في حين مثلت صورة الطفل عمران والدماء تغطي وجهه داخل سيارة إسعاف في حلب بعد قصف للطيران الروسي صدمة أخرى لجزء كبير من العالم، إلا أن موجات التعاطف والتأثر لم تتجاوز الفضاءات الزرقاء لصفحات التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك).
حيث شهدت قائمة الدول والمنظمات التي تعقد حياة اللاجئين في المخيمات وتزيد من معاناتهم اليومية دخول لاعب جديد، فبالإضافة إلى الحرب في سوريا وقصف المدنيين وسياسات الاتحاد الأوروبي الرامية إلى إبعاد اللاجئين عن حدودها بكل الوسائل الممكنة، والخطاب الصاعد للأحزاب اليمينية الداعي للكراهية والحقد والعنصرية، التحقت شركات الأدوية العالمية بهذه القائمة السوداء لتساهم في صنع حلقة أخرى من حلقات التهميش والخوف والمرض التي يعيشها اللاجئون وخاصة الأطفال منهم.
تعمل العديد من المنظمات الإنسانية في مخيمات اللاجئين على تلقيح الأطفال حماية لهم من الأمراض التي تهدد حياتهم حتى لا تضيع حياتهم في عمر الزهور ويكون كل ما شاهدوه من الدنيا هو الحرب والبرد والجوع، ومن بين هذه المنظمات قامت منظمة أطباء بلا حدود خلال الأسابيع الأخيرة بتلقيح أكثر من خمسة آلاف طفل لاجئ تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمسة عشر عامًا في مختلف المخيمات وتجمعات اللاجئين في اليونان، وشملت حملة التطعيم عشرة أمراض بما فيها الالتهاب الرئوي الذي يعتبر أكثر الأمراض فتكًا بالأطفال دون سن الخامسة في العالم، ويكون حادًا بشكل خاص عند الأطفال الذين يعيشون في ظروف قاسية وصعبة مثل ظروف العيش في المخيمات.
إلا أن المخجل والمؤسف في الأمر أن تضطر منظمة أطباء بلا حدود ومنظمات أخرى لشراء هذه اللقاحات بسعر 68 دولارًا أمريكيًا للجرعة الواحدة، وكل طفل يحتاج ثلاث جرعات، وهو سعر يفوق بعشرين ضعف السعر الأدنى العالمي، والذي لا يتجاوز ثلاثة دولارات للجرعة الواحدة، و يعود هذا السبب أساسًا إلى أنه رغم أن المنظمات الإنسانية هي المقدم الوحيد للخدمات الصحية والطبية في مخيمات اللاجئين إلا أنه لا يمكنها شراء اللقاحات بالسعر الأدنى عالميًا، لأن هذا السعر متاح بشكل حصري للدول الأفقر في العالم.
رغم مجهودات المفاوضات لمدة أكثر من 6 سنوات كاملة مع المنتجين الوحيدين للقاح الالتهاب الرئوي، وهما شركتا فايزر وغلاكسو سميث كلاين وتقديمها لعريضة تحمل تواقيع أكثر من 000 416 شخص من 170 بلدًا يطالبون فيها بخفض ثمن اللقاحات، لم تنجح أطباء بلا حدود في إقناع عمالقة صناعة الأدوية في العالم أن اللقاحات الموجهة للأطفال في مخيمات اللاجئين لا يمكن أن تكون فرصة أخرى للربح المادي ولرفع حجم مبيعاتها.
ورغم مواصلة العديد من منظمات الإغاثة توفير الحاجيات الأساسية للأطفال اللاجئين في المخيمات تتزايد المخاوف يومًا بعد يوم، مخاوف من العجز عن تقديم اللقاحات والأدوية للأطفال ومخاوف من أن يصل الوضع حد وقف برامج التطعيم والتلقيح ويترك الأطفال وحدهم بين براثن الأمراض، كما ترك أقرانهم بين براثن البحر الأبيض المتوسط ليبلعهم.
لا تملك المنظمات الإغاثية اليوم بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني من حلول سوى دعوة كل الأطراف لتسهيل عملها في إيصال المعونات وتوفير الأدوية ودعوة شركات الأدوية العالمية إلى الابتعاد عن عقلية الربح المادي في هذه الحالات الإنسانية وعدم استغلال مثل هذه الظروف لزيادة الأرباح حتى لا تكون الخيارات الوحيدة أمام أطفال سوريا إحدى ثلاث: الموت تحت القصف الروسي أو الغرق في البحر الأبيض المتوسط أو التهاب رئوي حاد يمكن أن يقتل في أيام قليلة.