هل مررت بتجربة قاسية؟ واحدة من تلك التجارب التي تزلزل كيان الإنسان، وتملأه بالحزن، وتشعره بالعجز، وتفقده لذة الحياة، وتسلمه فريسة سهلة للاكتئاب والألم، ابتلاء شديد كإصابتك أو أقرب الناس إليك بمرض عضال، كتجربة فقد عزيز بوفاة، أو انفصال عن شريك حياة، أو خسارة صديق العمر، أو فقد وظيفة أو ثروة، للتجارب المؤلمة أشكال عديدة، ولا مفر من المرور بها، ولا أحد مُحصن ضدها هي قدرنا جميعًا، حتى الأنبياء والرسل نالوا نصيبهم منها.
وأيًا كانت تجاربك، وأيًا كان حجم الألم فيها، فلست وحدك! مر بها غيرك من قبل، وسيمر بها آخرون بعدك، لن تكون آخر مبتلٍ، ولا الأكثر بؤسًا، ولا أقصد بذلك أن أهون من تجربتك، فكل هذه الحقائق لا تقلل من ألمها شيئًا، فكلنا نعرف أنه لا يؤلم الإنسان شيئًا كأوجاعه.
التجارب القاسية هي أدوات تعليم وتهذيب للنفس وترقيق للقلب، بها تتفجر في الإنسان ينابيع قوة، ربما لم يكن ليعرف عنها شيئًا، وعلى قدر اجتهاده لفهم الدرس والرسالة،على قدر استفادته.
قد ننسى في خضم الألم حقيقة أن هذه التجربة – مهما كانت قاسية – هي قدر الله، فنطيل النظر في تفاصيل الألم ويفوتنا فهم الدرس وقراءة الرسالة، ويطول العذاب، ونخلق لأنفسنا – بأيدينا – حلقة جهنمية من الألم لا تنتهي.
لا أحد يطلب منك أن تطرب للمصائب لتكون إنسانًا مؤمنًا أو قويًا، أو كلاهما، تألم، فهذا حقك، لكن لا تترك للألم زمام حياتك يقودها إلى مزيد من الخسائر، اسأل ماذا يريد الله أن يعلمني؟ ماذا تعلمت من التجربة؟ كيف أستخدم ما تعلمته؟
مع ضربة الألم الأولى تهتز النفس وتدمى الروح، نصبح أكثر هشاشة، وأكثر ارتباكًا، وقد لا ترى عيوننا الطريق وقد غام في عيوننا الدامعة.
تنهال الأسئلة على رؤوسنا: لماذا أنا؟ ماذا فعلت لأستحق ذلك؟ لم أخطئ؟ فعلت كل ما بوسعي؟ أهذا جزائي؟ وغيرها كثيرًا، تختلف الكلمات والمعنى واحد: أنا لا أستحق هذا الألم!
أسئلة وعبارات تصب مزيدًا من وقود الشعور بالمظلومية والسخط الصريح أو المُقنع على نار الألم فتزيده اشتعالًا.
نغفل عن أن نسأل الأسئلة الصحيحة، وربما أفقنا بعد زوال الصدمة الأولى وانتبهنا لذلك، وربما أرشدنا أحباؤنا إلى ضرورة أن نتخطى تلك الأسئلة غير المجدية، وربما ظللنا عالقين مع الأسئلة الخطأ إلى الأبد!
أسئلة يمليها الألم، فنتوه معها وفيها، والغريب أن الأسئلة الصحيحة تشبهها كثيرًا لكن التعاطي معها مختلف تمامًا.
“لماذا يحدث لي ذلك؟” نطرحه كسؤال استنكاري ولسان حالنا يقول ضمنيًا: “لا أستحق أن يحدث لي ذلك”.
والصحيح أن نسأل نفس السؤال لكن بإخلاص وتجرد وبحثًا عن إجابة، لماذا حدث ما حدث؟ هل هي أول مرة؟ هل تكرر الموقف المؤذي؟ تكرار المواقف لا يعني أبدًا أن العالم يتآمر علينا، أو أن كل الناس أشرار يتربصون بنا، يعني أن هناك خللًا ما فينا يحتاج مراجعة، من الصعب أن نعترف بذلك، لكن لا تفسير منطقي آخر!
السؤال بإخلاص وتجرد، تتبعه الإجابة الصحيحة الصريحة، بعد مراجعة لكل المواقف المشابهة السابقة، ربما حان وقت أن تعيد حساباتك مع الدنيا؟ أن تعيد تقييم علاقتك مع نفسك؟ أن تتعلم شيئًا أهملته؟ ربما عليك إعادة ترتيب قائمة اهتماماتك؟
ربما يزداد الموقف سوءًا وتعقيدًا وتصاعدًا، لتكون التجربة أكثر تأثيرًا، لا تنسى، هل فهمت الدرس؟ أم ستنكص ولا تتعلم شيئًا؟!
قسوة الدرس قد تكون السبيل الوحيد لاستيعابه، وفظاظة التعامل وقبحه، ربما ضرورة، كي لا تكون هناك فرصة للمزيد من خداع النفس وتجاهل الدرس!
بعض التجارب صعبة فعلًا وقد تمتد معنا بامتداد أعمارنا، لكن دائمًا لنا الاختيار، أن نراها بلاءً ونجزع منها ونهرب من حكمتها إلى الأسئلة العدمية التي تزيد الطين بلة، أو نراها اصطفاءً، أليست على قدر أهل العزم تأتي العظائم كما يقولون، ألا يختبر الحبيب من يحب؟ أنجزع من ابتلاء يجعلنا أقرب من الله وفي معيته؟ أنضيق بأن هناك ما يشغلنا عن أمور الدنيا التافهة فلم تلوثنا كما لوثت غيرنا؟ أنمل أنه اختارنا لنكون في حديث متصل معه وحده، لا يفتر، وإن كانت مفرداته الألم والأحزان، لكن فيه القرب منه سبحانه وتعالى.
وحدها الدروس القاسية تُعلمنا، ووحدها الأسئلة الصحيحة تفك طلاسم الرسالة، فتسطر في أرواحنا وقلوبنا الحكمة المستخلصة من الألم فلا تُنسى، تمنحنا فرصة أن نتغير للأفضل.
اجتهد في السؤال، فالسؤال هو مفتاح الحكمة، ولا تجزع من قسوة التجربة، وثق أن سلامة النية وطهارة القلب ستعود بك من كل تيهٍ مهما بعُدت أو ضللت الطريق.