن تقدم مساعدات مالية ولوجستية إلى الجيش الباكستاني، لكن تضررت العلاقات في الفترة الأخير بعد رفض واشنطن تمويل صفقة مقاتلات إف-16 لباكستان.
من جهة أخرى، يشير بعض صناع القرار إلى أن الصداقة بين الصين وباكستان هي نجاح للسياسة الخارجية، ولكن في حقيقة الأمر، أُنشئت هذه الشراكة لوجود مصالح أمنية مشتركة فيما يتعلق بالعدوانية الهندية، وليس بسبب المناورات الدبلوماسية الناجحة، لذلك، لا يعد الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان هدية إلى باكستان، بل هو جزء من شبكة شاملة من مشاريع البنية التحتية، التي تنوي نشرها في مناطق مختلفة من أجل زيادة التبادل التجاري في بكين.
وهذا لا يعني أن باكستان لن تستفيد من هذا المشروع، حيث سيتم تسريع النمو الاقتصادي وتعزيز التنمية الاجتماعية، وبمساعدة من باكستان، يمكن للصين، في المستقبل، مواجهة تزايد التواجد العسكري الهندي والأمريكي، عبر هذا الممر.
لم تتغير سياسة باكستان في الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الصين على مدى فترة طويلة، لكن إسلام أباد انتهجت سياسة خارجية غير مرنة ومتشددة فيما يتعلق ببلدان أخرى، كان ذلك بسبب رفض المؤسسة الأمنية سحب دعمها لبعض الجماعات المتشددة باسم ما يسمى العمق الاستراتيجي، لذلك، على عكس الصين والهند، لم تكن باكستان قادرة على إعادة علاقاتها الخارجية لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية لأنها تضع في اعتبارها تهديدات أمنية مبالغ فيها، كما يواصل الجيش الباكستاني في تأطير سياسة خارجية أمنية.
كان لهذه المقاربة العنيدة تأثير عميق وبعيد المدى في صنع القرار الداخلي أيضًا، فعلى سبيل المثال، لا يحصل قطاعا الصحة والتعليم، على ما يكفي من التمويلات، في حين يتم تخصيص جزء كبير من ميزانية باكستان للأمن والنفقات المتعلقة بالدفاع.
في عالم اليوم الحديث، يجب للسياسة الخارجية لأي بلد أن تسترشد بتاريخها وجغرافيتها وظروفها الداخلية، وتجدر الإشارة إلى أن صناع القرار في إسلام آباد اهتموا بالتاريخ والجغرافيا عند صياغة السياسة الخارجية، لكنهم يتجاهلون الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية المهمة، لذلك يجب إعادة صياغة هذه الاستراتيجية.
الأهم من ذلك، أن باكستان بحاجة إلى إصلاح كبير في سياستها الخارجية، وهذا يعني زيادة التركيز على الجغرافية والاقتصاد والابتعاد عن البعد الأمني للسياسة الخارجية، هذه التغييرات ممكنة فقط، عندما يكون القادة السياسيون والعسكريون في البلاد على وفاق، عندها فقط، يمكنهم إعادة تقييم الأهداف الاستراتيجية وصياغة سياسة خارجية شاملة.
المصدر: ذي ديبلومات