سمحت إيران لروسيا لأول مرة باستخدام إحدى قواعدها العسكرية لشن هجمات داخل سوريا، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ قيام ثورتها في آواخر السبعينات بالقرن الماضي.
ناهيك عن كون هذه الخطوة مخالفة للدستور الإيراني، الذي تم التصديق عليه بعد الثورة الإسلامية عام 1979، والذي يحظر استخدام أي دولة أجنبية لقاعدة عسكرية في البلاد.
حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إيرنا” عن علي شمخاني – أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني – قوله، أن طهران وموسكو قد يتبادلان “القدرات والإمكانيات” في قتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وأضاف “عن طريق التعاون البناء والمتطور بين إيران وروسيا وسوريا وحزب الله، أصبح الوضع صعبًا للغاية بالنسبة لمن وصفهم في حديثه بـ “الإرهابيين”، وسيستمر هذا الاتجاه حتى تدميرهم بشكل كامل”.
وبالتزامن مع ذلك أعلنت روسيا من جانبها، يوم الثلاثاء، أن قاذفاتها طويلة المدى المتمركزة في إيران قصفت للمرة الأولى عددًا من الأهداف في 3 محافظات سورية.
وذلك بعدما صرح فلاديمير كوموييدوف رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي والقائد السابق لأسطول البحر الأسود، أن العراق وإيران ستوفران ممرًا جويًا لتحليق الصواريخ المجنحة الروسية فوق أراضيهما.
وبالفعل وفقًا لبيان صادر من وزارة الدفاع الروسية أقلعت قاذفات تي. يو 22 إم 3 واس. يو 34 من قاعدة همدان الجوية في إيران وقصفت أهدافًا لتنظيم الدولة وجبهة فتح الشام “النصرة سابقًا” في مناطق حلب ودير الزور وإدلب ما نتج عنه بحسب البيان تدمير خمسة مخازن كبرى للأسلحة، إلى جانب معسكرات تدريب في دير الزور وسراقب في ريف إدلب والباب.
الأهمية الاستراتيجية لهذا الممر بالنسبة لروسيا
استخدام الأراضي الإيرانية كقاعدة انطلاق يعطي روسيا تقدمًا تكتيكيًا بحسب خبراء عسكريين لأن مقاتلاتها الثقيلة يمكنها نقل قذائف أكثر بكثير إذا كان وقت طيرانها أقل، وهو ما يعني أن هذه الاستراتيجية ستنطوي على إلقاء عدد هائل من القنابل على المدن الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
كما أن نشر مقاتلات “توبوليف” و”سوخوي 34″ في همدان يزيد من فعالية الغارات الروسية على سوريا 3 مرات على الأقل، كما يمكن روسيا من فتح جبهة في العراق إذا ما اتفقت على ذلك مع الحكومة العراقية.
علمًا بأن القاذفات الاستراتيجية الروسية تقلع حاليًا من مطار موزدوك في أوسيتيا الشمالية (جنوب روسيا) وتقطع نحو 3 آلاف كلم للوصول إلى أهدافها السورية بينما لا تزيد المسافة من همدان على 700 كلم، وهذا يوفر بالنسبة إلى مقاتلات “سوخوي” إمكانية القيام بضربات من دون الحاجة للتزود بالوقود جوًا كما جرت العادة.
كما لفت عضو مجلس الشيوخ الروسي فيكتور أوزيروف إلى أن استخدام القاعدة الجوية الإيرانية يقلص كثيرًا المخاطر المحدقة بالطائرات الروسية في حال حصول المعارضة السورية على أسلحة متطورة مضادة للطائرات.
وأحد الأهداف الروسية الاستراتيجية أيضًا تعزيز الانتشار العسكري الروسي على طول خط المواجهة مع الغرب من قاعدة سيفاستوبول في القرم مرورًا بالأراضي البيلاروسية حيث تملك روسيا انتشارًا عسكريًا واسعًا، ثم القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا وصولًا إلى إيران وسوريا، حيث باتت موسكو تمتلك قاعدتين واحدة جوية في حميميم، والأخرى بحرية في طرطوس.
وكانت المقاتلات الروسية تستخدم قواعد عسكرية موجودة داخل الأراضي السورية لشن غاراتها مثل قاعدتي “حميميم” وقاعدة أخرى في حمص.
ويذكر أيضًا أن الطائرات الروسية بدأت في شن غاراتها الجوية في سوريا في نهاية سبتمبر من العام 2015، انطلاقًا من قواعد سورية.
لذا يتجه البعض لتفسير هذا الإعلان الروسي الإيراني بأنه “إعلامي” أكثر منه عسكري لأن روسيا تسيطر على كافة القواعد العسكرية الهامة في الداخل السوري الأقرب بالطبع من القواعد الإيرانية الخارجية.
إلا أن ثمة رد على هذا الطرح يفترض خوف روسي على استهداف القاذفات الثقيلة المؤثرة من خلال المعارضة أثناء وجودها في القواعد السورية سيئة التأمين، والتي قد تفقد بين عشية وضحاها، كما حدث في معارك حلب الأخيرة، لذا تفضل القيادة الروسية تأمين آلتها العسكرية الهامة في إيران بعيدًا عن الحرب الدائرة في سوريا.
ورغم أن الرئيس الروسي أعلن سحب الأجزاء الرئيسية من قواته في سوريا في مارس الماضي، إلا أن القوات الروسية واصلت عملياتها خاصة في محافظة حلب التي تشهد معارك شرسة بين الجيش السوري والميليشيات الموالية له من جهة ومقاتلي المعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى.
سقوط أسطورة التحرر الإيراني من التبعية
يبدو من كل ما سرد حول الأهداف الاستراتيجية الروسية من التواجد العسكري على الأراضي الإيرانية أن الأمر متخطٍ لمسألة التعاون العسكري الإيراني الروسي في سوريا، بل تعدى لجعل إيران ممر عسكري روسي مواجه للغرب شأنها في ذلك شأن سوريا والقواعد الروسية الأخرى.
ويتضح من التصريحات الإيرانية الرسمية أنها تحاول تبرير الأمر وحصره فيما تسميه “التعاون لمحاربة الإرهاب”، والحديث عن تبادل القدرات بين موسكو وطهران، في حين أن موسكو لا تخفي أهدافها الأخرى من هذا التواجد.
والدليل على أن التواجد العسكري الروسي تخطى أمر سوريا، أن هذه أول مرة منذ التدخل العسكري الروسي تسمح إيران بهذا الحد من التدخل، فأقصى ما حدث من تعاون بأنها سمحت العام الماضي لصواريخ كروز روسية انطلقت من بحر قزوين بعبور الأجواء الإيرانية لقصف أهداف في الأراضي السورية.