لاقت ابتسامة الدكتور باسم عودة في المحكمة كثيرًا من الصدى على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن شئت الحق فإن هذه الصورة ليست وحدها التي أثرت في الانقلاب وحكومة عبد الفتاح السيسي، فهناك عدد آخر من المشاهد حاولوا من خلالها إيصال رسائل للشعب المصري إلا أنها أتت بنتائج عكسية، ولم تكن صورة باسم عودة وابنته الأولى، وغالبًا ليست الأخيرة.
باسم عودة وابنته
لم ينس الدكتور باسم عودة وزير التموين السابق أن يحضر وردة لابنته الصغيرة في عيد ميلادها، وظهرت الفرحة على وجه الطفلة الصغيرة بحضن أبيها، ولخصت الابتسامة البريئة طول شوقها، واشتياق كل أطفال المعتقلين إلى ذويهم الغائبين خلف معتقلات وسجون لم تراع حرمات ولا حقوق الإنسان، وكانت ابتسامته الشامخة أكبر طعنه لسجانه.
جدير بالذكر أن الدكتور باسم عودة المسجون في سجن العقرب سيء السمعة، هو أستاذ الهندسة الحيوية والطبية والمنظومات بهندسة القاهرة، وشغل منصب وزير التموين في حكومة الدكتور قنديل، ولقب بوزير الغلابة، وقد أظهر نجاحات كبيرة في قطاع التموين، وأوجد حلولاً لمشكلات كانت مزمنة في الواقع المعيشي للمواطن المصري، ويكاد يكون الشخص الوحيد تقريبًا الذي لاقى قبولاً من الجميع، حتى المهندس نجيب ساويرس وهو ألد خصوم الإخوان سياسيًا طالب عودة بالبقاء في منصبه الوزاري بعد الانقلاب، إلا أن الأخير رفض، فتم بعدها بقليل اتهامه في عدد من القضايا، ولم يكن لها من سند سوى التحريات، بخلاف ما استقرت عليه أحكام محكمة النقض من أن التحريات وحدها لا تصلح دليلاً.
ولما له من رصيد لدى “الغلابة” أو عموم المصرين فقد أثارت صورة ثباته ومداعبته ابنته عاطفة الكثيرين، حتى إنه قد خرت بعض الأصوات الداعمة للانقلاب تحاول مقاومة هذا التعاطف، فخرج الغيطى مثلاً ليقول إن عودة يتاجر بصور ابنته؟!
وداعية سلفي يقول إنه لا يجوز التعاطف مع باسم عودة؟!
ثبات الرئيس مرسي
كانت صورة الرئيس مرسي وهو متوجه إلى المحكمة لأول مرة أكثر هذه الصور تأثيرًا، فكان المقصد منها – أي الصورة – إخراج الرئيس مرسي من صورة الرئيس إلى صورة المتهم الذي يحاكم، ولكن ظهوره شامخًا أعطى لأنصاره كثيرًا من الأمل.
عرب شركس
كانت أبرز الصور التى أثرت في الناس بصورة عكس ما أريد لها، القضية المعروفة إعلاميًا باسم “عرب شركس” التي تحمل رقم 43 لسنة 2014 – جنايات عسكرية شمال القاهرة، والتي اتهم فيها مجموعة من الشباب وحكم عليهم عسكريًا بالإعدام، ورغم أن الشباب الستة المتهمين كانوا محبوسين قبل الواقعة التي جرت في 19 مارس 2014 التي اتهموا بفعلها، وقد أثبت ذوو المعتقلين حبسهم قبل توجيه الاتهام لأبنائهم بأشهر عدة، وتم تنفيذ الحكم في 17 مايو 2015 بقطاع مصلحة السجون، ودون إخطار ذويهم، ولم يتمكن المتهمون ولا ذويهم من الطعن على الحكم بأي طرق الطعن، الأمر الذي دفع ذويهم بإقامة الدعوى رقم 44180 لسنة 69 ق ضد رئيس الجمهورية ووزير الدفاع والمدعي العام العسكري، للمطالبة أولاً بوقف تنفيذ قرار وزير الدفاع الصادر بالتصديق على حكم الإعدام، وثانيًا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بالتصديق على أحكام الإعدام الصادرة قبل أن يتاح للمحكوم عليهم الطعن في الحكم الصادر ضدهم، وثالثًا وقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي لرئيس الجمهورية بالامتناع عن تنظيم طريق للطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية، إلا أن الحكم الصادر بإعدام المتهمين قد نفذ دون الالتفات إلى دعوى وقف التنفيذ، إلا أن النظام لم يلتفت لتلك الدعوى وأعدمهم قبل الفصل فيها.
وكان قرار الإعدام سياسيًا لإحداث بالونة اختبار للمجتمع الدولي، وإرهاب الداخل المصري، وتوصيل رسالة أن النظام جاد في الأحكام ضد معارضيه، إلا أن رد الفعل لم يكن كما هو مخطط له، وكانت صورة أخت أحد المغدور بهم وهي تحمل ثوبه وتنادي “أن أخاها شهيد وحق لها أن تفرح” أكبر ضربة للنظام وقتها دوليًا وداخليًا.
أحكام الإعدامات بالجملة
الصورة التالية هي لأحكام الإعدامات الكثيرة التي صدرت لا أقول في غيبة من القانون، ولكن في غيبة من العدالة، فكما جاء في أحكام محكمة النقض أن التحريات وحدها لا تصلح كدليل للإدانة، وهو ما قررته محكمة النقض من إلغاء عدد من أحكام الإعدامات الكثيرة، التي وصل بعضها للحكم على 183 بينهم سيدة، هي الحاجة “سامية شنن”، في قضية واحدة، ودون الاستماع لدفاعهم حتى، واشتهر المستشار ناجي شحاتة بقاضي الإعدامات لكثرة حكمه بالإعدام على رافضي الانقلاب، إلا أن أشهر وأغرب الأحكام تلك صدرت بإعدام الشهيد الفلسطيني رائد العطار، والأسير الفلسطيني حسن سلامة المسجون في سجون الاحتلال مما يقرب من 20 عامًا، مما أسقط عن القضاء المصري ثوبه المعروف بالقضاء الشامخ، وبقبوله أن يكون – أي القضاء – أداة في يد النظام الانقلابي، وهو ما انقلب بإهدار آخر صورة شموخ للقضاء المصري.
المؤبد لطفل
وغير أحكام الإعدام كان هناك حكم في القضية التي حملت رقم 280 لعام 2014 جنايات عسكرية، والقضية كانت تدور حول مقتل عدد من المتظاهرين في محافظة الفيوم، وقامت محكمة غرب القاهرة العسكرية بالحكم على المتهمين الواردة أسماؤهم من قِبل جهاز الأمن الوطني دون الاطلاع على أوراق القضية أو النظر فيها، فقامت بالحكم على عدد كبير من الأشخاص، الذين وردت أسماؤهم بطريقة عشوائية كان من بينهم أشقاء القتلى، والطفل الصغير “أحمد منصور قرني”، الذي كان عمره عند حدوث الواقعة سنة ونصف السنة، وإن كان إحالة المتهمين للمحاكمات العسكرية لردع معارضي الانقلاب، إلا أن الحكم على طفل لم يبلغ 4 سنوات، غير الصورة تمامًا، ووضع النظام في حرج بالغ، وانقلب السحر على الساحر.
بنات 7 الصبح
محكمة جنح سيدي جابر بالإسكندرية قضت بحبس 14 فتاة 11 عامًا وشهرين، على خلفية اتهامهن بأعمال شغب وحيازة سلاح أبيض، وإيداع 7 أخريات متهمات بنفس القضية بدور رعاية الأحداث.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن المتهمات رددن هتافات محرضة ضد الشرطة والجيش، وقاموا بإلقاء حجارة كانت معهن بحقائبهن نحو المواطنين والسيارات مما ترتب على ذلك حدوث تلفيات، وشاركن في تجمهر اتسم باستخدام القوة من أجل التأثير على سلطات الدولة، واعتدين على الأهالي الموجودين بالقول والحجارة، ما دعا قوات من الشرطة والجيش للتدخل، وتم ضبطهن وبحوزتهن لافتات ومنشورات مسيئة للجيش والشرطة”.
وكانت هذه الصورة مقصود منها إرباك المشهد، وإحداث خوف لدى المتظاهرين، واستجداء من رئيس الجمهورية وقتها المستشار عدلي منصور، إلا أن براءة الضحكة التي خرجن بها بنات 7 الصبح غيرت المشهد تمامًا، بل غيرت كثير من قناعات مؤيدي الانقلاب وقتها، لما أثارته من ردة فعل غاضبة ومتعاطفة، في الشارع المصري وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وقلبت السحر على الساحر.