أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان قصف طيران النظام السوري، أمس الخميس، وللمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، مناطق تحت سيطرة الأكراد في الشمال السوري، مستهدفًا 6 مواقع في مدينة الحسكة.
وأفاد المرصد بأن “طائرات النظام استهدفت 6 مواقع على الأقل للقوات الكردية في مدينة الحسكة” في شمال شرق سوريا، تتوزع بين 3 حواجز و3 مقار لوحدات حماية الشعب الكردية وقوات الأمن التابعة لها “الأسايش”، كما جددت الطائرات السورية -وفق المرصد- قصفها في المساء لمواقع كردية أخرى في المدينة.
ردت القوات الكردية بحصار مقرين للقوات النظامية في محافظة الحسكة على خلفية المواجهات التي جرت في المدينة أمس الخميس. وقال مصدر أمني سوري في محافظة الحسكة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن “المقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب والأسايش يحاصرون نقطتين للقوات الحكومية السورية، الأولى عند معسكر الصاعقة غرب مدينة الحسكة والثانية في أعلى سلسلة جبال السراق بالجزء الشرقي من جبل عبد العزيز ويوجد ضمن النقطتين ما يقارب 50 عنصرًا من القوات الحكومية”.
وأكد أيضًأ أن “حصار الأسايش للقوات الحكومية السورية يأتي على خلفية التوتر في مدينة الحسكة والذي ازدادت حدته ظهر أمس الخميس بعد تدخل الطيران الحربي التابع للقوات الحكومية وقصفه لعدد من مواقع المسلحين الأكراد وسط المدينة”.
حيث استهدف الطيران الحربي النظامي مواقع الشرطة الكردية “الأسايش” في حي المشيرفة وفي مدرسة السياحة في النشوة الغربية ومديرية الكهرباء بالنشوة الشرقية ودوار الصباغ في مدخل المدينة الشمالي.
من جانبها، قالت وحدات حماية الشعب الكردية السورية في بيان إنها “لن تصمت” على هجمات الحكومة السورية بما في ذلك ضربات جوية في الحسكة وصفتها بأنها اعتداء سافر. وقالت الوحدات في البيان “نحن في وحدات حماية الشعب لن نصمت على تلك الهجمات الهمجية السافرة ضد شعبنا وسنقف بحزم لحمايته. كل يد ملطخة بدماء شعبنا ستحاسب على ذلك بكل الوسائل المتاحة والممكنة”.
وقد عُدّ ذلك أول استخدام لطائرات النظام ضد المناطق التي يسيطر عليها الأكراد من مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا. ولم يصدر تعليق من الجيش السوري النظامي.
هل تقف روسيا خلف ضربات النظام السوري للأكراد؟
من المعلوم لدى العديد من المراقبين للأوضاع في سوريا أن النفوذ الروسي هو الذي يحدد هذه المتغيرات الاستراتيجية في المعارك بداية من تحديد أولويات ضرب المعارضة السورية المسلحة، نهاية باتخاذ تحول استراتيجي كهذا باستهداف الأكراد جوًا.
مصادر عدة أشارت إلى أن هذا التحول هو محض نتائج زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا مؤخرًا، حيث تحدثت مصادر كردية عقب هذه الزيارة عن مخاوفها من انعكاس سلبي محتمل على الملف الكردي السوري بعيد الزيارة.
كما اعتبرت المليشيات الكردية في الشمال السوري أن اللجنة الثلاثية المشتركة الروسية التركية حول سوريا، التي تم الإعلان عنها، والتي ستضم ممثلين عن المخابرات وعسكريين ودبلوماسيين من كلا الجانبين، من شأنها أن تنعكس سلبًا على الأكراد في سوريا.
واعتبر البعض أن روسيا كانت تستغل الورقة الكردية للتشويش فقط على تركيا، وما أن عادت العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، فإن روسيا لن تضحي بسوريا الموحدة جغرافيًا، لأجل كيان كردي يخطط له في الشمال السوري.
في حين تعكس هذه الرؤية وجود تفاهمات قوية بين روسيا وتركيا فيما يتعلق بالملف الكردي في الشمال السوري تحديدًا، بعدما أرادت تركيا نزع تعهدات بحصار القوات الكردية بعيدًا عن المناطق العربية بعد تحرير منبج تحديدًا، ولا يستبعد أن تكون الهجمات الأخيرة النظامية على الأكراد أحد نتائج هذه التفاهمات، كبداية لتحجيم دور الأكراد في الشمال السوري، وهو ما يهم تركيا على المستوى الاستراتيجي حاليًا، ولكنه بطبيعة الحال يستتبع تنازلات أخرى في الملف السوري لصالح روسيا.
الموقف الأمريكي من قصف الأكراد
يتمتع الأكراد في الشمال السوري بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعليه فإن معرفة رد فعل الولايات المتحدة على قصف مواقع لهم أمر مهم.
وقد أكد مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” وقوع استهداف لمواقع تابعة لقوات وحدات حماية الشعب الكردي أو ما يُعرف بـ”YPG” في منطقة الحسكة بسوريا وعلى مقربة من مواقع للقوة الأمريكية الخاصة المتواجدة بسوريا.
ووصف المسؤول الأمريكي هذه الغارة بـ”غير العادية،” في حين تشير الأرقام الرسمية إلى وجود 300 عنصر من القوات الخاصة التابعة للجيش الأمريكي في سوريا، تقدم مشورات وتدريب لقوات مكونة من العرب والأكراد في مجموعة مقاتلة يطلق عليها اسم “قوات سوريا الديمقراطية.”
ويشار إلى أن القوات الكردية التي تعتبر الحليف الأهم للولايات المتحدة الأمريكية كان لها الدور الأهم في عمليات استعادة مدينة منبج من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وهذا الأمر يُعد أحد نقاط الخلاف التركية الأمريكية الكبرى، التي ربما تحاول روسيا استغلالها مؤخرًا بالتفاهمات مع الأتراك بخصوص الملف الكردي في الشمال السوري، الذي تضعه تركيًا خطًا أحمرًا بالنسبة لأمنها القومي.
مع استبعاد فرضية حصول شقاق بين تركيا وحلف الناتو، إذ أنه لا يعتقد أن تتحالف تركيا مع روسيا بالدرجة التي تبعدها عن حلف الناتو، ولكن بمستوى تعاون في الملف السوري يحفظ المصالح الاستراتيجية للبلدين.
وفي النهاية قصف الطيران السوري لأول مرة مواقع تابعة لوحدات حماية الشعب الكردي في مدينة الحسكة شمالي البلاد، حيث الشريط الأكثر ازدحامًا في الأجواء السورية بطائرات التحالف الدولي له مدلولات كبيرة.
حيث أن رمزية الضربة الجوية هذه تتجاوز القياس المحلي، فبالرغم من المرونة التي أظهرها النظام السوري من ذي قبل في التعاطي مع الأكراد ميدانيًا وسياسيًا، إلا أن توجيه ضربة في هذا التوقيت والشكل يحيل وفق البعض إلى اتفاق إقليمي ودولي على تحجيم الدور الكردي، ميدانيًا على الأقل، هذا التحجيم قد يكون بمثابة الإنذار بضرورة التريث والتعقل فيما يتعلق بالظهور الفج مؤخرًا المستفز للأتراك.
ومع رد الفعل الأمريكي الباهت على هذا القصف لأحد أقوى حلفاء واشنطن في الميدان، يمكن اعتباره اشتراكًا في إنذارهم بهذا الشكل بما يفهم منه ربما استعداد أمريكي للتخلي عنهم في مقابل مصالح أخرى أو تحالفات أهم مع تركيا وروسيا.