“فرنسا وعهد تجريم الملابس المحتشمة”، هذا ما تمّ وصف الحكومة الفرنسية به من قِبل الصحافة العالمية نتيجة منعها تواجد المرأة بملابس السباحة الإسلامية أو ما يُطلق عليه “المايوه الشرعي” على الشواطئ الفرنسية، لتبدأ فرنسا هي الأخرى عهدًا جديدًا من عهود تحديد الرجال لملابس المرأة، والذي كانت تتهم به المسلمين في الأصل من هضم حقوق المرأة وتحديد زي معين لها من قِبل الرجال.
أصبح الزي الإسلامي للمرأة على الشاطئ أحد المعالم التي تجذب السائحين لتصويرها، وهو ما أدى إلى انتهاء ثلاثة عوائل مسلمة بالتشاجر مع مجموعة من المراهقين الفرنسيين بسبب تصوير أحدهم لزوجته أثناء سباحتها بالزي الشرعي على أحد شواطئ قرية سيسكو الفرنسية السياحية.
منعت القرية في اليوم التالي الزي الإسلامي كليًا على شواطئ القرية، حيث كان حجة الإدارة أن هذا القرار يأتي في مصلحة العامة، وأنه تم وضعه لـ “حماية الأغلبية”، كما كان عذر فيلينيوف لوبيت، إقليم في منطقة الألب البحرية، في منع الزي الشرعي بأن السباحة بملابس كاملة لا يعد من النظافة الشخصية.
تكمن إشارة التعجب هنا في كيفية الاحتشام في الملابس بسبب الالتزام الديني أن يكون مصدر ذعر للعامة، فكيف يمكن أن يتحول زي شرعي للسباحة، في أن يكون أيقونة للذعر وعدم النظافة الشخصية، حتى يتم منعه بهذا الشكل غير المبرر، فكيف يمكن أن يؤذي التواضع في الملبس المنظر العام؟
تبعت مدينة كان جنوب فرنسا السياسة المُتبعة من المدينتين السابقتين تجاه الزي الإسلامي، فمنعت الزي الشرعي كليًا على الشواطئ، حيث علل عمدة مدينة كان ذلك في تصريح صحفي له بأن الزي الشرعي ما هو إلا مظهر من مظاهر التشدد الإسلامي، وقد يثير المشاكل في فرنسا، بعد اتخاذها هدفًا من تنظيم الدولة الإرهابي.
خصصت بلدية مدينة كان غرامة مالية على كل امرأة سترتدي الزي الشرعي للسباحة على شواطئ المدينة قدرها 38 يورو، حيث سيتم طلب الإدارة المسؤولة عن المسابح أو الشواطئ من المرأة أن تُبدل ملابسها الخاصة بالسباحة، أو سيتم إجبارها على الخروج من المسبح واختيار مسبح آخر أو شاطئ آخر.
لا تعد هذه المرة الأولى التي يتصادم فيها القانون الفرنسي مع الزي الإسلامي، ففي عام 2011 كانت فرنسا الدولة الأولى التي تمنع الغطاء الكامل لوجه المرأة المسلمة في الشوارع، كما منعت النقاب كذلك، بالإضافة إلى قرار منع ارتداء الحجاب “غطاء الرأس” في المدارس الفرنسية.
قام أحد النوادي البحرية في مدينة مارسيليلا بإلغاء اليوم المخصص للسيدات في المسابح، والذي كان يخصص للسيدات المسلمات، حيث يحق لهم النزول إلى المسبح بالزي الشرعي في هذا اليوم بالتحديد، وعللت بلدية مارسيليلا ذلك بأنه يجب منع أي لباس غير ملائم لمعايير العلمانية في فرنسا، وخصوصًا في المسابح، لأنه من الممكن أن يثير هذا اللباس قلق العامة في الشواطئ، خصوصًا بعد هجومات تنظيم الدولة الأخير على المناطق السياحية في فرنسا.
تناولت الصحف الفرنسية الأمر بموضوعية بحتة، فأشارت صحيفة لوموند الفرنسية بمدى قانونية ذلك المنع، فلا يوجد في القانون الفرنسي ما يمنع المرأة من تغطية جسدها كاملًا، بل هناك فقط ما يمنع المرأة من تغطية وجهها، وهذا يعني أن زي السباحة الشرعي قانوني بالنسبة للقانون الفرنسي، ولا يحق للسلطات منعه بتاتًا.
كما تناول التلفزيون الرسمي اتهامات لعمدة مدينة كان، بأنه لا علاقة لزي السباحة الشرعي بالتهديدات الإرهابية مطلقًا، كما اتهمه التلفزيون الفرنسي بتطبيق مبادئ لحرية المرأة تبدو مغلوطة، فلا يمكن للمرأة أن تخرج وتمارس حياتها طبقًا لما يراه هو ويقرره.
رد عمدة مدينة كان على الاتهامات السابقة بأنه لن يمنع أية رموز دينية أخرى، ولن يقوم بمنع الحجاب على المسلمات كذلك، إلا أنه سيمنع كل مظهر يتماشى مع التطرف الديني الذي ترفضه مبادئ العلمانية في فرنسا، وخصوصًا في الأماكن العامة، التي يجب على الكل احترام قواعدها طبقًا لظروف البلد الذي يعيشون فيه.
من المؤسف أن يجتمع الرجال من أجل حل مسألة ماذا يجب على المرأة أن تفعل بجسدها، وكيف يجب عليها أن تظهر للعامة، ولا يختصر الأمر على الرجال فحسب، فهناك من نشطاء النسوية الفرنسيات من يدعين أن الزي الشرعي للسباحة هو رمز للتطرف وعدم المساواة بين الرجل والمرأة، فلا يجب على المرأة في رأيهم تغطية كامل جسدها فقط لأنها تخشى نظرة دنيئة من الرجل.
من جهة أخرى إذا نظرنا لوضع الالتزام في العالم الغربي منذ أقل من 100 سنة ماضية، سنجد أنه كان في الغرب شرطة مخصوصة بالآداب العامة، فكانت تقيس طول زي السباحة للنساء في المسابح العامة في واشنطن في الولايات المتحدة، لمراعاة قواعد الالتزام والاحترام في المسابح.
لا يعترض العالم على خلع الأحذية والقبعات في صالات السفر بسبب إجراءات الأمن المشددة لقوات الشرطة الآن، ولكن يتم الاعتراض والتظاهر بشدة بسبب احتشام امرأة مسلمة كل ما تريده تغطية جسدها بالكامل، فلا يبدو من المعقول أبدًا ولا من الحرية أن تكون تغطية الجسد بزي سباحة شرعي، يهدد أمن مدينة بكاملها!