لم ينفك التحالف الدولي عن قصفه للبنية التحتية لمدينة الموصل ومعالمها المميزة وتدميرها، بذريعة وجود عناصر داعشية فيها، أو معامل تفخيخ وصناعة العبوات والقنابل، أو مخازن أسلحة، أو أماكن حفظ أموال داعش.
إذ يتساءل أهالي الموصل وكل التعجب والشك والحزن يدور في خوالجهم، حتى وإن كان ما ذكر فيها، فلماذا المماطلة وعدم الجدية في تحرير مدينتنا، وتخليصنا من أعتى تنظيم إرهابي عرفته البشرية، وهو كل يوم يمارس جزاروه جرائمهم بحق المدنيين فيها.
أهكذا تعامل مدينة عاصمة للحضارة عمرها أكثر من خمسة آلاف سنة كالموصل؟ بقسوة لا نظير لها من تدمير وتخريب، وقتل للمدنيين، وجعلها ركام وأطلال تدمي القلب.
فمنذ سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش، ومع بداية القصف للمدينة منذ عامين وأكثر، لم يبق في المدينة أي بنية تحتية ذات أهمية تذكر، فأغلبها دمرت وأصبحت أثرًا بعد عين، بعدما كانت شامخة عامرة بالحياة والعطاء.
ومنها جامعة الموصل المتميزة، الصرح العلمي الرصين الأول في العراق، وأهم الجامعات ومراكز الأبحاث في الشرق الاوسط، منذ ما يزيد على النصف قرن، وكذلك كليات ومعاهد هيئة التعليم التقني العريقة، إذ كان لهم النصيب الأكبر من القصف المركز، وبقنابل وصواريخ شديدة الانفجار والتدمير، طالت الكثير من أبنيتهم وكلياتهم ومعالمهم، وأبرز ما استهدف مؤخرًا وبعدة صواريخ، تلك البناية الحديثة الإنشاء ذات الشكل المعماري الأنيق والجميل، أحد صروح ومعالم مدينة الموصل المعروفة وهي بناية “رئاسة جامعة الموصل”، فقد جُعلت ركام وخراب كأن لم يغن بالأمس.
فبعد سيطرة تنظيم الدولة “داعش” على مدينة الموصل واحتلالها، في مؤامرة مكشوفة من قبل عدة أطراف معروفة، وانسحاب الجيش والقوات الأمنية العراقية منها، بكافة تشكيلاتها التي تزيد عن خمسين ألف مقاتل، أمام بضعة مئات من مسلحين التنظيم تركت المدينة وأهلها لمصير مجهول مظلم.
عمد تنظيم الدولة إلى تدمير جامعة الموصل وباقي المؤسسات التعليمية، شيئًا فشيء، وذلك بتحويلها إلى ثكنة عسكرية لمسلحيه، الذين يتواجدون بأعداد كبيرة داخل الحرم الجامعي، كمضافات لهم ولذويهم، وجعل مختبراتها العلمية وورشها الفنية، كمصانع للعبوات والقنابل، وحول باحاتها والساحات إلى أماكن تجميع الغنائم التي صادرها من أصحابها بحجج واهية كثيرة، وكذلك جعل متنزهاتها وحدائقها مراعيًا للمواشي المسروقة.
ومن جرائمه التي لا يوصف جرمها بحق العلم والإنسان ومدينة الموصل، إقدامه على حرق وإتلاف الكثير من الكتب والمجلدات والدوريات والمجلات العلمية ورسائل الدكتوراة والماجستير والبحوث والمخططات العلمية وغيرها، في مكتبة جامعة الموصل الكبيرة ومكتبات الكليات بفروعها العلمية والأدبية والمكتبة المركزية في الموصل والمكتبات في الكليات التقنية ومكتبة المعهد التقني في الموصل ونينوى ومعهد الفنون الجميلة وغيرها بحجة مخالفتها للشرع.
فيما أعلن التنظيم في بيان له من قِبل ديوان التعليم الخاص به، إلغاء الكليات والأقسام غير الشرعية وهي: كليات الحقوق والعلوم السياسية والفنون الجميلة والآثار والتربية الرياضية وقسم الفلسفة وقسم إدارة المؤسسات السياحية والفندقية، وكذلك إلغاء عدد من المواد العلمية وهي الديمقراطية، والثقافة، والحريات والحقوق، والرواية والمسرحية لأقسام اللغة الإنجليزية والفرنسية والترجمة، وعدم وضع أسئلة خاصة بالفوائد الربوية أو مبادئ الوطنية أو العراقية أو الوقائع التاريخية المزيفة أو التقسيمات الجغرافية التي تخالف الشريعة الإسلامية.
وهدد الأساتذة والموظفين الممتنعين عن الالتحاق بالدوام بالقصاص، كما صادر أملاك ودور الأساتذة والموظفين الجامعيين الذين هربوا من الموصل بعد احتلالها من قِبله، خشية البطش بهم.
ووجه بفصل الذكور عن الإناث، كما حدد كليات خاصة بالذكور وأخرى بالإناث؛ مما أدى إلى عزوف الطلبة عن الدوام وتوقف الدراسة فيها وضياع مستقبل عشرات الآلاف من الطلبة الجامعيين وطلبة الدراسات العليا.
وكل هذا يحدث تحت أنظار المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمؤسسات الإعلامية الدولية والمحلية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني واليونيسكو وغيرها، ولم يفعلوا أي شيء لإنقاذ مدينة الموصل وأهلها من الموت البطيء تحت سيطرة تنظيم الدولة.
طبعًا مع عجز وصمت الحكومة العراقية حتى عن الإنكار وإدانة قصف التحالف الدولي للبنية التحتية، وسقوط مئات المدنيين الأبرياء جراء هذا القصف، كأن مصير المدينة وسكانها الذين يتجاوزون الثلاثة ملايين ونصف إنسان لا يعنيها، بل زادت معاناتهم من خلال قطع رواتب الموظفين داخلها.
وطال أيضًا قصف التحالف الدولي باقي مؤسسات التعليم كالكليات والمعاهد التقنية، وكلك جامعة نينوى والحمدانية وتلعفر، وخرجت عن الخدمة، فقد دمرت العملية التعليمية في مدينة الموصل خلال عامين فقط عن بكرة أبيها، إذ بعد ما جرى للمؤسسات العلمية من خراب ودمار، كم من الوقت والأموال والجهد، تحتاج العملية التعليمية ﻹعادة الحياة لها كما كانت في سابق عهدها.
جامعة الموصل هي إحدى أعرق الجامعات في العراق، تأسست عام 1967 وتضمّ العديد من الكليات ذات التخصصات المختلفة العلمية والأدبية والهندسية والطبية، وكلية الطب هي أقدم كلياتها، يلتحق بها سنويًا ما يزيد على الثلاثين ألف من الطلبة.
بينما تأسس المعهد التقني 1976 ويضم الأقسام الإدارية والطبية والتكنولوجية والزراعية، وافتتحت الكلية التقنية في الموصل عام 1993، في مدينة الموصل – ثاني أكبر مدينة عراقية – ، واحتلها التنظيم الإرهابي داعش في حزيران 2014 ولاتزال تحت سيطرته، وفي السابع من آب 2014 انطلقت أولى عمليات التحالف الدولي الذي شكل من عشرين دولة بقيادة أمريكا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا.