تعيش اليوم أكبر مدن الشمال العراقي وعاصمة خلافة تنظيم الدولة “داعش” حربًا حقيقية، تشتبك البنادق فلا يتضح للمتابع ما الذي يحدث هناك في ظل الغموض الإعلامي وقطع كل وسائل التواصل مع المدينة المختطفة المحاصرة، فالمدينة اليوم تشهد معارك في محاور مختلفة على أطرافها، وقصف التحالف مستمر بشكل شبه يومي يضرب قلب المدينة دون توقف، وحول المدينة يعسكر ما يزيد عن خمسة جيوش بمرجعيات وأهداف مختلفة تجعل معركة الموصل أكثر تعقيدًا من غيرها من المعارك، كما أن الكلام عن محافظة بعدد سكان يقارب الـ 4 مليون نسمة نصفهم في داخل المدينة المحاصرة يجعل الوضع الإنساني يحتاج لنظرة أكثر واقعية.
المحافظة أيضًا رغم أنها ذات غالبية عربية سنية لكنها عراق مصغر بمعنى الكلمة من تعدد الأقليات التي ترى نفسها مضطهدة بشكل أو بآخر خلال الفترة الماضية، (رغم أن الأرقام تقول غير ذلك) كل هذا وأكثر يعقد المشهد ما بعد التحرير مع عدم إغفال الدور الجوهري للتدخل الإقليمي والدولي في معركة حاسمة للتواجد العسكري لتنظيم الدولة “داعش” في العراق.
ولفك التشابك سنقوم من خلال هذه السلسلة بكتابة عدة مقالات تشرح الوضع في الموصل.
التشكيلات العسكرية حول مدينة الموصل تنقسم بشكل رئيسي إلى محورين:
المحور الشمالي والشمالي الشرقي
وتكون قوات البشمركة العراقية المحور الرئيس لهذا المحور والتابعة لإقليم كردستان العراق بقيادة رئيس الإقليم مسعود برزاني، فيما توجد تشكيلات مختلفة خارج نطاق البشمركة لكنها تعمل بنفس القاطع للعمليات وبتنسيق مباشر مع البشمركة.
قوات البشمركة: وهي قوات كردية تابعة لإقليم كردستان العراق وتعتبر من أكثر القوات كفاءة وتنسيق مع التحالف الدولي، وقد حققت انتصارات متتالية في مناطق شرق الموصل وشمال الموصل، وكان لها دور كبير في وقف تمدد تنظيم الدولة لإقليم كردستان العراق في نهاية عام 2014 ومطلع 2015 ويقاتل تحت هذه القوات عدد من متطوعي الأحزاب الكردية، يعتقد حاليًا أن عدد عناصر البشمركة يصل إلى نحو 190 ألف مقاتل.
الحشد العشائري لقبيلة شمر: ويتمركز هذا الحشد في شمال الموصل وتحديدًا في منطقة ربيعة (موطن قبائل شمر في العراق)، حيث قام هذا الحشد بتحرير المنطقة بمساندة البشمركة والأمريكيين في العام الماضي ويعتبر قوة ماسكة لتلك الأرض ويقودها شيخ شمر عبدالله عجيل الياور.
الحشد الوطني: وهو الحشد الذي قام بتشكيله محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي وأخوه نائب رئيس الجمهورية العراقية أسامة النجيفي وبدعم تركي بالتدريب، ويقع معسكر هذا الحشد في شرق الموصل وقد شارك في مناورات مع قوات البشمركة شرق الموصل ولديه مشاكل مع بغداد لكونه لا يخضع لهيئة الحشد الشعبي ويقارب عدد المتطوعين في هذا الحشد 4 آلاف مقاتل.
الحشد الإيزيدي: وهي قوات مشكلة من قبل وحدات حماية الشعب الكردي PYD وحزب العمال الكردستاني PKK وبدعم من حكومة بغداد تمركزت في شمال الموصل تحديدًا في منطقة سنجار وحدث خلاف بينها وبين البشمركة حول القيادة وإدارة الملف الأمني، مما اضطر للحشد للانسحاب من سنجار باتجاه الشمال الغربي على الحدود السورية العراقية، ويعتبر الدعم العراقي من بغداد لهذه القوات جزءًا من الصراع بين بغداد وأربيل إضافة لوضع حاجز معادٍ لتركيا التي ترغب بتواجد حقيقي لتلك المنطقة، بينما توجد مجموعات يزيدية تقاتل ضمن تشكيلات قوات البشمركة الكردية في شمال الموصل على اعتبار الإيزيديين أحد فروع القومية الكردية.
وحدات حماية سهل نينوى: وهو حشد من مسيحيي العراق متكون مما يقارب 5000 آلاف تابع للحركة الأشوية ويقاتل من أجل تحرير مناطق “سهل نينوى” موطن المسحيين في العراق التي تقع شرق مدينة الموصل.
المحور الجنوبي والجنوب الشرقي
وهي القوات التابعة للحكومة العراقية رغم أن قيادة عمليات تحرير نينوى تقع في منطقة مخمور شرق الموصل على الطريق إلى أربيل، لكن تواجد القوات الحقيقي يتمركز في جنوب المدينة في مخمور وقيارة وتعتبر هذه القوات هي من تقود اليوم عمليات تحرير جنوب الموصل وتتكون هذه القوات من التشكيلات التالية:
قوات الجيش العراقي: وتعتبر القوات الجيش النظامي العراقي الذي يخضع لقيادة عمليات تحرير نينوى مباشرة ويمتلك قوات جوية تمتلك طائرات F16 وطائرات هليكوبتر وأيضًا على سيارات مدرعة وهي قوات أكثر انضباطًا من الحشد بشكل عام.
قوات مكافحة الإرهاب (الفرقة الذهبية): وهي قوات من الجيش العراقي بتجهيزات خاصة وبملابس سوداء اللون وتعتبر أكثر القوات العراقية قدرة على التعامل مع الحرب مع داعش كونها تلقت تدريبات خاصة وتجهيزات أكثر، أدت إلى إبراز دورها في معارك الرمادي والفلوجة وهي من تتصدر المشهد في تحرير مركز ناحية قيارة جنوب الموصل اليوم.
الحشد العشائري: وهو حشد سني متكون من أبرز القبائل في مخمور وقيارة من قبائل السبعاوين والعبيد وقد شارك، هذا الحشد في تحرير قرى في ناحية مخمور وغالبية مقاتليه من القرى المحررة ويعتبر تابعًا لهيئة الحشد الوطني.
حشد فرسان الجبور:وهو حشد سني قام بتشكيله النائب أحمد الجبوري ويتكون من مقاتلين قبيلة الجبور التي تعتبر القيارة مركزًا لهذه القبيلة وسيشارك بعمليات التحرير ومسك الأرض بعد التحرير وهو أيضًا تابع لهيئة الحشد الوطني.
حشد التركمان: وهو حشد من التركمان العراقيين المتواجدين في محافظات الموصل وكركوك وديالى ويعتبر جزءًا من الحشد الشيعي وهو يطالب بالاشتراك في معاك تحرير مدينة تلعفر شمال الموصل وهي مدينة بغالبية تركمانية يشكل الشيعة نسبة 40% من سكانها تقريبًا.
حشد الشبك: وهو حشد من الشبك والشبك “مجموعة سكانية تقطن في أكثر من 60 قرية منتشرة في مناطق متنوعة في شمال العراق وبالتحديد في محافظة نينوى (سهل نينوى)”، ويعتبر الشبك قسمين شيعة وسنة والغالبية من الشيعة قد دخل ضمن الحشد الشعبي ويطالب بالمشاركة بتحرير مناطقه كما لا تخلو المطالبة من عمليات انتقام وثأر من الغالبية العربية السنية في المدينة.
الحشد الشعبي: تضاربت الأقوال حول مشاركة الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل وعلى الأرجح فإن الحشد سيشارك بشكل جزئي وليس كمحور أصيل في العمليات ومن محور جنوب المدينة فقط، فيما تحتدم التصريحات بين المؤيدين والمعارضين فإن الانتهاكات لحقوق الإنسان التي مارستها قوات الحشد الشعبي جعلت أهالي المدينة يتمنون عدم مشاركتها لكن التمنيات تختلف عن واقع الحال المفروض على المعادلة العراقية.
البيادق الإقليمية والدولية
تركيا: يقتصر التواجد التركي في معركة الموصل بتواجد مستشارين للقوات المتواجدة في بعشيقة “شرق الموصل” بعدما تم الانسحاب العسكري بعد ضجة إعلامية أحدثتها الحكومة العراقية بعدم الترحيب بتواجد قوات تركية على الأراضي العراقية إضافة للدعم اللوجستي لقوات التحالف من خلال قاعدة إنجرليك وكذلك من خلال المعلومات الاستخبارية التي تشاركها وفق محللين مع قوات البشمركة الكردية، غير ذلك فإن كثير من المحللين يرسمون دورًا أكبر لتركيا في عمليات ما بعد التحرير، ولكن ما تزال تركيا تتعامل بحذر كبير وانطوائية – إن صح التعبير – مع الملف العراقي وقضية الموصل بالتحديد.
إيران: التواجد الإيراني في معركة الموصل لن يكون مباشرًا وإنما عبر ممثلها الرسمي بالعراق “الحشد الشعبي” أو عبر الحكومة العراقية وقنوات الضغط لديها، ولكن ما تزال إيران محدودة التدخل في ملف الموصل بسبب البعد الجغرافي والإقليمي ووجود العامل الكردي المعادي لها على الرقعة.
أمريكا: مما لا شك فيه فإن العامود الفقري لقوات التحالف التي تعمل من الجو هي القوات الأمريكية، فيما يقتصر تواجدها على الأرض على محورين (بعشيقة شرق الموصل، وقاعدة قيارة جنوب الموصل) وتعتبر الأخيرة محطًا لمشروع أمريكي كبير لجعل القاعدة قاعدة ستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة بديل لقاعدة إنجرليك التركية، ومنافس لقاعدة طرطوس الروسية في سوريا، بينما يقوم الأمريكان بشكل رئيسي بإدارة المعركة والتنسيق بين المحاور المختلفة التي تعتبر الولايات المتحدة القاسم المشترك بينهما.
في هذا الجزء من السلسلة طرحنا البيادق التي تتمركز حول مدينة الموصل العراقية، وشكل الخارطة، في المقال القادم من السلسلة سنطرح البُعد الإنساني لمعركة الموصل وهواجس المحاصرين في داخل المدنية ومعاناة نازحييها بشيء من التفصيل.