“ارحل” بهذه الكلمة عبرالشعب الزيمبابوي الذي يئس من الإصلاح كعادة الشعوب العربية والإفريقية التي سئمت من طول بقاء حكامها الذين يظلون طيلة عقود متوالية يديرون شؤون البلاد بحكم الفرد الواحد ولا يريحهم منه سوى الموت.
تبدأ الحكاية في 19 أبريل الماضي حيث خرجت أولى المظاهرات المعارضة إلى الشوارع عقب نشر قسّ زيمبابوي يدعى إيفان ماواريري شريط فيديو على موقع اليوتيوب وهو يصف حالة البلاد المزرية والتخلف الذي أصبحت فيه، وقام القس بدعوة أبناء البلاد إلى التظاهر ضد موجابي الذي يقود البلاد منذ الاستقلال في عام 1980، وهو يبلغ اليوم من العمر 92 سنة.
من يخلف موجابي في الحكم؟
هذا هو السؤال الذي يطرحه الزيمبابويون في مجالسهم بعدما طغى الكبر على الجنرال العجوز وتفاقمت الأزمات داخل حزبه “الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي” حتى أقرب مؤيديه دب الخلاف بينهم؛ مما جعل الشعب – لا سيما الشباب – يتساءلون عن مصير البلاد في حال رحيل موجابي عنها.
كان المتوقع وحتى فترة قريبة (ما يقرب من عامين) أن تكون نائبة الرئيس السابقة جويس موجورو هي التي ستتولى المنصب الرئاسي بعد رحيل موجابي وهي تبلغ من العمر 60 عامًا، لكن الجميع فُوجِئوا في عام 2014 بظهور مزاعم تترأسها زوجة موجابي وحلفاؤها من الحزب الحاكم، أن نائبة الرئيس السابقة جويس موجورو تخطط لاغتيال موجابي، ومن ثم انتهت صفحتها بعدما تم التشهير بها واتهامها بهذا الأمر من سيدة القصر الأولى.
ثم بزغ نجم نائب الرئيس الجديد الحالي إيمرسون مانجاجوا لأن يكون خليفة موجابي، إلا أن زوجة موجابي مرة أخرى اتهمتْه بتدبير حادث لمحاولة قتل ابنها “شاتونغا”.
زوجة الرئيس موجابي توتر العلاقة بالجيش
لم تكتف جريس موجابي زوجة الرئيس الزيمبابوي باتهام نوابه بتدبير اغتياله أو اغتيال ابنه، ولكن الأمر تطور باتهامها لكبار قادة الجيش بأنهم يدعمون نائب الرئيس إيميرسون مانجاجوا في سعيه للترشح للرئاسة، وفي أحد خطاباتها أمام حشد في مدينة شيويشا اتهمت جريس موجابي زوجة الرئيس بأن قادة الجيش يخططون لسلسلة تفجيرات في مدينة مازوي لزعزعة الاستقرار في البلاد وإحداث حالة من البلبلة لكي يجبروا زوجها على التخلي عن السلطة، كما زعمت أيضًا أنه كانت هناك مؤامرة لقتل ابنها الأصغر، مما رفع حدة التوتر بين موجابي وبين الجيش.
ويبدو أن الأجهزة الاستخباراتية تدخلت لتهدئة الأوضاع بين الرئاسة والجيش عن طريق دعوة كبار قادة الجيش للاحتفال بعيد ميلاد موجابي وتهدئة التوترات بين الفريقين.
وقد وصلت الصراعات السياسية داخل الحزب الواحد، وبدأت الانشقاقات تظهر إلى السطح بين فريقين: فريق بقيادة مانجاجوا، وفريق قدامى المحاربين الذين شاركوا في حرب تحرير البلاد بقيادة زوجة الرئيس غريس.
تدهور المشهد السياسي والاقتصادي
على صعيد المشهد السياسي، قامت “جمعية المحاربين الزيمبابويين القدماء” والتي كانت ركيزة أساسية لدعم موجابي لعقود من الزمن، بالتنديد بحكمه الديكتاتوري، واصفة إياه بـ “الديكتاتور” و”الأناني”، ويبدو أن موجابى بدأ يفقد مناصريه، فقد صرح المتحدث باسم الجمعية العقيد المتقاعد بيتا غوفهيا قائلاً: “نحن لا نملك الرئيس القادر على إدارة اقتصاد هذا البلد، وهذا هو السبب في أننا نصرّ على ضرورة رحيل موجابي، نحن لم نقاتل لتكون السلطة لشخص واحد، ونحن لم نقاتل كي تستفيد عائلة واحدة من اقتصاد هذا البلد”.
وعلى صعيد المعارضة قامت جويس موجورو التي كانت نائبة للرئيس والتي أمضت قرابة عشر سنوات في منصبها حتى إقالتها في عام 2014 بتدشين حزب سياسي جديد في تحد للرئيس العجوز، وفي أول تصريحات عامة لها منذ عزلها في ديسمبر كانون الأول 2014م، قالت موجورو البالغة من العمر 60 عامًا للصحفيين إنها شكلت حزبًا سياسيًا جديدًا (حزب شعب زيمبابوي أولاً).
أما على صعيد المشهد الاقتصادي، فتُقدر ديون زيمبابوي بحوالي 10.8 مليار دولار، مع تقدير الديون العامة بـ 5.6 مليار دولار، ما بين المؤسسات المالية المتعددة الأطراف: 2.2 مليار دولار، ونادي باريس: 2.7 مليار دولار، وغيرها: 700 مليون دولار.
صحيح أنه قد يكون استيلاء الأجانب على أراضي زيمبابوي في العقد الماضي ضمن أسباب مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، غير أن الجفاف وقلة هطول الأمطار في الوقت الأخير، ساهما أيضًا في تدمير الإنتاج الزراعي، ومن ثَمَّ انخفاض أسعار السلع الأساسية والانهيار في تدفقات رأس المال؛ مما أسفر عن وجود القليل من المال في البنوك وفي خزائن الحكومة، وجعلتها غير قادرة لدفع مستحقات موظفيها.
ولكي تتمكن البلاد من احتواء الأوضاع الاقتصادية، لجأت الحكومة إلى سياسات فرضتها على بنوك البلاد لتقييد مبلغ السحب اليومي إلى 100 دولار، الأمر الذي صنفه المواطنون كانتهاك لحقوقهم وتجويعهم، وأوقد نيران الاحتجاجات التي لم تشهد البلاد مثلها من قبل.
موجابي يحاول البقاء رغم تدهور الأوضاع
يحاول روبرت موجابي أن يستعيد جزءًا من شعبيته المفقودة فخرج أمام حشد من جماهيره بعد أن نظموا مسيرة إلى مقر الحزب الحاكم وألقى خطابًا استغرق ما يقرب من الساعة (50 دقيقة) يوم الأربعاء 24 يونيو 2016، ليردّ على مزاعم جمعية المحاربين القدماء ويرفض دعواتها للإطاحة به، وذلك لأنه – حسب زعمه – جاء إلى السلطة عبر أصوات الشعب، متّهمًا المنتقدين بالتآمر مع معارضين غربيين للإطاحة به من الحكم.
وأكد موجابي على استمراره في الحكم بقوله: “مادام الحزب يقول استمر سأستمر، ما دُمت أملك الطاقة وما دُمت حيًا وما دام الرب يباركني سأستمرّ”.