المصير المجهول لثروات تونس المنهوبة
ما فتئ الشعب التونسي، خاصة بعد 14 يناير 2011، يطالب بفرض الشفافية في قطاع الطاقة والمناجم والكشف عن حقيقة ثرواته الباطنية (بترول، ملح، فوسفات)، وتأكيد رفض ارتهانه للشركات الأجنبية.
فرنسا تنهب ملح تونس وعائداته
يعتبر “الملح”، من الثروات الطبيعية التي يطالب التونسيون بكشف حقيقة استغلالها واستحواذ فرنسا على عائداتها منذ أكثر من ستين سنة.
ويتراوح إنتاج الملح في تونس بين 1.5 مليون ومليوني طن سنويًا، ويتم تخصيص 100 ألف طن منها للاستهلاك المحلي وتصدير بقية الإنتاج إلى الخارج وخاصة نحو النرويج والدنمارك وأيرلندا، وتستحوذ الشركة الفرنسية “كوتوسال” على ثلثي الإنتاج.
تقضي المادة 11 من الاتفاق المبرم بين الطرفين باستغلال الشركة لسباخ تونس مقابل فرنك واحد للهكتار
وتأسست الشركة العامة للملاحات “كوتوسال” بمقتضى اتفاقية صادرة بـ “أمر علي” (صادرة عن الباي) في 3 أكتوبر 1949، بغرض استخراج الملح البحري من الأراضي الدولية في الجنوب التونسي لمدة 50 سنة، (ينتهي العقد سنة 1989)، إلا أنه تمت مواصلة العمل بالاتفاقية على الرغم من عدم قانونيتها.
مطالبة بمراجعة اتفاقية الملح
وتقضي المادة 11 من الاتفاق المبرم بين الطرفين إلى استغلال الشركة لسباخ تونس مقابل فرنك واحد للهكتار (تبلغ قيمة الأجرة عالميًا للهكتار الواحد 14-15 دولارًا)، ورغم ارتفاع ثمن الهكتار مع مرور السنين، إلا أن الاتفاقية ما زالت جارية دون أي مراجعة.
وبحسب وزارة الصناعة التونسية، فإن هذه الشركة هي الوحيدة التي لا تخضع لـ “مجلة المناجم” (قانون ينظم عملية استغلال الثروات الطبيعية في تونس)، بحكم أن عملية الاستغلال للأرض بدأت قبل الاستقلال التونسي سنة 1956، وبهذا أصبحت غير ملزمة بقوانين استغلال الثروات المتبعة مثل بقية الشركات.
ويؤكد العديد من الخبراء تكبد الدولة التونسية لخسائر كبيرة في مستوى تأجير السباخ لصالح هذه الشركة، تفوق 1.97 مليار دولار سنويًا.
يرى خبراء أن إنتاج الملح في تونس بقي من الملفات الهامة المسكوت عنها
ويقول نشطاء في المجتمع المدني في تونس إن الدولة غير قادرة على تأميم ثروة الملح، بسبب وثيقة الحماية الفرنسية (وثيقة مبرمة بين تونس وفرنسا زمن الاستعمار تلزم تونس حتى اليوم، بعدم تأميم ثروة الملح في البلاد)، على حد قولهم.
ويرى خبراء أن إنتاج الملح في تونس بقي من الملفات الهامة المسكوت عنها، معتبرين أنّ فرنسا حافظت إلى اليوم على مصالحها الاقتصادية ووضعت يدها على ما تعتبره إرثًا لحقبة “الانتداب”.
ورغم أن الاتفاقيّة قد خضعت للتعديل في ثلاث مناسبات كان آخرها 15 يونيو 1975، إلا أن التعديلات اقتصرت على مراجعة مساحة سطح امتياز الاستغلال، مرتين لمزيد من التوسع ومرة لتقليصه دون أن تشمل مسألة العائدات الماليّة ونصيب الدولة فيها.
أين بترول تونس؟
إلى جانب الملح، نجد البترول الذي يعتبر ملفًا حساسًا في تونس، فقد شهدت صائفة السنة الماضية حملة شعبية تحت شعار “وينو البترول” (أين البترول)، أعلن فيها أصحاب الحملة عن تشكيكهم في الأرقام التي قدمتها الحكومة حول إنتاج البترول، مؤكدين وجود نهب لبترول بلادهم، مطالبين الحكومة بنشر العقود التي تربط تونس بالشركات الدولية التي تستغل آبار النفط التونسية.
يؤكد العديد من الأهالي في تونس، أن بعض الشركات البترولية لا تضع عدادات لقياس إنتاجها
ورغم إعلان وزير الطاقة والمناجم نشر الوثائق التعاقدية لكافة السندات سارية المفعول في مجال المحروقات (العقود البترولية) وعددها 82 عقدًا موزعة على 29 رخصة و53 امتياز استغلال، فإن العديد من التونسيين مازالوا يشككون في الأرقام التي تقدمها الحكومة في هذا المجال، ويؤكدون تواطؤ الدولة مع الشركات العاملة في هذا المجال.
ويؤكد العديد من الأهالي في تونس، أن بعض الشركات البترولية لا تضع عدادات لقياس إنتاجها حتى لا تترك وراءها أثرًا لعمليات السرقة الممنهجة التي تعتمدها، وتحيط بمقرات هذه الشركات حراسة أمنية مشددة يصعب الوصول من خلالها إليها.
ويقدر حجم إنتاج المحروقات في تونس، حسب الإدارة العامة للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، 47 ألف برميل نفط في اليوم و6.7 مليون متر مكعب من الغاز.
وأشارت العديد من الدراسات غير الرسمية إلى شبهات فساد في ملف المحروقات في تونس ونهب الشركات البترولية الأجنبية لمدخرات البلاد في هذا المجال.
تحركات احتجاجية للمطالبة بالشفافية في ملف البترول
وينص الفصل 13 من الدستور التونسي على أن الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، بحيث تمارس الدولة السيادة عليها باسمه، كما تُعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب، وتُعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة.
ورغم بعض المحاولات الإعلامية وتحركات المجتمع المدني إلا أن المسؤولين المتعاقبين على تونس، لايزالون ماضين في اتباع نفس السياسة وخصوصًا فيما يتعلق بالمسألة الطاقية والثروات الطبيعية في بلادهم.