منبر صلاح الدين الأيوبي ومحراب زكريا وثلاثة أروقة وعمودان رئيسيان وقبة خشبية و74 نافذة خشبية وجميع السجاد العجمي فضلًا عن أجزاء من القبة الداخلية للجامع القبلي بالمسجد الأقصى المزخرفة والجدران الجنوبية و48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبص والزجاج الملون وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
هي حصيلة ما تم إحراقه بالمسجد الأقصى منذ 47 عامًا، وعلى خلاف الرواية الشهيرة عن ذلك السائح الأسترالي الذي قام بإضرام النيران بالجامع القبلي وادعاء جنونه للإفلات من أي مساءلة، إلا أن الاحتلال نفسه كان شريكًا رئيسيًا بتلك العملية، بل لن أبالغ إذا ادعيت أنه من قام بالتخطيط لتلك العملية الذي لا يعلو في إرهابها شيء.
لم تكن مصادفة اشتعال ألسنة اللهب في أكثر من موضع في آن واحد، ولم تكن مصادفة انقطاع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، كما أن شرطة الاحتلال قد حاولت منع المواطنين وسيارات الإطفاء من الاقتراب لإطفاء الحريق.
واستنادًا لاستنتاجات المهندسين والخبراء، فإن الذي شارك في الحريق أكثر من شخص واحد، بالرغم من أنهم حصروا المسؤولية عن الحريق بشخص واحد وهو “روهان” لأنه اُكتشف وتم القبض عليه.
والسؤال الآن، هل من المنصف أن ندعو المتورط المعروف اسمه لنا “بالمتطرف” كما يقول الجميع؟
والحقيقة أنه لشيء في غير موضعه، فتوصيف من قام بإحراق الأقصى بالتطرف يصرف هذا التوصيف – أي التطرف – عن أشقائه من المحتلين أو أي شخص يعيش على تلك الأرض بجنسية غير الفلسطينية، وهذا هو النهج الذي تبعه مسار دخلت فيه بعض الدول العربية حتى وصلت إلى ما نسميه التطبيع، في حين أن تلك الدول تسميه علاقات دبلوماسية.
فتوصيف التطرف ينطبق بدرجة واحدة على كل مستوطن جاء إلى أرض فلسطين، وعلى الكيان المحتل نفسه، وعلى كل من يدعي اليهودية بالنهج المفتعل الداعي إلى إقامة الهيكل المزعوم وما يأتي في جنباته من هدم للمسجد الأقصى فضلًا عن كل ما يحويه العهد القديم من عبث يحيق بالفلسطينيين بل يحيق بغير اليهودي.
لم يكن حريق المسجد الأقصى الجريمة الوحيدة للاحتلال بالحرم المقدس، فقبل هذا الحدث يوم 7/6/1967 سيطرت قوات الاحتلال على حائط البراق، وبعد أربعة أيام هدمت حي المغاربة بالكامل، وحوّلت الحائط والساحة الكبيرة التي أنشئت إثر هدم حي المغاربة إلى ساحة وكنيس كبير للصلوات اليهودية.
وبعد الحريق أيضًا توالت الهجمات من مجازر واقتحامات وتدنيس، ففي يوم 11/4/1982 اعتدى أحد جنود الاحتلال ويدعى هاري غولدمان على الأقصى بعدما اقتحمه، وتوجه نحو قبة الصخرة، وأطلق النيران بشكل عشوائي على المصلين، ما أدى لاستشهاد مواطنين، وجرح أكثر من ستين آخرين.
ذلك فضلًاعن الاقتحام الذي كان السبب في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ففي 28/9/2000 اقتحم زعيم حزب الليكود أريئيل شارون وعدد من أعضاء حزبه الأقصى ودنسوه، تحت حماية نحو 3000 جندي، وفي اليوم التالي 29/9/2000 ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة في المسجد، استشهد فيها 5 فلسطينيين وأصيب 200 آخرين بجروح.
ولكن كان الحريق بمثابة نقطة فاصلة، فدونه الهدم، والمعيار كان وللأسف رد الفعل العربي والإسلامي والذي اقتصر وكالعادة على الشجب والإدانة.
إن النيران التي اشتعلت منذ 47 عامًا لا تزال قائمة في نفس كل مسلم على وجه الأرض وبالأخص كل فلسطيني، فما بالك بالمقدسيين أنفسهم، إن تلك ليست مقارنة لأن من المفترض أن الرابط واحد ولكن في ظل تقديم المصالح السياسية وحرص كل حكومة على الحفاظ على دولتها – من المنظور الضيق – وما رافق ذلك من رضوخ لكيان الاحتلال وحلفه، تحول فكر الدول الإسلامية بأن أصبحت القضية الفلسطينية قضية أمر واقع، والقدس شرقية وغربية، أو شمالية لا بأس! والمسجد الأقصى حرم مقدس بالكلام فقط دون الفعل.
إن الإقدام على حرق المسجد الأقصى لا يعد جريمة عرضية ولا أقصد العكس منه أنها جريمة مرتبة، ولكن القصد من وراء ذلك أن ما حدث وما يحدث هي هجمة على أولى القبلتين وثالث الحرمين، فإن لم نستطع أن نضع كل موقف في نصابه، و أن يتم الرد على أي انتهاك على قدر المنتهك فلن نكون أمناء على الإرث الذي تركة لنا الله.