أثيرت مؤخرًا مسألة ترشح الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية في انتخابات العام 2018، بالتزامن مع طرح وجهة نظر لقطاع من المعارضة المصرية تُشير إلى ضرورة مواجهة السيسي بمرشح مدني في حال قرر الترشح لفترة ثانية، كما خرجت حملات عكسية كان جلها على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى تمديد فترة ولاية الرئاسة لصالح السيسي لتتجاوز الأربع سنوات المنصوص عليها في الدستور.
السيسي الذي صعد إلى الحكم عبر انقلاب عسكري دبره في الثالث من يوليو 2013 ضد الرئيس المصري السابق محمد مرسي المنتخب كأول رئيس مدني لمصر بعد ثورة يناير، حيث أدار الرجل فترة انتقالية انتهت بترشحه للرئاسة، والظفر بمنصب الرئيس في انتخابات كانت أقرب إلى الاستفتاء الصوري.
لم تتحسن حتى الآن الأوضاع الاقتصادية في مصر ولا حتى على الصعيد السياسي والاجتماعي، إذ يشهد المجتمع المصري انقسامًا حادًا حتى اللحظة، جراء 3 سنوات من الاضطراب والقمع على يد السلطة الجديدة التي لم تستطع أن تحقق شرعية للإنجاز.
إلى أن بدأ التفكير في المستقبل في ظل هيمنة المؤسسة العسكرية على المقدرات الاقتصادية والسياسية في البلاد، بمباركة من الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، مع تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب سوء الإدارة الحالية للنظام، واستمرار التعمية على الفساد، وممارسة الاحتكار داخل الاقتصاد الوطني المصري لصالح مؤسسة الجيش.
هذا الوضع الذي ينذر بكارثة واقعة في حال استمرار هذا الأداء الذي رفضته دولة الإمارات العربية المتحدة أقرب الحلفاء لهذا النظام، واضطرت لسحب مستشاريها الاقتصاديين المعنيين بمساعدة النظام على تطوير أدائه الاقتصادي.
حتى علق مستشار ولي عهد أبو ظبي، عبد الخالق عبد الله، على دعوة مجلة “إيكونومست” البريطانية عبد الفتاح السيسي إلى عدم الترشح للرئاسة عام 2018، قائلا – في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”- “ربما حان الوقت لأن يسمع السيسي هذه النصيحة الحريصة من عواصم خليجية، معنية بمستقبل الاستقرار في مصر”، وفق قوله.
موانع داخلية لاستمرار السيسي في الحكم
يرى البعض أن ثمة ضغوط تمارس على الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي لغلق صفحته بعدم ترشحه للفترة الرئاسية القادمة.
وقد كشفت مصادر سياسية مصرية وصفها موقع “عربي 21” بـ “مطلعة” عن أن السيسي لن يترشح لفترة رئاسية ثانية، نتيجة لضغوط وصفتها بالكبيرة من جهات داخلية وإقليمية ودولية، سوف تُمارس عليه خلال الفترة المقبلة لمنعه من الترشح مجددًا.
وأوضحت المصادر – في تصريحات خاصة لـ”عربي 21″ – أن “السيسي” بشكل شخصي يرغب في الترشح للرئاسة مرة أخرى، إلا أنه في النهاية سيرضخ لتلك الضغوط التي ستُمارس عليه لإثنائه عن هذا القرار، بحسب توقعات المصادر المطلعة التي رفضت الإفصاح عن هويتها.
ويشير الموقع إلى أن هناك دوافع متعددة تجعل الكثيرين سواء في الداخل أو الخارج يعتبرون ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية بمنزلة مغامرة ومقامرة وخيمة العواقب، وعلى رأس تلك الدوافع تفاقم الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية على المستويات كافة، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانسداد الأفق السياسي، منذ انقلابه العسكري على الرئيس السابق محمد مرسي.
وأشارت المصادر إلى صعوبة – إن لم يكن استحالة – تمرير أي مصالحة بين أطراف الأزمة المصرية المختلفة في ظل وجود السيسي في سدة الحكم.
وبحسب تقرير موقع “عربي21” فإن شعبية السيسي تراجعت بقدر كبير عما كانت عليه سابقًا في بداية الانقلاب، وهو ما يتضح للجميع، خاصة أن تقارير مخابراتية وأمنية رصدت هذا التراجع، مضيفة: “وبالتالي فسوف تضطر أجهزة الدولة للتزوير الفج – على غرار ما حدث في آخر انتخابات برلمانية جرت في عهد المخلوع حسني مبارك عام 2010 – لصالح السيسي حال إصراره على الترشح ثانية، بخلاف ما حدث في انتخابات الرئاسة السابقة، وهو ما سيضع الدولة المصرية في موقف حرج للغاية داخليًا وخارجيًا”.
وأكدت المصادر أن هناك جهات سيادية وشخصيات نافذة بالدولة المصرية، باتت مقتنعة بضرورة عدم ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية، لافتة إلى أن دول إقليمية وغربية – بعضها قدم دعمًا كبيرًا لسلطة الانقلاب – يرون أيضًا أنه من غير المناسب ترشح السيسي للرئاسة مجددًا، خاصة في ظل رغبة ما لمحاولة إيجاد مخرج وحل للأزمة المصرية ولمنع انفجار الأوضاع.
وبعيدًا عن هذه المصادر التي لم تفصح عن هويتها فإنه لا يمكن الجزم نهائيًا بمسألة إرغام السيسي على عدم الترشح لفترة رئاسية مقبلة، كما لا يمكن نفي أن الموانع الداخلية في نفس الوقت لهذا الترشح موضوعية.
دوافع إقليمية لاستمرار السيسي
يعتمد السيسي في تسويق نفسه خارجيًا على قضية “الحرب على الإرهاب” وكذلك تعاونه الوثيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما جعله يتخطى عقبات إقليمية ودولية كبيرة بعد انقلابه منذ 3 سنوات.
فالسيسي لعب على وتر اشتراكه في محاربة الإرهاب في الداخل المصري وعلى الصعيد الإقليمي، وهو احتاجه الغرب في ظل اضطراب الإقليم، لذا سهل هذا قبول انقلاب السيسي إلى حد كبير، لحفظ حد أدنى من الاستقرار في مصر في وسط إقليم ملتهب.
وكذلك علاقاته غير المسبوقة بإسرائيل، حيث يشهد الجانبان أكبر تنسيق عسكري وأمني في التاريخ منذ صعود السيسي إلى سدة الحكم، وهو ما أخذ مقابله دعمًا إسرائيليًا لا محدود خارجيًا في المؤسسات الدولية وغيرها، ودفع هو مقابله تنفيذ رغبات ومخططات إسرائيلية استراتيجية كما هو الحال في سيناء.
وتعد إسرائيل هي الداعم الأول لاستمرار نظام السيسي على ما هو عليه بأي ثمن كان، ونرى ذلك في تصريحات محلل الأمن القومي الإسرائيلي يوسي مليمان، الذي أكد أن التنسيق الاستخباري بين مصر وإسرائيل يتعزز وينمو بعد استمراره لعقود بشكل سري وخفي، وفيما لو تم إبعاد السيسي عن الحكم فإن ذلك خسارة عظيمة لإسرائيل لكن العلاقات ستبقى مستمرة.
وأوضح ميلمان بمقاله في موقع “ميدل إيست آي”، أن إسرائيل لن تكون بحاجة أمريكا للوقوف معها بوجه مشروع القرار العربي الذي طالما كانت القاهرة تقدمه من أجل إجبار تل أبيب على الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وفتح مفاعل ديمونا أمام الرقابة الدولية في ظل العلاقات الحالية مع مصر وحديث القاهرة عن عدم رغبتها في التقدم بمشروع القرار هذا العام.
ويرى ميلمان أن عبد الفتاح السيسي، يعد حليفًا مهمًا من هذه الزاوية، فمنذ أن جاء إلى السلطة قبل ثلاثة أعوام، ارتقت الروابط العسكرية والأمنية بين البلدين التي تقوم على أساس من الانطباعات والمصالح المشتركة، لتصل إلى مستويات رفيعة تجاوزت بمراحل ما كانت عليه أثناء حكم حسني مبارك.
كما يتمنى الإسرائيليون في الوقت نفسه بأنه في حال تنحى السيسي، أيا كان الشخص الذي سيحل محله، أن يكون رجلًا عسكريًا آخر أو شخصًا يتمتع بدعم الجيش، حتى ينتهج السياسة نفسها دونما تغيير أو تبديل.