باغت الانقلاب العسكري الفاشل الذي هز تركيا في منتصف يوليو 2016 الجميع، وأثار حالة من الارتباك والدهشة داخلياً وخارجياً، وزاد من حالة التوتر التي يعيشها إقليم الشرق الأوسط، منذ اندلاع الربيع العربي قبل 5 سنوات، كون تركيا لاعباَ رئيسياَ في المنطقة وما يحدث فيها بلا شك سيكون لها انعكاساته المباشرة على الإقليم، وخاصة على دول مجلس التعاون الخليجي.
فالعلاقات بين تركيا ودول الخليج لاسيما قطر والسعودية ما قبل الانقلاب الفاشل اتسمت بالانسجام والتوافق في بعض الملفات الإقليمية مثل الوضع في سوريا والموقف من تنظيم الدولة الإسلامية وإيران، أما دول خليجية أخرى مثل الإمارات، اتسمت علاقاتها مع أنقرة بالتوتر وعدم الاستقرار خاصة فيما يتعلق بالملف المصري والدعم الكامل من حكومة أبوظبي لنظام عبدالفتاح السيسي، في نفس الوقت تعتبر أنقرة أن السيسي نفسه جاء بانقلاب عسكري ونظامه لا يتمتع بشرعية، ومن خلال العلاقات التوافقية والخلافية بين تركيا ودول الخليج تأتي أهمية رصد مواقف هذه الدول لاسيما في الساعات الأولى من الانقلاب.
كذلك فإن النظام التركي أيضا رغم انشغاله في معركته الداخلية وجعلها أولويته التي يقاتل حتى يكسبها، إلا أن تقييم ردود الأفعال الخارجية بلا شك سواءً كانت داعمة أو متخاذلة، للوقف على مستقبل العلاقات معها ومن خلال هذه الورقة سنحاول تسليط الضوء على الانعكاسات المتوقعة على دول الخليج بعد هذا الانقلاب.
أولاً: مستقبل العلاقات مع السعودية:
تأخرت المملكة العربية السعودية كثيراً في إصدار أية بيانات أو تصريحات رسمية حول الوضع في تركيا حتى صباح السبت بعد أن مر أكثر من 15 ساعة من محاولة الانقلاب الفاشلة مما أثار التساؤل حول موافقة سعودية أو رضاً مبطن عن الانقلاب العسكري، ومما غذى هذا الشعور صدور بيان ضعيف من الخارجية السعودية وعلى لسان مصدر في الخارجية السعودية وليس الوزير عادل الجبير، وتناثرت التصريحات بشأن عدم انزعاج السعودية من هذه الأحداث واستمرت تلك التصريحات 5 أيام بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، مما دفع الخارجية التركي وعلى لسان المتحدث باسمها، تانجو بيلغيج، إلى القول بأن المملكة العربية السعودية أبدت “موقفاً واضحاً ضد محاولة الانقلاب” التي شهدتها تركيا، الجمعة الماضية، وإن هناك تعاونا ملموسا بين تركيا في هذا الصدد1.
لكن ثمة سؤال مهم بعيداً عن الردود الدبلوماسية من كلا الطرفين، وهو هل بالفعل كانت السعودية تريد سقوط نظام أردوغان؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من التعرف على المصالح الاستراتيجية التي تربط البلدين وحاجة كل منهما إلى الآخر.
فمنذ وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى سدة الحكم في السعودية في يناير 2015، شرع الملك الجديد في إعادة العلاقات شبة المقطوعة بين الرياض وأنقرة على خلفية الموقف من جماعة الإخوان المسلمين والانقلاب العسكري في مصر، وحولت السعودية وجهتها الخارجية صوب تركيا التي باتت لاعباً مهماً في المنطقة، للتعاون معها في وقف الزحف الإيراني الشيعي تجاه الدول السنية وأيضا لحسم ملف سوريا العالق منذ 5 سنوات إذ تعتبر الرياض أن رحيل بشار الأسد أهم أهدافها وكذلك حال تركيا أيضاً، من أجل ذلك سعى الجانبان إلى إعلان ما عرف بالتحالف الاستراتيجي بينهما وتنحية الخلافات جانباً على الأقل في تلك المرحلة لحسم الملف السوري وأيضا تعظيم التعاون بينهما اقتصادياً.
فتركيا أردوغان رغم ما تمثله من تهديد مُتصور للسعودية على زعامة العالم السني خاصة وأن الرئيس التركي لا يخفي رغبته في إعادة مجد أجداده العثمانيين ومن ثم يسحب البساط من تحت أقدام النظام السعودي الذي يعتبر نفسه حامي حمى السنة والذي يزود عن عرض الأمة الإسلامية، ومن هنا يتعارض الحليفان، لكن يظل التفكير التكتيكي للدولتين الآن هو حسم الصراع في سوريا واليمن لصالح المشروع السعودي والتركي2.
فلو نظرنا للأمر من هذه الناحية نستطيع الإجابة على سؤالنا السابق وهو هل تريد السعودية إسقاط أردوغان؟، ربما لو كان البديل لأردوغان يحمل نفس الأهداف فيما يخص الوضع في سوريا وموقفه من إيران كانت ستكون الإجابة نعم، لكن البديل في هذه الحالة هو الجيش التركي الذي كان سيبدي مرونة كبيرة مع نظام بشار الأسد ومن ثم يجعل السعودية بمفردها أمام مطامع إيران، ومن هنا ستكون إجابة السؤال “لا”. فالرياض لا تريد في الوقت الحالي وجود توترات في تركيا وغياب حليفها القوي رجب طيب أردوغان.
وفي المرحلة الحالية تنكب مؤسسة الرئاسة التركية على تطهير الدولة من جماعة فتح الله كولن المتغلغلة في مفاصلها، والتي تتهم بتدبير الانقلاب الفاشل، وبعد الانتهاء من هذه المهمة ستتفرغ أنقرة لعلاقاتها الخارجية التي بلا شك ستعيد ترتيبها ورسمها بشكل مغاير بعد الأحداث الأخيرة، وبالنسبة للموقف السعودي ثمة 3 سيناريوهات سيقع أحدها خلال الفترة المقبلة وهي:
الأول: زيادة التعاون:
يستند هذا التصور على أن المرحلة القادمة ستشهد زيادة في التعاون بين الرياض وأنقرة لاسيما في الملف السوري خاصة بعد عملية التطهير التي يقوم بها الرئيس التركي في الجيش والتي ستجعله في الغالب على قلب رجل واحد ومن ثم يمكن للحكومة التركية أن تتخذ بعض الإجراءات والقرارات الجريئة خارجياً، مثل التدخل عسكريا في سوريا إذا ما تطلب الأمر لحماية المصالح التركية والتي تتمثل أهمها في عدم قيام دولة كردية شمال حلب، وإزاحة نظام الأسد عن السلطة، وهذا الأمر سيدفع بشكل كبير في زيادة التعاون مع الرياض، التي تولي الملف السوري أهمية كبيرة.
الثاني: بقاء العلاقات على ما هى عليه:
يقوم هذا التصور بالأساس على بقاء العلاقات على وضعها القائم، كون أن عملية الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو وما تبعها هو شأن تركي داخلي، رغم ارتباطه بالعديد من الملفات الخارجية إلا أن الموقف من السعودية سيبقى على ما هو عليه دون الإقدام على أي خطوة جديدة تغير مسار العلاقات حتى يستتب الوضع الداخلي بشكل كبير ومن ثم تعيد تركيا رسم سياستها الخارجية مرة أخرى بما ستناسب مع المرحلة القادمة.
الثالث: تراجع التعاون بشكل كبير:
ثمة ملاحظة مهمة برزت في رد الفعل السعودي على الانقلاب العسكري، فرغم كون الرياض حليفاً استراتيجياً لأنقرة وحالة الاستقرار في تركيا تعد ضمانة مهمة للسعودية إلا أن المملكة لم تدل بأي تصريحات سياسية على محاولة الانقلاب إلا بعد 15 ساعة من محاولة الانقلاب مما دعي البعض للحديث عن رضا سعودي على العملية ومن ثم القرار بعدم الإدلاء بأي تصريحات كان أمر مقصود لاستكشاف طبيعة المشهد القادم في تركيا، وكذلك وسائل الإعلام المحسوبة على النظام السعودي مثل قناة العربية التي اتخذت موقفاً محايداً في بداية المحاولة الانقلابية ولكن بعد التأكد من فشلها تغيرت طريقة القناة في تناولها من الأحداث فيما يصب في اتجاه دعم المحاولة رغم فشلها وهذا ربما يفسر حالة الارتباك السعودية من الأوضاع في تركيا وتدخل شخص ما في طريقة التناول للأوضاع التركية، فيما يخدم الأجندة الإماراتية كون أن المحطة موجودة في إمارة دبي، كما أنها تابعة بشكل مباشر للنظام السعودي والذي يقوده بشكل مباشر ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تربطه علاقات وثيقة بمحمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات، ومن ثم نظراً للمؤشرات السابقة فإن العلاقة بين أنقرة والرياض قد تشهد تراجعاً كبيراً في الفترة المقبلة.
ثانياً: مستقبل العلاقات مع الإمارات:
لازال اللغط حول وقوف أياد إماراتية وراء عملية محاولة الانقلاب الفاشلة لم يحسم، ولا زالت بعض الأخبار تؤكد فرضية تورط حكومة أبو ظبي وعلى رأسهما ولي العهد محمد بن زايد ومستشاره الأمني محمد دحلان، الذي لا يخفى دوره في زعزعة استقرار دول الربيع العربي، وهناك مؤشر آخر يشير إلى ضلوع الإمارات في هذه المحاولة وهو التراشق الإعلامي بين ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي والقريب من صانع القرار في الإمارات وبين صحيفة زمان التركية التي وصفته بأنه “أقذر رجل في الشرق الأوسط”.
خلفان الذي يزعم دائماً أن تغريداته على الشبكات الاجتماعية تعبر عن رأيه فقط، في الوقت الذي يعتبر فيه الكثير أن الحكومة الإماراتية دائما ما تشعر بالارتياح لتصريحاته، ولو كانت ترى غير ذلك لأجبرته على الصمت، أيضا وسائل الإعلام الإماراتية دعمت الانقلاب بشكل واضح منذ البداية وقامت بنشر بعض الأخبار التي ثبت بعد ذلك أنها غير صحيحة، مثل طلب الرئيس التركي من ألمانيا اللجوء السياسي بعد سيطرة الجيش على مقاليد السلطة بالكامل في البلاد، والخبر الذي سرعان ما تبين أنه ملفق، كل هذه العوامل السابقة بلا شك ستنعكس على مستقبل العلاقة بين البلدين في الفترة المقبلة3.
وثمة سؤال لابد من الإجابة عليه وهو لماذا تشارك الإمارات أو تدعم محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا؟ وللإجابة على هذا التساؤل يمكننا التطرق إلى مكاسب الإمارات إذا ما تم هذا الانقلاب.
1ـ سقوط أردوغان ومشروعه:
يُمثل حكم حزب العدالة والتنمية أزمة للنظام الإماراتي نظراً للتعارض الشديد في الأجندات بين البلدين، فحكم أردوغان بصورة ما محسوب على تيار الإسلام السياسي الذي تعتبره الإمارات عدوها الأول، كما يمثل هذا النجاح لأردوغان على المستوى السياسي والاقتصادي نموذجاً ملهماً للحركات الإسلامية التي تنشغل بالعمل السياسي ومن ثم يشجع ذلك جزء منها على تكرار تجربة أردوغان ومنها جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات.
أيضا ثمة خلاف شديد بين أنقرة وأبو ظبي حول المعارضين الإماراتيين الذين يقيمون في تركيا، فقبل شهرين من عودة العلاقات الباردة بين البلدين طلبت الإمارات من تركيا تسليمها عدد من المعارضين لحكم “آل نهيان”، والذين صدرت ضدهم أحكام في قضايا أغلبها يعد مسيساً، الأمر الذي رفضته أنقرة، ولولا الضغوط السعودية لما وافقت الإمارات على عودة سفيرها إلى أنقرة، ومن ثم في حال نجاح الانقلاب العسكري كان هذا الأمر سيمثل للإمارات فرصة ذهبية في القبض على معارضيها في تركيا.
2ـ القضاء على جماعة الإخوان المسلمين:
منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وتركيا تعد الداعم الأهم لجماعة الإخوان المسلمين، وسقوط النظام الحاكم كان سيمثل ضربة قوية للجماعة بلا شك ومن ثم يضعف موقفها بشكل كبير أمام أي احتمالات لتسوية سياسية قادمة وربما يضعف الجماعة لعدة سنوات، مما ينعكس بالسلب على كل التنظيمات المنبثقة من الإخوان في العالم وهو ما يمثل أحد أهداف الإمارات.
3ـ تقويض النفوذ القطري في المنطقة:
لا يخفى على أحد الخلاف بين قطر والإمارات في العديد من الملفات وأبرزها دعم جماعة الإخوان المسلمين العدو اللدود للإمارات4، وهذا الخلاف في بعض الأحيان يصل إلى حد الصراع بين الجارتين الخليجيتين، فتركيا أردوغان تعد حليفاً قوياً لقطر وتتوافق بشكل كبير مع الأهداف القطرية في المنطقة والتي بالطبع تزعج نظام الحكم في أبوظبي، ومن ثم سقوط أردوغان ونظامه كان سيمثل ضربة قوية لقطر ويُقلص دورها المتنامي في المنطقة منذ عقد تقريباً، ومن ثم يعد ذلك فرصة ذهبية للإماراتيين لملء حيز الفراغ الذي كانت ستتركه قطر في حال سقوط أردوغان.
4ـ التوسع في دعم نظام السيسي:
منذ الانقلاب العسكري عام 2013، على محمد مرسي أول رئيس منتخب في مصر، وتركيا أردوغان تعد الحليف الأهم والأقوى للرافضين للانقلاب، وفي نفس الوقت تعد عدو نظام السيسي الأول بعد رفض أنقرة للاعتراف به كونه جاء عبر الانقلاب، ومن ثم لو سقط أردوغان عبر العسكر فإن ذلك سيفتح الباب مباشرة أمام السيسي لتطبيع العلاقات مع تركيا ويُسهل له عملية تصفية الحسابات مع الإخوان المسلمين المتواجدين في تركيا وتسليمهم للمحاكمة في مصر ويدفع في اتجاه تحالف عسكر مصر وتركيا وإسرائيل ويعد ذلك مكسباً كبيراً للنظام المصري الذي لازال لديه عقده عدم اعتراف تركيا به.
وهنا، وفي ظل هذه الاعتبارات تبرز عدة سيناريوهات لمستقبل العلاقة بين أبو ظبي وأنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة:
الأول: زيادة التوتر وقطع العلاقات بين البلدين:
يقوم هذا السيناريو بالأساس على مؤشرات ضلوع الإمارات بشكل مباشر في عملية الانقلاب الفاشلة، من خلال التخطيط والتمويل والدعم لها، بعد قطع أنقرة شكها باليقين حول وقوف أبو ظبي وراء هذه الخطوة ومن ثم تشرع تركيا في اتخاذ موقف حازم مع الإمارات التي حاولت من قبل أكثر من مرة إحداث ضرر لتركيا في الفترة السابقة والتي بسببها توترت العلاقات وتم سحب السفراء قبل أن يتم تهدئة الأوضاع مطلع العام الجاري بسبب الضغط السعودي على الطرفين.
وفي هذه الحالة ربما ستلجأ تركيا إلى فضح المخطط الإماراتي ونشر تفاصيله للعيان، وهذا سيترتب عليه رد فعل قوي من الإمارات وحملة شرسة على تركيا سواء على المستوى الرسمي والشعبي، وكذلك الحال من الجانب التركي الرسمي والشعبي أيضا، لكون عملية الانقلاب الفاشلة مثلت صدمة للأتراك وهددت أمن واستقرار البلاد ومن ثم لن يتورع المسؤولون الأتراك عن كشف المتورطين والداعمين لهذا المخطط من أجل استرضاء كل الفئات التي شاركت في إفشال الانقلاب.
هذا التصور إذا ما حدث سينعكس بشكل مباشر على البلدين ومن ثم سيصب في اتجاه قطع العلاقات وسحب السفراء وسيدفع تركيا إلى التفكير في الانتقام من الإمارات على هذه العملية، إما بالمقاطعة الاقتصادية أو رفع دعوى ضد أبو ظبي في مجلس الأمن وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي.
الثاني: تجميد العلاقات بين البلدين:
يستند هذا السيناريو على فرضيات السيناريو الأول حول ضلوع الإمارات في محاولة الانقلاب الفاشل، ولكن الفارق بين التصور الأول والثاني هو رد الفعل التركي حيال الموضوع إذ يقوم هذا التصور على فكرة تدخل دول عربية كبرى مثل المملكة العربية السعودية لوقف التصعيد بين البلدين وإرغام الإمارات على الاعتذار عن هذه الخطوة مقابل تعهدات ملزمة من الطرف الإماراتي بعدم التدخل في الشأن التركي مرة أخرى، ومن ثم تتراجع أنقرة عن التصعيد وتكتفي بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الإمارات وتجميد العلاقات الدبلوماسية والإبقاء على العلاقات الاقتصادية كما هي.
الثالث: بقاء الوضع كما هو عليه:
الفكرة الأساسية لهذا السيناريو هى ثبوت عدم تورط الإمارات في هذه المحاولة سواءً بالدعم أو التخطيط، أو المشاركة، ومن ثم تظل العلاقة بين البلدين على وضعها قبل الانقلاب بعد عودة السفراء واستئناف التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، وفي نفس الوقت ستحاول الإمارات الضغط على ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي بالتوقف عن مهاجمة تركيا والرئيس أردوغان والتي يمارسها بشكل شبه يومي من عبر حسابه على تويتر، والتي دائما ما تُعرضه للهجوم من قبل الرافضين للموقف الإماراتي وتداخلاتها في المنطقة.
الرابع: زيادة التعاون:
يقوم هذا السيناريو على زيادة التعاون بين أنقرة وأبوظبي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وهذا الافتراض يجد سنده في أن الإمارات ساعدت تركيا ووقفت بجوارها في أزمتها الأخيرة، لاسيما بعد قيام أبوظبي بالقبض على 2 من القادة العسكرين المتورطين في الانقلاب وتسلميهم إلى أنقرة بعد طلب الحكومة، وكذلك الاتصال الذي أجره وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد بنظيره التركي جاويش أوغلو بعد ساعات على الانقلاب وإعلان الحكومة سيطرتها على المشهد وعودتها مرة أخرى، وهو ما قد يدفع تركيا في تجاه زيادة التعاون مع الإمارات سواء في الناحية الاقتصادية أو على المستوى السياسي.
إلا أنه من الناحية العملية يعد هذا السيناريو بعيد التحقق تماماً، لمعرفة الجميع بتدهور العلاقات بين الجانبين ناهيك عن التأكد من صحة الأخبار المتداولة حول ضلوع أبو ظبي بشكل ما في الانقلاب العسكري، ومن خلال المؤشرات السابقة يظل سيناريو قطع العلاقات بين الجانبين وتدهورها هو الاحتمال الأقرب للتحقق، ثم سيناريو تجميد العلاقات.
ثالثاً: مستقبل العلاقات مع قطر:
مع الساعات الأولى للانقلاب ظهر الموقف القطري من الوضع بشكل واضح، فقبل أن تصدر أي بيانات دولية أو إقليمية تواصل الأمير تميم بن حمد آل ثاني مباشرة مع الرئيس التركي لمعرفة الأوضاع، كما أكد له دعم الدوحة للحكومة المنتخبة والوقوف بجوارها في هذه الأزمة. الموقف القطري السريع في إدانة الانقلاب يأتي في إطار عملية التنسيق السياسي والأمني بين الدوحة وأنقرة، كما يكشف مدى تحالف البلدين في ظل ارتباطهما بعدد من الملفات السياسية في المنطقة ولاسيما الوضع في سوريا والموقف من جماعات الإسلام السياسي5.
قطر منذ اللحظات الأولى سخرت أدواتها الإعلامية في دعم حكومة أردوغان، وفي الوقت الذي كانت وسائل إعلام عربية ودولية تحاول أن تظهر نجاح الانقلاب وتمكن العسكريين وسيطرتهم على البلاد، كانت قناة الجزيرة تدعم النظام التركي وتحاول نقل حقيقة المشهد على الأرض بما يُرسخ فشل الانقلاب، وهذا ربما ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الظهور على قناة الجزيرة في أول حوار له مع وسائل الإعلام بعد المحاولة الفاشلة، أيضا في إطار الدعم السياسي كان أول مسؤول عربي يصل تركيا بعد الانقلاب هو وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني6.
والمتابع لتطور العلاقات بين البلدين منذ اندلاع الربيع العربي وحتى الآن يجد أن عدة ملفات تربط بين أنقرة والدوحة، ففي الملف السوري هناك تطابق كبير في وجهات النظر بين الدولتين حول مصير بشار الأسد، وكذلك دعم الفصائل المسلحة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، أيضا فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين فكل من الدوحة وأنقرة تعدان حليفين وداعمين مهمين للإخوان والمعارضة المصرية ومناهضين لنظام عبدالفتاح السيسي، وكذلك الحال بالنسبة للوضع الفلسطيني وخاصة قطاع غزة، ومن هنا يتضح مدى ترقب قطر للأوضاع في تركيا بشكل مستمر، لكون نجاح الانقلاب العسكري كان ذلك سيضعف الموقف القطري بشكل كبير على المستوى الإقليمي والعربي.
ومن المتوقع بعد فشل الانقلاب أن يزيد مستوى التعاون بين البلدين، على مستوى العلاقات الثنائية وكذلك زيادة التنسيق في الملفات الإقليمية، فعملية التطهير التي تقوم بها الحكومة التركية والرئيس أردوغان رغم أنها في الأساس موجهة إلى الداخل التركي إلا أن أصداءها الخارجية ستظهر بشكل سريع خاصة تلك المتعلقة بالجيش التركي والذي يرتبط بشكل مباشر بالملف السوري، فالمراقب للشأن السوري يجد بعد أيام من محاولة الانقلاب في تركيا سيطرة قوات بشار الأسد على مساحات كبيرة من المناطق الخاضعة للمعارضة في حلب، ولكن بعد استقرار الأوضاع بشكل ملحوظ في تركيا انعكس ذلك على الأوضاع الميدانية لصالح المعارضة التي تخوض معارك شرسة ضد قوات بشار الأسد وحلفائها في أغلب مناطق حلب، وذلك بحسب مراقبين يعود إلى دخول أسلحة نوعية إلى تلك المناطق وهذا ما أسهم في إعادة التوازن مرة أخرى شمال سوريا، وهذا الأمر سوف ينعكس أيضا بشكل إيجابي على حلفاء المعارضة وعلى رأسهم قطر.
كما أنه من المتوقع أن يشهد التنسيق بين تركيا وقطر مزيداً من التعاون فيما يخص ملف الأوضاع في مصر لاسيما في ظل حالة المناكفة السياسية التي تلعبها القاهرة فيما يخص الحديث عن استضافة القاهرة لفتح الله كولن المتهم الأول بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة، وفي هذه الحالة ستعد أنقرة والدوحة في خصومة مباشرة مع القاهرة لاسيما بعد القضية المعروفة في مصر بالتخابر مع قطر.
أيضا ستشهد العلاقات مزيداً من التنسيق للضغط على الإمارات لانحسار نفوذها في المنطقة خاصة إذا ثبت تورطها في الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، وهو ما يعد دعماً قوياً للدوحة التي تعد علاقاتها متوترة مع أبو ظبي رغم ظهور عكس ذلك في العلن.
خلاصة:
لقد كشف الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عن مخططات كبيرة للتخلص من التجربة الديمقراطية في البلاد، وتواطؤ عدد من الدول في هذه العملية سواء بالتخطيط أو التمويل أو على الأقل الصمت حيال هذه الأزمة، وهذه المواقف لن تمر مرور الكرام في تركيا وستحاول التعامل معها بما يصب في مصلحة البلاد، كما أن هذه الأحداث ستدفع في اتجاه تغيير المواقف التركية في الداخل والخارج والتعاطي مع الأوضاع الجديدة التي أفرزتها الأزمة، وستكون دول الخليج أول المتأثرين بهذه المحاولة إما إيجابا أو سلباً وذلك لتداخل أغلب دول الخليج مع تركيا في العديد من الملفات الإقليمية (7).
المصدر: المعهد المصري للدراسات