وقعت عدة استهدافات مؤخرًا في الأردن لمقار حكومية نفذتها مجموعات شبابية متهمة بالانتماء لجماعات “جهادية” على اختلاف تنوعاتها، ربما كانت أبرزهم حادثة البقعة عندما تمكن شاب من هؤلاء في شهر رمضان الماضي لا يزيد عمره عن 22 عامًا من اقتحام مقر مخابرات البقعة غربي العاصمة عمان وقتل خمسة من عناصر الأمن والإفلات لـ12 ساعة قبل إلقاء القبض عليه.
المحاكمة في هذه القضية بدأت في الأسبوع الماضي، وفي الحيثيات ثمة إيحاء مباشر بأن الشاب عبارة عن ذئب منفرد تحرك بفتوى أطلقها الرجل الثاني في تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أبو محمد العدناني عندما أصدر شريطًا طلب فيه عدم إرسال “مقاتلين” للعراق وسوريا بسبب ضعف الإمكانات المالية والبحث عن عمليات “جهادية محلية” من المرجح أن عملية البقعـة كـانت استجابة لهذا التوجيه.
قلق من الذئاب المنفردة
الأوساط المجتمعية الأردنية ومعها الرسمية لا تخفي قلقها من انتشار هذه الاستراتيجية بين الشباب الأردني الذي اتضح أن الفكر السلفي الجهادي بدأ يتمدد بينه بشكل غير مسبوق، حيث تؤكد تصريحات رسمية الاشتباه بوجود عشرات الشباب المتحفزين أو الذين يمكن التأثير فيهم من قبل الفكري السلفي الجهادي.
يبدو أن هناك إقرار بفشل الاستراتيجيات الأمنية في الأردن في مواجهة الفكر السلفي الجهادي، بدليل ظهور إحصائيات تؤكد أن المحاكم الأردنية تنظر قضايا أكثر من 60 شابًا يمكن حسابهم على استراتيجية الذئاب المنفردة لجماعات جهادية مختلفة.
قبل ذلك كانت دراسة ألمانية قد تحدثت عن نحو 4400 أردني ضمن كوادر تنظيمات “جبهة النصرة” – جبهة فتح الشام حاليًا – وتنظيم داعش في العراق وسوريا، ويبدو أن المعطيات صحيحة عندما يتحدث مختصون عن وجود أردنيين في صفوف قيادية متقدمة في الأطر الشرعية وحتى القتالية عند التنظيمين.
كما ظهرت أرقام أخرى تتحدث عن “انضمام” فعلي لنحو 3100 أردني من الفئة العمرية ما بين “16- 30” إلى تنظيمات جهادية مصنفة على قوائم الإرهاب من الدولة الأردنية.
ويشار إلى أن هذه المعطيات الرقمية تتداولها حاليًا “خلايا تفكير وبحث” داخل مؤسسات سيادية أردنية كلفت بتوفير إستراتيجيات وقاية لهذه الظاهرة.
تاريخ ظهور التيار السلفي الجهادي بالأردن
ظهر التيار السلفي الجهادي في الأردن منتصف تسعينات القرن الماضي مع محاكمة الأردن لما عرف بتنظيم “بيعة الإمام” في العام 1994.
وحوكم حينذاك عدد من أفراد التيار على رأسهم منظره عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي)، وأحمد فضيل الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي)، ويومها كان يسمى تيار “الموحدين”.
وشكلت المحاكمة أول ظهور للتيار في الأردن، وظهر المقدسي والزرقاوي كقائدين للتيار، وشكل السجن أول محطة خلاف بين القياديين، وبرز فيما بعد كخلاف منهجي في قيادة التيار ومساره.
ظل الخلاف بين جناحي التيار واضحًا خاصة بعد انتقال الزرقاوي إلى العراق، وقيادته تنظيم القاعدة هناك حيث انضم إليه مئات السلفيين الجهاديين بالأردن، فيما كان آخرون قد انخرطوا في معارك القاعدة في الشيشان وأفغانستان.
وقد قدرت مصادر مستقلة عدد أفراد التيار في الأردن في 2011 بنحو ألف فرد دون اعتبار أسرهم، واعتقل الأمن الأردني في أبريل 2011 نحو 160 من أعضاء وقادة التيار، وقرر تحويلهم لمحكمة أمن الدولة بتهم مختلفة بعد المواجهة التي حصلت معهم في مدينة الزرقاء منتصف الشهر نفسه.
وكذلك انطلقت عملية التجنيد بين المناطق الأردنية المختلفة مع اندلاع الثورة السورية، حتى اعتبر الجهاديون الأردنيون أحد أكبر مزودي مزودي التنظيمات الجهادية في سوريا بالمقاتلين.
مصادر عديدة تحدثت عما يقارب 2000 إلى 2500 أردني يقاتل تحت راية تنظيمات جهادية مختلفة في سوريا والعراق، أحد هذه المصادر معهد كارنيجي للشرق الأوسط الذي قدر عددهم بنحو 700 إلى 1000، وبذلك يحتلون المرتبة الثانية مباشرة بعد الجهاديين التونسيين من حيث الانضمام للتنظيمات الجهادية.
يُشار إلى أن هناك انقسامًا بين السلفية الجهادية في الأردن بين القاعدة وتنظيم الدولة “داعش”، هذه الفوارق تعود إلى خلافات فكرية ومنهجية قديمة تعود إلى ما بعد خروج المقدسي من السجن في 2005، حين أعلن خلافه مع منهج الزرقاوي من خلال ما عرف برسالة “المناصرة والمناصحة” التي وجهها للزرقاوي، وأنكر فيها عليه الكثير من أعمال القاعدة في العراق خاصة استهداف الشيعة والمسيحيين.
أما الآن فالواقع يقول لإن الجيل القديم من السفلية الجهادية الأردنية يفضل الانتماء إلى القاعدة التقليدية، بينما مجموعات الشباب الجديدة هذه فرأت في نموذج “داعش” النموذج الأقرب إليهم، خاصة مع سهولة الانتقال للقتال في سوريا منذ اندلاع الثورة.
هذا وتخشى التيارات المجتمعية المختلفة من مرور الحركة الإسلامية غير الجهادية في الأردن من تشرذمات واسعة “وخاصة الإخوان المسلمين”، الأمر الذي يجعل شبابهم أكثر عرضة لتبني هذه الأفكار والمنهجيات في الفترة القادمة، وهو ما قد يشكل كارثة مجتمعية على مستوى الأردن.