من جديد عاد التوتر والتصعيد العسكري على قطاع غزة ليقول كلمته القوية، ويُسيطر على المشهد المحلي والعربي والدولي، بعد شن الطائرات الحربية الإسرائيلية والمدفعية أشرس وأعنف هجوم على أهداف متفرقة من القطاع منذ انتهاء الحرب الأخيرة صيف العام 2014.
فخلال ساعات قليلة من ليلة أمس، قصفت الطائرات والمدفعية الإسرائيلية بأكثر من 65 غارة، مناطق متفرقة من شمال القطاع حتى أقصى جنوبه، أسفرت عن وقوع إصابات في صفوف الفلسطينيين، إضافة لتدمير كبير في البنية التحتية وبعض المنشآت.
الغريب في سلسلة الغارات الإسرائيلية المكثفة، والتي جعلت ليل أهل القطاع ساخنًا مع ترقب وحذر كبيرين يسيطران على المشهد الداخلي، أنها جاءت بذريعة إطلاق المقاومة الفلسطينية صاروخًا واحدًا فقط على البلدات الإسرائيلية المحيطة في القطاع.
تغيير معادلة الرد
فمنذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، نشأت بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، آلية التناسب بين الفعل ورد الفعل، صاروخ من غزة يقابله آخر من الاحتلال، لكن على غير عادته رد جيش الاحتلال الإسرائيلي، على سقوط قذيفة صاروخية واحدة من غزة، بنحو 65 غارة على القطاع المحاصر، في أول اختبار لسياسة قائد الجيش الجديد الأكثر تطرفًا، أفيغدور ليبرمان.
المحلل السياسي الفلسطيني عدنان أبو عامر، كتب على الـ “فيسبوك” إن قصف الأحد، يشير إلى تغيير جدي في معادلة الرد، في حين قال المحلل إبراهيم المدهون: إن “العدوان محدود ولن يتوسع، وألمح فيه استعراضًا من قبل وزير الحرب ليبرمان، إلا أنه لم يكسر قواعد اللعبة ولم يتطور لجلب رد قوي من المقاومة”.
وشن الطيران الحربي الإسرائيلي، منتصف الليل، غارات متفرقة، بالإضافة إلى قصف مدفعي من الآليات على مواقع عسكرية تتبع فصائل المقاومة.
الناطق بلسان جيش الاحتلال قال: إن “الجيش نفذ سلسلة من الهجمات على أهداف وبنى تحتية لحماس بقطاع غزة، وذلك ردًا على الصاروخ الذي استهدف بلدة سديروت ظهر الأحد”.
حركة حماس، بدورها حملت الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن التصعيد في قطاع غزة، مؤكدة أنه يأتي في سياق مواصلة الاحتلال العدوان على الشعب الفلسطيني والرغبة في خلق معادلات جديدة في القطاع.
وأكدت الحركة، أن هذا العدوان الإسرائيلي لن يفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو فرض أي معادلات جديدة في مواجهة المقاومة.
رسائل التصعيد
الخبير في الشؤون الإسرائيلية فادي عبد الهادي، قال إن :”القصف العنيف من سلاحي المدفعية والجو الذي استهدف شمال قطاع غزة، ردًا على إطلاق صاروخ نحو مدينة سديروت، يحمل رسالتين الأولى موجهة ضد منتقدي وزير الحرب أفيغدور ليبرمان والثانية موجهة للمقاومة في غزة.
وأكد عبد الهادي، أن الرسالة الأولى التي أراد وزير الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه ليبرمان إيصالها إلى منتقدي منح الأخير حقيبة وزارة الحرب أنه قوي وقادر على إدارة ملف الوزارة.
الخبير عبد الهادي أضاف قصف الليلة لا يعدو كونه رسالة موجهة إلى منتقدي نتنياهو وعلى وجه الخصوص وزير الحرب السابق موشيه يعلون، ووزير الحرب الأسبق إيهود بارك الذين اتهموا ليبرمان بقلة درايته العسكرية، مشيرًا إلى أن القصف لا يعدو كونه رسالة إثبات ذات من طرف ليبرمان.
وحسب الخبير عبد الهادي فإن إعطاء ليبرمان تعليمات للجيش بالرد بقوة ضد قطاع غزة الهدف الأول منه تعزيز مكانته كوزير للحرب في ظل الانتقادات التي يواجهها.
أما الرسالة الثانية فهي موجهة للمقاومة في غزة ومفادها أن تكرار إطلاق صواريخ من غزة نحو إسرائيل في المرة القادمة يعني مقابلته برد أشد وأعنف مما حدث مؤخرًا.
في حين، اتفق الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون مع سابقه عبد الهادي في أن العدوان الإسرائيلي محدود ولن يتوسع، وقال المدهون في تدوينه على صفحته الشخصية على الفيسبوك “ألمح فيه استعراض من قِبل وزير الحرب ليبرمان، إلا أنه لم يكسر قواعد اللعبة ولم يتطور لجلب رد قوي من المقاومة”.
وتوقع المدهون في حال استهدف العدوان شخصيات أو ارتكب جرائم كبيرة بحق المدنيين أن تتهيأ الظروف نحو مواجهة واسعة، غير أنه استبعد السيناريو الأخيرة على الأقل في المرحلة الحالية.
من جهته، قال اللواء العسكري الفلسطيني المتقاعد واصف عريقات، :”إننا أمام قيادة إسرائيلية تعلن أن شن حرب قاسية على غزّة احتمال قائم، ويبقى التحدي الحقيقي أمام تل أبيب متمثلًا بمخاطر هذا السيناريو، نظرًا لتبعاته التدميرية، فأي دمار تحدثه إسرائيل لن يقتصر على غزة، لما يملكه الفلسطينيون من إمكانات عسكرية قد تتسبب بدمار مماثل، ولو أقل نسبيًا، في المدن الإسرائيلية، ومع أن إسرائيل تمتلك قوّة فتاكة وقنابل تستهدف في غزة كل شيء كالمباني والجسور والشوارع والبنية التحتية ومحطات الكهرباء، لكنني أعتقد بأن تبقي إسرائيل على سياسة جز الأعشاب مع المقاومة الفلسطينية في غزّة بين عام وآخر، من دون خوض الحرب الشاملة”.
الحرب الأعنف
وتترافق تخوفات الفلسطينيين من الحرب القادمة وتحذيرات المحللين والمراقبين من خطورتها، التهديدات التي تصدر عن قيادة الجيش الإسرائيلي، فهدد مصدر عسكري إسرائيلي مقرب من وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في 15 حزيران/ يونيو، حماس بأن الحرب المقبلة ستشمل تدمير حكمها في غزة، ويجب أن تكون الأخيرة معها، فإسرائيل لا يمكنها خوض حرب استنزاف لا تنتهي معها بين عام وآخر، ولذلك فالمواجهة المقبلة هي الأخيرة بالنسبة إلى حماس، وهي آتية عاجلًا أم آجلًا.
وأشار قائد سلاح المشاة في الجيش الإسرائيلي كوبي براك بـ 30 حزيران/ يونيو إلى أن الحرب المقبلة مع غزة ستكون شرسة، وستشهد معارك تحت الأرض وفوقها، مشبّهًا إيّاها بالحرب العالمية الثانية، لأن إسرائيل ستتلقّى نيرانًا كثيفة، وسيطلق الفلسطينيون الصواريخ المضادة للدبابات، وسيتسللون داخل مستوطنات غلاف غزة.
لم تتوقف التصريحات الإسرائيلية ضد حماس عند الحديث الإعلامي، بل إن الجيش الإسرائيلي خاض في الأسابيع الأخيرة سلسلة تدريبات ميدانية، تحاكي سيناريوهات عسكرية قد تشهدها الحرب المقبلة على غزة المحاصرة.