“في حضرة الخبز تنام الملوك على أسرّتها لأوّل مرّةٍ بعد هلاك الملكة ماري أنطوانيت على يد البطون الجائعة، وأمرٍ من الخبز، وفي حضرة الخبز يتبادل العُشّاق الورود، فنحن نحبُّ الورد، ولكنّا نحبُّ الخبز أكثر، ونحبُّ عطر الورد، لكنّ السنابل منه أطهر”. من أدب محمود درويش
لطالما كان الخبز يحتل مكانًا خاصًا في الأشعار، ولطالما كان البسطاء ممن يعيشون استجداءً للرزق محور العديد من الأبيات القديم منها والحديث، فكانت حياتهم التي نعتها العديد من الشعراء، بأنها بلاد تُسمى ببلاد البسطاء، علامة مميزة في الأدب العربي، ليأتي المصوّر ماجد الأهدل ليجدد عادة الشعراء، ولكن بتقنيات عصر التكنولوجيا الحديث، مستخدمًا آلة التصوير الاحترافية خاصته، ليسجل بلاد هؤلاء البسطاء في صوره، وأحاديثهم عن رحلتهم في طلب الرزق، وحنينهم لبلادهم، وحياتهم البسيطة قبل المجيء للعمل في بلاد الخليج، وحياتهم المغتربة في بلاد غريبة فتحت أبوابها إليهم.
الصور الآتية من تصوير المصوّر ماجد الأهدل، ويعود أغلب كلام من في الصور نقلًا عنه من حسابه على إنستجرام.
“الخبز أعظم الاستعارات التي وضعها الإنسان يا سيدي، فدلالة الخبز في تراث الإنسانية واسعة، حتى ليصبح الخبز في بعض الثقافات مرادفًا للحياة، إذا كان رغيف الخبز سلاحًا بارز الدلالة على صراع الإنسان مع الموت، وصرخته المدوّية في وجه الفناء، أنا خباز يا سيدي، وهكذا أفهم الخبز، ذكرني، كم قطعة خبز تريد؟”.
“تطوّحت يا بني في البلاد شرقًا وغربّا، آثار الثموديين أمةٌ لا تُحسّ بالتاريخ، ففي وجوههم قصة النعيم الذي تسرب مع عرق الجباه في الهجير إليكم، وفي عظامهم الذائبة سر العمران الذي نبتَ في الأرض اليَباب كالبقْل، وفي شُهْبَة لحاهم على السفر الطويل شاهدٌ ودليل”.
“أنا خريج من كلية العلوم، ساعدني ذلك في التعامل مع كثير من الجراثيم التي أقابلها كل يوم، مديري، العملاء غير المهذبين، أعمل مشرفًا على العمّال في شركة مقاولات، ولا شأن لشهادتي – كما تلاحظ – في تحديد هذه المهنة، عضّ الجوع بطني بعد الجامعة، ولكن على أية حالٍ، أنا هنا”.
“انزلق حظّي في ليلة ماطرة، من على جبال خوست، ليسقط في بلادكم الحارة، عديمة الجِدّ، كل شيء في تغيّر، لم أعد أحمل السلاح، وأقفز على الصخور برشاقة، سلبتْ منّي بلادكم خيمتي، لم يبق منّي سوى عينيّ الخضراوتين، تستوقفان أمثالكم من السذّج، أو الفضوليين، ليتسنّى لي أن أبوح: أنا يا سيديمن البشتون!”.
البشتون: مجموعة عرقية من جذور شرق باكستان تقطن جنوب وشرق أفغانستان وبمناطق الشمال الغربی الحدودية والمناطق الفيدرالية المدارة قبليًا بغربی باکستان، تميز البشتون بلغتهم البشتو وممارستهم للبشتونية أو الحفاظ علی السنن والرموز التقليدية السمحاء لديهم، وهم من يطلق عليهم (الأفغان)، كما يعتنق البشتون الإسلام، وتعتبر القومية البشتونية من الشعوب الآرية (هندو – أوروبية) التي حافظت على نقاء دمها إلى يومنا هذا ويظهر جليًا فيهم خصائص العرق الآري من صلابة الجسم وضخامة الحجم.
“أنا بنغاليّ، وأرجو أن تؤجّلَ استحضار الصورة النمطية عنّا ثواني، نحنُ صفرٌ في عيون الناس، لسنا جُبناء، ولا مرائين، ولا أنذال ولا مخانيث، إنّ من يعيش مع تماسيح الأنهار، وشر طوارق الليل و النهار منذُ خُلِقَ، ليس جبانًا، ثم أنتم لنا كارهون، أعمل في أرضي لأطعمكم، وأعمل في أرضكم لأطعم أبنائي، أعتذر إليك، صاحب العمل يندهني”.
“من بلاد الطيبّ صالح، جئت أرعى أنعامكم، وأنفض عن ألقابكم غبار البادية، وأكمل عنكم سيرة أجدادكم”.
“أنا جزّار من غرب إفريقيا، تمرُّ تحت شفرة سكّيني قطعان من الأنعام سيئة الحظ، لتتحول في نهاية المطاف أطباقًا تبيّض الوجوه، تختمون بها لياليكم السعيدة”.
“إنّ الليل هنا لا يكفي للتفكير في وطن بحجم مصر، هبة النّيل كما يسميها هيرودوت، ولا النجوم تكفي لأسرح فيها، مصريٌّ أنا، فوق التّعريف، ودونَ التجاوز”.
“اسمي رمضان، قيل لي: إن رمضانَ في العربية مشتقٌّ من الرمض، أي شدة الحَر، منذُ توفي والدي وكل الشهور في تقويمي رمضانات، لم أصدق حين اتصل بي مكتب الاستقدام في دكّا، و كدتُ أجن من الفرحة، بالطبع لا أحد يفرح بترك وطنه، ما لم يكن وطنه في الأصل تاركًا له، عللت نفسي بالغد الواعد بالكثير من الرضا، سأكفل وجع أمي، وأطعم أفواه إخوتي الصغار، هكذا قتلتُ رغبتي في الركض نحو قريتي وأنا أدوس سلم الطائرة المتوجهة إلى جدة، كفيلي خمسيني كثّ الشّارب الأخلاق معًا، يملك مبسطًا لتجارة البصل، لا أدري، اسمي رمضان، أخشى أن أكون ذلك الذي “صام وأفطر على بصلة”.
تم نقل فلسفة عمال الخليج عن الغربة والعمل في الصحراء الواسعة من حساب المصور ماجد الأهدل على إنستجرام، وتمت مقابلة من في الصور معه شخصيًا ورواية أقاويلهم عن الغربة والمعيشة في بلاد الخليج على لسانه، كما لن تجد في هذه الصور أي مهاجمة سياسية، أو اعتراضات دينية، ستجد العمال من مختلف الجنسيات والألوان، يتحدثون الإنجليزية أو العربية الركيكة ربما، أو حتى يمزجون في الحديث عما يرون عن تجربتهم بلغتهم الأصلية، لا يهم، ما يهم في النهاية أن لعمالة الخليج بُعدًا آخر فلسلفي أو بالأحرى وجودي لا يطّلع عليه أغلب البشر، فإما يتم التركيز على الأمر سياسيًا أو حتى اقتصاديًا، وإما يتم استخدامهم كورقة ضغط لتغيير بعض السياسات، إلا أنه لا يتم التركيز على ما يعيشه هؤلاء العمال في حياتهم اليومية، وكيف يرون بلاد الخليج، وكيف يتذكرون أوطانهم، هذه الصور ما هي إلا نبذة بسيطة عن حياة المغتربين البسطاء في بلاد الخليج، أو كما يحب أن يسميها أدباء الشعر، حياة البسطاء.