في غزة، اعتاد الناس على أن تشاركهم جدران المدينة أفراحهم وأحزانهم بكل تفاصيلها، في كل شارع هناك ستخبرك الجدران عن بيت الشهيد أو العريس الجديد أو العائد حديثاً من الحج، هكذا روّضوا الجدران على أن تشاركهم حياتهم بتفاصيلها حيث لا تمر أي مناسبة دون أن يخلدوها مؤقتاً ثم تأتي أخرى لتعيد تشكيل الجدار.
ليست فقط المناسبات، بل حتى الشعارات الثورية والوطنية، وتمجيد الشخصيات وفصائل المقاومة والحركات السياسيّة، حتى الاعلان عن مناسبة وطنية قادمة كدعاية لها مع اقتراب الموعد خاصة ذكرى المعارك او استشهاد القادة أو المناسبات الثوريّة، ومن تلك العبارات المنتشرة في غزة:” كتائب القسام..فخر الأمة..صناع المجد”، “حركة الأحرار.. تضحية، صمود، انتصار”، وجدارية أخرى ذات خلفية سوداء يتوسطها باللون الأبيض كلمة “الانقسام”، بحجم كبير، ويحيط بها عشرات الدوائر الصغيرة المكتوب بداخلها، ومن بعضها “بطالة”، “فقر” “مشاكل اجتماعية”، “أزمة كهرباء”.
الإفراج عن الأسرى ، الاعلانات التجارية، بيع العقارات، التهنئة بالحج والعمرة، الخطبة والزواج والمولود الجديد، النجاح في الدراسة والعودة من السفر وشهر رمضان ، الانقسام والبطالة والحصار وغيرها من المشاكل الداخلية، كل ذلك بامكانك تلمسه في جدران قطاع غزة التي تنطق عن سكانها الذين يقولون كما لو أنهم ملّوا التعبير بألسنتهم فلجؤوا إلى الجدران.
ولكل جدار في غزة، قصة وذاكرة تختزن العشرات من المناسبات التي شهدتها، ولا تذكرها سوى الأحجار المكونة لذلك للحائط العام، وربما من كتب عليه، إذا لم تتم إزالتها تزامنًا مع حدث جديد، يحتاج التوثيق.
ولا أحد يعلم كم هو العمر الزمني لتلك الرسائل والرسومات الجدارية، فقد تكون أيامًا أو أسابيع وربما أشهراً وسنوات، فالمناسبات اللاحقة كفيلة بمحو تلك الذاكرة المؤقتة للجدارن أولا بأول، ولجمهورها من عامة الناس.
الكتابة على الجدران كانت السلاح الأقوى والأول لدى الفلسطينين في الانتفاضة الأولى من عام 1987 (انتفاضة الحجارة)، حيث كان أسلوب الكتابة يحمل رسائل قوية للاحتلال الإسرائيلي ومن خلاله تتم ايصال الرسائل والدعوات للناس، وعلى اثر ذلك تم اعتقال واغتيال العديد من الفنانين منهم ناجي العلي والمشهور بـ حنظلة.
اليوم، تطوّرت أساليب الرسم والكتابة على الجدران لتأخذ الشكل العالميّ لرسم الشوارع المعرف بـ “الجرافيتي” والذي يعتبر الوسيلة المفضلة لرسّامي الشوارع للتعبير عن هموهم ومشاكل المجتمع الذي يعيشون فيه.
و”الجرافيتي” هي وسيلة للرسم و نوع من أنواع الفن الذي يعتمد على علي التغير في شكل الحروف والرسم و تداخلها مع بعضها لتعطي منظر جماليا للكلمة، وتوصل رسالة معيّنة للقارئ بمزيج من الكلمات والألوان والرسوم.
غزة التي تعبق جدرانها بعبارات الجرافيتي هذه الأيام للتعبير عن الموهبة وإيصال الرسائل يقول عنها رسام الجرافيتي محمد العصار:” نستخدم الجدران العامة في ممارسة هوايتنا في الرسم الجرافيتي، وتوجيه رسائل سياسية للمسؤولين لتعبير عن مطالبنا ومشاكلنا”، ويضيف:”ويواجه الفنان الجرافيتي مشكلة في مساحة الحرية المتاحة له، ويفتقر إلى وجود المؤسسات التي تعني بهذا النوع من الفن”.