“إننا نحذر العدو من أي مكر أو مغامرة، فلن تجدوا منا سوى ما علمتموه وما لم تعلموه بإذن الله”، كلمات أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام إلى ساسة الاحتلال الصهيوني الذين حفظوا درس المقاومة الفلسطينية عن ظهر قلب، إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان المتعجرف وبخلاف عادته المجنونة تمالك نفسه هذه المرة حتى غادر أبو عبيدة مهرجان الشهادة والانتصار الذي أقيم في مدينة رفح جنوب القطاع، وعادت مجموعات القسام إلى قواعدها بعد أن خرجت في عرض عسكري مهيب في تحد واضح للاحتلال الصهيوني، ليجرؤ ليبرمان بعد ذلك ومن خلفه حكومة الاحتلال على إعطاء الأوامر لطائراته بقصف قطاع غزة بأكثر من ستين غارة وقذيفة مدفعية طالت المناطق الحدودية والأراضي وبعض معسكرات المقاومة، أصيب خلالها بحمد الله ثلاثة فلسطينيين.
كان مهرجان الشهداء في مرمى طائرات الاحتلال وحكومته وجميع مكونات هذا الكيان الغاصب تتابع بحذر خطاب أبو عبيدة الذي وجه عدة رسائل في سياقات مختلفة، فأعطى أولوية في حديثه للأسرى في سجون الاحتلال، متوعدًا أسرى الاحتلال لدى المقاومة بمعاملة مثيلة لما يلاقيه أسرانا من انتهاكات في السجون الصهيونية، ولا بد أن تحمل الأيام القادمة تحسنًا ولو طفيفًا في الواقع الذي يعيشه الأسرى الفلسطينيون، خاصة أن رسالة القسام فيها دلالة واضحة على وجود أسرى صهاينة أحياءً في قبضة المقاومة، مما سيشكل حرجًا إضافيًا لحكومة الاحتلال أمام الجمهور الصهيوني عامة وعائلات الجنود المفقودين في قطاع غزة.
كذلك رسالة المقاومة إلى الاحتلال بأن استمراره في حصار غزة لن يزيد أهالي القطاع إلا تمسكًا وتشبثًا بمقاومته الكفيلة بإنهاء هذا الحصار وردع الاعتداءات الصهيونية المستمرة بحق سكان قطاع غزة.
بكل تأكيد نستطيع أن نوصف هذا التصعيد الصهيوني بحفظ ماء الوجه لحكومة الاحتلال أمام جمهورها الصهيوني الذي أتى ردًا على صاروخ سقط في مستوطنات غلاف غزة، وهم الآن ينتظرون ما سترد به المقاومة الفلسطينية، وهذا يدلل على أن المقاومة في قطاع غزة هي صاحبة القرار في هذا الصراع وصاحبة المبادرة والاحتلال مجرد متلقٍ أمام عظمة المقاومة، وكذلك فإن الاحتلال يتمنى على المقاومة أن ترد بشكل محدود لكي لا تزيد من إحراجه وانكسار هيبة الحكومة أمام المجتمع الصهيوني.
لا بد أن تدرس المقاومة الفلسطينية خيارات الرد وأن تدرس جميع الحسابات وتضع التوقعات، ولا بد من رد على هذه الاعتداءات الصهيونية التي تعتبر بالون اختبار لقدرات المقاومة الفلسطينية التي فاجأت في كل حروبها العدو بقدراتها وإمكانياتها المتطورة في كل عدوان عن الذي يسبقه.
ويشكل الدعم الشعبي للمقاومة التي خرجت منتصرة في ثلاثة حروب جاءت في ظل حصار صعب، دعمًا حقيقيًا للمقاومة في أي مستوى من الرد تتخذه المقاومة، وكل ذلك على الرغم من الفاتورة الكبيرة التي دفعها أهالي القطاع خلال الاعتداءات الصهيونية على القطاع المحاصر.
حالة ترقب حذر تضرب المجتمع الصهيوني حكومة وشعبًا مع انتظار رد المقاومة الفلسطينية، والذي على أساسه ستحدد ماهية الوضع في القطاع خلال الأيام القادمة، فهل سنشهد حربًا صهيونية وعدوانًا جديدًا على القطاع، أم أن حكومة الاحتلال ستبلع “الموس على الحدين” لأنها لا ترغب بخوض حروب جديدة مع المقاومة الفلسطينية لأنها تدرك حجم الخسارة التي ستدفعها في أية عملية عسكرية ضد قطاع غزة، الأمر الذي سيرفع من فاتورة الأسرى من جنود الاحتلال ليضافوا إلى ما يتوفر لدى المقاومة الفلسطينية.
في المقابل المقاومة الفلسطينية تؤكد جهوزيتها للرد على أية اعتداءات صهيونية وفي ذات الوقت لا تحبذ الخوض في حروب جديدة مع استمرار الحصار لإدراكها حجم الخسائر التي ستحل في قطاع غزة على مستوى الضحايا والخسائر في البنى التحتية المدمرة أساسًا في القطاع، وذلك في ظل التطوير المستمر للمقاومة لقدراتها العسكرية لأنها تعتبر نفسها في حرب مفتوحة مع الاحتلال.
ما بعد الاعتداءات الصهيونية سيناريوهات مفتوحة وزمام المبادرة بيد المقاومة الفلسطينية التي ستحدد خياراتها سريعًا وربما تتجاوز حدود توقعات الاحتلال الصهيوني، إن علمنا أن بمقدور المقاومة الرد في المكان المناسب خارج قطاع غزة، بالتالي البعد الجغرافي لرد المقاومة ليس مرتبطًا بقطاع غزة، وليس من الضروري أن يربط بالاعتداء على قطاع غزة أن يكون الرد من القطاع، فكل المناطق الفلسطينية مشروعة للمقاومة من الضفة والقدس المحتلة، وربما نرى عودة سريعة للعمليات الاستشهادية في المدن الفلسطينية المحتلة.
أعتقد أنه من الضروري أن توسع المقاومة الفلسطينية دائرة اللعبة وتغير من سياسة الرد باعتبار أي بقعة في فلسطين هي مكان مناسب للرد على أي اعتداء صهيوني في منطقة أخرى، لتجعل الاحتلال يعيش في دوامة غير منتهية ويعيد حساباته في أية حماقات مستقبلية.
كذلك الواجب الديني والوطني يحتم على أبناء فلسطين في الضفة والقدس المحتلة أن يتحركوا لرد العدوان عن أهلهم في قطاع غزة وأن يوسعوا دائرة المواجهة مع الاحتلال ويشتتوا أنظاره، ولا بد من توسيع لعمليات الضفة والقدس في هذه الأثناء ليدرك الاحتلال أن أية حماقة في غزة سيكون الرد في عقر داره الذي اغتصبه وبين جمهوره الذي سيدفع الفاتور الأكبر.
وقبل أن أنهي هذا المقال بدقائق كانت طائرات الاحتلال قد غادرت أجواء قطاع غزة، تجر أذيال الهزيمة والجبن بعد أن عرفت أن قطاع غزة رغم الحصار والوضع الكارثي لا يزال قادرًا على المبادرة والتحدي والصمود في وجه الاحتلال الصهيوني مستندًا إلى مقاومته الباسلة التي تلقن الاحتلال يومًا بعد آخر دروسًا في إدارة الحروب وتحقيق الانتصار تلو الآخر.