نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤولين أمريكيين خبر سحب الجيش الأمريكي من الرياض مستشارين عسكريين كانوا يشاركون في تنسيق الغارات الجوية التي تقودها السعودية في اليمن، وأنه قلص بشكل حاد عدد المستشارين الذين يشاركون في تقديم المشورة العسكرية للحملة من أماكن أخرى.
وعليه يتواجد الآن بحسب المصادر الأمريكية التي اعتمدت عليها الوكالة أقل من خمسة أفراد أمريكيين يعملون حاليًا كامل الوقت في “خلية التخطيط المشترك” التي أنشئت العام الماضي لتنسيق الدعم الأمريكي، ومنه تزويد طائرات التحالف العربي الذي تقوده السعودية بالوقود في الجو والتبادل المحدود للمعلومات.
جدير بالذكر أن هذا العدد يقل كثيرًا عن عدد العسكريين الذي بلغ في ذروته نحو 45 فردًا جرى تخصيصهم كامل الوقت في الرياض ومواقع أخرى لنفس أغراض الدعم، ويبدو أن الخبر ليس وليد الأيام الماضية، حيث صرح مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة بدأت بسحب مستشاريها من الرياض في شهر يونيو الماضي.
لماذا سحبت الولايات المتحدة مستشاريها فجأة؟
الأسباب الأمريكية خلف هذا الأمر غير واضحة، لكنها أتت على لسان المتحدث باسم البحرية الأمريكية في دولة البحرين اللفتنانت إيان ماكونهي، الذي أشار أنه يأتي بعد هدوء في الغارات الجوية في اليمن مطلع العام الجاري، ولكن وجهة نظر أخرى ترى أن تخفيض الانخراط اليومي للولايات المتحدة في تقديم المشورة للحملة السعودية يأتي على خلفية تعرضها لانتقادات لتسببها في سقوط مدنيين.
ورغم ذلك قال كريس شيرويد المتحدث باسم البنتاجون إن “التغيير لن يقلص الالتزام الأمريكي تجاه دعم العمليات العسكرية التي تقودها السعودية”، وأضاف قائلًا: “فريق خلية الدعم الذي كان في السعودية يتمركز الآن في البحرين”، وتابع أن طائرات التزود بالوقود الأمريكية لا تزال تمد الطائرات السعودية بالوقود.
وبالتأكيد خرجت مصادر أمريكية تنفي وجهة النظر المفسرة لانسحابهم المفاجئ بسبب تزايد سقوط أعداد من المدنيين في الحملة العسكرية السعودية على اليمن، وهو ما قد يكون استرضاءً للرياض.
حيث أعلن مسؤولون صراحة من الجانب الأمريكي أن تقليص عدد المستشارين العسكريين لا يرتبط بالمخاوف الدولية المتزايدة بشأن الضحايا المدنيين في الحرب اليمنية المستعرة منذ 16 شهرًا والتي أدت إلى مقتل نحو 6500 شخص نصفهم مدنيين.
ولكن في نفس الوقت أكدوا أن الولايات المتحدة قد تقرر تعديل دعمها عندما تزيد الضربات مرة أخرى، ومن المتوقع زيادة الضربات خلال الأيام القادمة بعدما تعثرت جهود السلام الأممية والإقليمية لإيقاف الحرب في اليمن.
الجانب السعودي يقلل من قيمة هذه الخطوة
وعلى ما يبدو أن الجانب السعودي قد تعود مؤخرًا على مثل هذه التصرفات من الجانب الأمريكي، الذي يعتبرها بعض المرتقبين تخليًا واضحًا عن حليفها التقليدي في المنطقة، لصالح توازنات ورؤى جديدة للمنطقة، وهو ما تدركه السعودية جيدًا بداية من الاتفاق النووي الغربي مع الخصم اللدود إيران.
ورفض اللواء أحمد عسيري المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية تأكيد التفاصيل بشأن نقل مستشارين عسكريين أمريكيين لكنه في نفس الوقت قلل من أهمية مثل تلك الإجراءات.
وصرح عسيري لرويترز أن العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة استراتيجية وأن الإجراء يتصل بأمر “على المستوى التخطيطي”، وأضاف المتحدث السعودي أن الولايات المتحدة ربما تجري تغييرًا في المواقع لكن ذلك ليس له تأثير على العلاقة المشتركة بين البلدين.
ومنذ انطلاق الحملة العسكرية السعودية على اليمن بعد سقوط العاصمة اليمنية في أيدي المليشيات الحوثية، يقوم الجيش الأمريكي بطلعتين يوميًا في المتوسط لتزويد طائرات التحالف بالوقود، وقدمت الولايات المتحدة أيضًا دعمًا محدودًا في مجال معلومات المخابرات لكن المسؤولين يؤكدون أن واشنطن لم تختر أي أهداف.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة حاولت أن تهرب من المسؤولية الأخلاقية لاستهدافات التحالف العربي الذي تدعمه لتحسين تحديد الأهداف، وتوفير حصول السعودية على ذخيرة موجهة بدقة، لكن الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية، وأيضًا بعض المشرعين الأمريكيين انتقدوا في الآونة الأخيرة الضربات الجوية لطائرات التحالف العربي.
وذكر تقرير سنوي للأمم المتحدة عن الأطفال والصراعات المسلحة أن التحالف الذي تقوده السعودية يتحمل المسؤولية عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال في اليمن العام الماضي، وقد ردت السعودية بأن التقرير يعتمد على معلومات غير دقيقة.
وآخر هذه الاستهدفات العشوائية الموثقة، ضرب غارة جوية للتحالف يوم الثلاثاء الماضي مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في اليمن، مما أدى لمقتل 19 شخصًا، ودفع المنظمة لإجلاء موظفيها من 6 مستشفيات، وأرجعت المنظمة إجراءاتها إلى “فقدان الثقة في قدرة التحالف الذي تقوده السعودية على منع وقوع هجمات فتاكة”.
هل تركت الولايات المتحدة السعودية لمواجهة مصيرها في اليمن؟
قبل شن عاصفة الحزم السعودية على اليمن جرت نقاشات مطولة بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وفي 14 مارس 2016، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير لها، أهم ما دار في تلك النقاشات.
من تحليل ذلك اتضح أن منتقدي المشاركة الأمريكية في الحرب أوصوا البيت الأبيض بضرورة عدم تقديم أي دعم عسكري بشكل عام، لما يصفونها بـ “الحرب المتهورة”، وأبرز من قادوا تلك الحملة السيناتور الأمريكي كريستوفر مورفي عضو لجنة العلاقات الخارجية عن الحزب الديمقراطي، الذي أكد إلى أنه من الصعب عليه إيجاد ما يدعم فكرة أن الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، يخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي.
وقد رد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على تلك المزاعم، بأن الولايات المتحدة تدعم السعودية لأن المملكة كانت مهددة بشكل مباشر، من خلال سيطرة المتمردين الحوثيين على اليمن، لكنه أكد على أن واشنطن لن تدعم كل حروب السعودية بالوكالة ضد إيران في الشرق الأوسط.
وأبرزت الصحيفة في تقريرها لقاء كيري بمسؤولين رفيعي المستوى في المملكة، وحديثه عن أنهم يدفعون باتجاه تسوية سياسية للصراع، ونقلت عن روبرت مالي المسؤول الأعلى في البيت الأبيض عن السياسة تجاه الشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة كانت محقة في دعمها للحليف طويل الأمد السعودية، لكنه فصل بين الدعم الأمريكي وبين النتائج الفوضوية للصراع، مؤكدًا على أن الحرب في اليمن ليست حربنا.
وذكرت الصحيفة أن الدعم الأمريكي للسعودية منسق عبر 45 عسكريًا أمريكيًا في البحرين والسعودية والإمارات، يشرف عليهم الميجور جنرال كارل موندي نائب قائد قوات المارينز في الشرق الأوسط.
ليس هذا فحسب على صعيد الرفض القوي من قبل تيار داخل الإدارة الأمريكية للانخراط الكلي في هذه الحرب العشوائية، حيث طالبت الإمارات مجموعة من قوات العمليات الخاصة الأمريكية في أبو ظبي، بمساعدتها في التخطيط بشأن التدخل البري باليمن، لكن البيت الأبيض طلب من القوات الأمريكية التنحي عن تلك المهمة، خوفًا من انزلاق الجيش الأمريكي بشكل أكبر في الصراع.
لكن الإماراتيين استمروا في التخطيط، وطلبوا في يوليو من البنتاجون تقديم المساعدة لشن هجوم كبير بعدن، لكن مسؤولي البنتاجون رفضوا الطلب مجددًا، معتقدين أن العملية التي يشارك فيها آلاف الجنود والدبابات والمدفعية والمروحيات القتالية خطيرة جدًا، وتتجاوز قدرة الجيش الإماراتي.
ويتضح من الإجراءات الأخيرة بسحب جل المستشارين العسكريين أن التيار الأمريكي الذي رفض من البداية الانخراط في الحرب وتقديم المعونة للسعوديين قد انتصر في النهاية، وقرر نفض يده بشكل جزئي من الدعم السابق، بعد دخول الحرب السعودية في اليمن مرحلة الفوضى، حتى إن النجاحات العسكرية للتحالف العربي طالتها الفوضى أيضًا.
ومثال على ذلك تدهور الوضع الأمني في عدن، بعدما توقفت القوات الإماراتية عن تسيير دوريات أمنية منتظمة في الشوارع، وحلت محلها قوات سودانية، لكن تلك القوات تراجعت لتتمركز في معسكر كبير خارج عدن، لتصبح المدينة الآن في حالة من الفوضى، بسبب انتشار الميليشيات.
وكذلك تعثرت جهود الحل السياسي الذي وعدت به السعودية واشنطن، وظهرت نوايا جديدة لاستئناف القتال، وهو ربما ما تراه واشنطن الآن تصفية حسابات بالوكالة بين طهران والرياض، واستراتيجيتها الجديدة لا تحتم عليها الانضمام إلى السعودية في هذه الحرب، وهو ما يعني أن السعودية ستلاقي مصيرها وحدها في اليمن.