ترجمة وتحرير نون بوست
سوريا على وشك أن تدخل عامها الثالث من النزاع الوحشي الذي تسبب في مقتل أكثر من ١٠٠ ألف سوري وتهجير ملايين آخرين. ما كانت بالأصل ثورة سلمية تحولت إلى الحرب الأهلية الأكثر دموية في العالم، التي وقودها التدخلات الأجنبية من كل النواحي.
النزاع السوري يمثل أول حرب أهلية معقدة في العصر الحديث، في الحقيقة، دراسة الحروب الأهلية هو أغنى بحث يمكن دراسته في فروع العلوم السياسية. لكن ما الذي يقوله تراث العلوم السياسية في الحرب المتزايدة في سوريا؟
لنكتشف ذلك دعوت عددا من كبار أساتذة العلوم السياسية والمتخصصين في الشرق الأوسط في ورشة عمل على أن يكتبوا رؤيتهم للوضع السوري وتطبيقات أبحاثهم في العلوم السياسية على الحالة السورية.
توقعت أن يكون بعضهم فقط مستعدا للعمل على تلك الورقة، لكن بدلا من ذلك وجدتهم جميعا قد قبلوا الدعوة. جميع تلك الأوراق من الممكن قراءتها هنا
الأكثر إثارة للاهتمام في تلك الأوراق هو ما رآه المشاركون من الأسباب التي تجعل الحالة السورية عصية على الحل، وكيف أن السياسات الدولية ساهمت في إذكاء الصراع.
يحذر العقل الجمعي فورا من اكتشافات العلوم السياسية مثل أن “٦٨٪ من الحلول التفاوضية تفشل” أو أن “الدعم الخارجي للمتمردين عادة ما يطيل الصراعات ويجعلها أكثر دموية”. هذه النتائج الإحصائية دوما ما تُطبق على الحالات القابلة للمقارنة، إلا أن الحالة السورية تحديدا أثبتت أنها فريدة من نوعها.
حالات قليلة للغاية ظهر فيها بعض التشابه مع التركيبة السورية، من نظام متماسك نسبيا مع دعم خارجي قوي يسيطر على المقدرات الأساسية للبلد، بينما يحارب الجهاديون ومقاتلون محليون وأجانب من أجل السيطرة على البقية. أقرب المقارنات لتلك الحالة هي أفغانستان في الثمانينيات وجمهورية الكونغو في العقد الماضي، وجميعها تطرح آفاقا كئيبة للغاية لعقد سوريا القادم.
في الوقت نفسه، هناك العديد من الخصائص التي لا تميز الحالة السورية رغم أنها قد تبدو كذلك، فمثلا انقسام المعارضة والمعارك الداخلية بينها تكاد تكون مكررة طبق الأصل. وكذلك الآثار الضارة للدعم الخارجي غير المنسق للفصائل المتمردة. استهداف المدنيين لأسباب تكتيكية وتسييس المساعدات الإنسانية هو أمر معتاد كذلك. ليس هناك شيء غريب في ظهور أمراء الحرب المحليين وتصاعد التطرف، هذا كله ليس غريبا، لكن حظ سوريا التعيس أنها ورثت كل ذلك، ولا يجب أن ننسى أنه مقارنة بالصراعات الشبيهة، ثلاث سنوات في سوريا تخبرنا أن الصراع ما زال في بدايته.
حتى العنف الشديد ضد المدنيين، والنزوح الذي تم على مستويات هائلة هو مجرد تكرار لما حدث في نماذج شبيهة. استخدام النظام السوري للقوة هو أمر بربري ووحشي لأنه لا يستهدف فقط إلحاق هزيمة عسكرية بالمسلحين، لكن أيضا لمنع جهود المعارضة لبناء بديل شرعي للنظام.
وكما أشار زميلي زكريا مامبيلي، فالمتمردين لديهم حافز سياسي قوي لإبداء قدرتهم على توفير الخدمات والاستقرار في المناطق التي يسيطرون عليها، والنظام لديه سبب قوي لتقويض تلك الجهود من خلال الإطلاق العشوائي للصواريخ ومنع المساعدات الإنسانية وكل ما يبدو غير عقلاني.
وكذلك، فإن طبيعة المتمردين وكونهم منقسمين يعني أنه ليس من المستغرب أن نجد أن الجماعات المسلحة تقاتل بعضها البعض في أحيان كثيرة. المجموعات المسلحة تريد بالفعل إسقاط نظام الأسد، لكنهم كذلك يخشون من أن يحصد المقاتلون الآخرون ثمار هذا النصر.
فوتيني كريستيا من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وثقت حالات مشابهة من صراع المجموعات التي تفتقد للشرعية وللمؤسسات الفاعلة وكيف عانت من العنف في البوسنة وأفغانستان مثلما يحدث تماما في سوريا.
أساتذة آخرون اقترحوا مجموعة واسعة من المسارات المختلفة التي قد يسلكها الصراع السوري في التأثير على حياة المدنيين وفي النتيجة النهائية للحرب على حد سواء.
يقول جيمس فيرون من جامعة ستانفورد أنه حتى لو استمرت الحرب، التأثير السلبي على المدنيين قد يقل مع الوقت لأن خطوط المعركة تصبح أكثر وضوحا.
جوناه شالهوفر وول من جامعة فيرجينيا قال إن فصائل الثوار هم الأكثر عرضة للانخراط في العنف (الداخلي) عندما يشعرون بالأمان من ناحية النظام، لذلك فإن تراجع فرصهم في المعركة قد توفر فرصة لهدنة غير مرغوب فيها من العدوين اللدودين.
يمكن للعنف كذلك أن يختفي مع استقرار علاقات القوة المحلية إلى أنماط أكثر قابلية للتنبؤ والاستقراء، يقول ستاثيس كالفيس من جامعة ييل بالإضافة إلى أساتذة آخرين بأن الكثير من العنف يُفهم عادة كجزء من سردية المنتصر، ومع استقرار الأوضاع فإن الحديث المتزايد عن العنف قد يختفي لأن العنف محلي للغاية وتحركه مجموعة كبيرة ومختلفة من الدوافع، التي ستتغير مع استقرار علاقات القوة.
الانقسام والاقتتال داخل المعارضة السورية، هو شكل نموذجي من نوع معين من الحرب الأهلية، ذلك النوع الأقل قابلية للحلول الدبلوماسية، والأكثر قابلية للتدخلات الأجنبية غير البناءة، والذي نادرا ما ينتج عنه استقرار ما بعد الحرب.
هذا التشرذم تشكل في وقت مبكر من الانفاضة السورية، فقد اندلعت الثورة بشكل محلي للغاية، بقيادة مركزية ضعيفة للغاية، وكما يقول بول ستانيلاند من جامعة شيكاغو، فإن ضعف التماسك من البداية لا يمكن تقويته لاحقا.
الآثار الضارة للتمويل غير المنسق والأسلحة التي تدخل من قطر وتركيا والسعودية هي تحديدا ما تتحدث عنه أدبيات العلوم السياسية. هذا التمويل يجعل الثوار قادرين على التصدي للنظام، لكنه كذلك يجعلهم معتمدين على الدول الخارجية ذات الأجندات المختلفة، هذا الدعم والتمويل يمثل السبب الأول إن لم يكن الوحيد في الفرقة بين صفوف المعارضة السورية.
بغض النظر عن التدخل العسكري المباشر من الولايات المتحدة أو أي من القوى العسكرية المهيمنة الأخرى، والتي يراها الجميع غير محتملة، تشير الأدبيات إلى أن تسليح المعارضة المسلحة المقسمة لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب وجعلها أكثر دموية وأقل احتمالا لإيجاد حلول، تماما مثل كل محاولات تسليح المعارضة المسلحة المنقسمة على نفسها في الحالات الأخرى.
لذلك فإن معظم المشاركين في ورشة العمل متشائمون للغاية من احتمال إنهاء الحرب الأهلية في سوريا في أي وقت قريب. لدى سوريا العديد من العوامل السيئة: معارضة منقسمة للغاية، كثير من المفسدين على الأرض، الجهات الفاعلة من القوى الدولية لا تتدخل بما فيه الكفاية لوضع حد حاسم للحرب، لكن فقط للحفاظ على الصراع المحتدم ومع قناعة المعارضة أن الديكتاتور سوف يتراجع عن أي التزامات بمجرد أن يزول تهديد بقائه على قيد الحياة تبدو احتمالات التوصل إلى تسوية تفاوضية ناجحة في سوريا قريبة من الصفر
ومع كل تلك الاستنتاجات بأن الحرب في سوريا ستستمر لفترة طويلة، إلا أن هناك مخالفون لهذا التوقع، لايا بالكيلز وكالفيس يريان أن الأزمة في سوريا تبدو كحرب تقليدية من جهة غير نظامية، كما يظهر في بياناتها نفس بيانات الحروب الأهلية التقليدية، من “معارك ضارية، وخطوط أمامية واضحة، والقتال في المناطق المدنية”، نعم، إنها حرب أكثر حدة، لكن سوريا “ربما تشبه ليبيا، وبالتالي هناك فرصة لائقة لإنهاء الأمر بسرعة، وربما هزيمة النظام أيضا”
لكن ما الذي سيحدث بعد الحرب؟ للأسف وجد المساهمون أسبابا وجيهة للاعتقاد بأن سوريا ما بعد الحرب لن تتعافى قريبا. ليس فقط من الموت والتشريد، لكن أيضا استعادة اقتصاد طبيعي أو عودة اللاجئين. الحروب الأهلية التي طال أمدها ترسخ الأسواق السوداء وأمراء الحرب المحليين. الذين يعتمدون على استمرار الصراع على السلطة.
أيضا من جهة أخرى، كيف يمكن لأحد أن يتوقع أن تعود المجتمعات التي عانت من وحشية نظام الأسد أن تعود إلى سابق عهدها تحت حكم الأسد أو نظامه؟ ما النتائج النفسية والاجتماعية طويلة المدى للحرب الوحشية التي ستُحفظ للأجيال القادمة على يوتيوب.
المصدر: فورين بوليسي