يعد التحدي الاقتصادي أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة التونسية الجديدة برئاسة يوسف الشاهد، فحتى الآن على الأقل فشل خمسة رؤساء حكومات في النهوض باقتصاد البلاد المتعثر منذ الثورة التي أطاحت برئيس البلاد زين العابدين بن علي قبل خمس سنوات.
ولعل ما يؤخذ على حكومة الشاهد، رئيسها القادم من أوساط الرئيس التونسي السبسي وهذا ما اعتبرته بعض الأحزاب أنه عودة للسيطرة المطلقة للرئيس وهو بالإضافة لذلك، شخصية غير توافقية لا تتمتع بخبرة سياسية كبيرة تحفظت عليه بعض أحزاب المعارضة مثل كتلة الجبهة الشعبية التي تضم أحد عشر حزبًا سياسيًا.
ويعد الشاهد أصغر رئيس وزراء يكلف بهذا المنصب في تاريخ تونس الحديث، إذ يبلغ من العمر 41 عامًا، حيث سبق وأن تولى حقيبة الشؤون المحلية بالوزارة السابقة، ومناصب قيادية في حزب نداء تونس منذ تأسيسه عام 2012.
حتى الآن على الأقل فشل خمسة رؤساء حكومات في النهوض باقتصاد تونس المتعثر منذ اندلاع الثورة
إلا أن ما يفترض أن يميز هذه الحكومة أنها حكومة تكنوقراط تبتعد عن المحاصصة السياسية، على الرغم من أن أكبر حزبين في الائتلاف الحاكم (حزب النهضة ونداء تونس) أصرّا على رفع مستوى تمثيلهما في الحكومة المقبلة.
الظروف السيئة التي مرت بها تونس خلال السنوات الماضية جعلت من اقتصاد البلاد ومؤشراته الرئيسية ينحدر بشكل أثر على الثقة العامة في الاقتصاد، وهذا الأمر أدى إلى اتساع رقعة الفساد في البلاد للدرجة التي بدأت تعيق برامج الحكومة في الإصلاح، وتعمل على إفشالها.
الأزمة الاقتصادية الهاجس الأول
خلال خمسة سنوات مضت تشكل في الاقتصاد التونسي غلاف من الفساد تراكم مع الوقت ليشبهه البعض بالاقتصاد الموازي إذ بات يحاكر الاقتصاد النظامي على مقدراته وموارده، هذا الفساد تغلغل في كل مفاصل الدولة بشكل أصبح من غير السهل اقتلاعه، إذ باتت ترتبط بمصالح ورجالات ساهمت في إفشال جهود الحكومات السابقة في التخلص من مشاكل الاقتصاد، وعلى الرغم من أن الشاهد قال إنه سيشن حربًا لا هوادة فيها على الفساد إلا أن هذا لا يدعو للتفاؤل المفرط، فالحكومة هي الأخرى ستواجه حربًا بنفس القدر التي ستشنها على الفاسدين المنتفعين المتغلغلين في الدولة ومفاصلها.
وفي يوم تكليفه بتشكيل الحكومة صرح الشاهد للصحفيين “هذه الحكومة ستشتغل على البرنامج الذي جاء مع وثيقة قرطاج مع التركيز على 5 أولويات أساسية، أولًا كسب المعركة ضد الإرهاب، ثانيًا إعلان الحرب على الفساد والفاسدين، ثالثًا الرفع في نسق النمو لخلق الشغل، رابعًا التحكم في التوازنات المالية (العامة للدولة)، وخامسًا مسألة النظافة والبيئة”.
لم يظهر حتى الآن بشكل واضح الأيديولوجية التي سيدير فيها الشاهد اقتصاد البلاد والكيفية التي سيعالج فيها المشاكل الاقتصادية في مختلف القطاعات، إلا أنه يعرف عن الشاهد أنه ذو توجه ليبرالي يدعو لتحرير الأسواق وتحرير القوانين بحيث يسمح للقطاع الخاص باستلام زمام الأمور أكثر، إذا أُخذ في الاعتبار أطروحة الدكتوراة التي قدمها في باريس عام 2003 والتي دعا فيها إلى تحرير القطاع الفلاحي في تونس بشكل كامل، وهذا قد يشي بشيء من الخلفية الفكرية التي يحملها الشاهد والطريقة التي قد يتعاطى فيها مع اقتصاد البلاد.
فالحكومة تواجه أجندة ثقيلة الحمل، قد لا يجعلها مؤهلة للقيام لكل ما هو مطلوب، بدءًا من الوضع السياسي والأمني الهش الذي يؤثر على السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية، فضلًا أنه يترتب على تونس سداد ديون خارجية كبيرة في العام المقبل، بالإضافة إلى هاجس رفع حجم واردات البلاد المتهاوية وتخفيض نسب البطالة بين الشباب وتحسين الظروف المعيشية وتسوية إضرابات آلاف العمال التي تكررت خلال الفترة الماضية.
وما يدعم توجهه الليبرالي وتحرير الأسواق، أنه يتقاطع فكريًا مع المقاربات الأمريكية إذ عمل قبل الثورة في قسم الزراعة الخارجية في السفارة الأمريكية في تونس ومثّل الولايات المتحدة بصفة عضو مراقب في المؤتمر الإقليمي لإفريقيا الذي نمته الفاو في تونس عام 2014.
الأمر المهم الآن ليست الأزمة الاقتصادية بحد ذاتها وما فيها من أرقام ومؤشرات تنبئ عن أضرار جسيمة في الاقتصاد التونسي على مر السنوات الماضية، سوى أن الأهم الآن بالنسبة للحكومة هو الطريقة التي ستنتهجها في معالجة الأزمة الاقتصادية.
الحكومة ستشتغل على 5 أولويات، أولًا كسب المعركة ضد الإرهاب، ثانيًا إعلان الحرب على الفساد والفاسدين، ثالثًا الرفع في نسق النمو لخلق الشغل، رابعًا التحكم في التوازنات المالية (العامة للدولة)، وخامسًا مسألة النظافة والبيئة.
فلا شك أن الحكومة تعي جيدًا تأزم الوضع الذي وصل إليه تونس واقتصادها، فهل يصغي الشاهد لصوت صندوق النقد الدولي ويبدأ بفرض إجراءات تقشفية وخفض الدعم على المواد الاستهلاكية وإصلاحات على مستوى العديد من القطاعات الاقتصادية في البلاد، لجذب الاستثمارات الأجنبية وإعادة الثقة في الاقتصاد التونسي فضلًا عن تعزيز دور السياحة من جديد بعدما تعرض لهزات عديدة، وبالتالي يثققل كاهل الحكومة بأكثر مما عليها الآن من قروض والتزامات خارجية عليها سدادها في الأشهر المقبلة، علمُا أن هذا الحل له ما قبله وما بعده في آثاره السيئة على الشعب والعمال في مختلف الطبقات، أو أن يكون لدى الشاهد برامج تحفيز اقتصادية أخرى يعتمد فيها على المجتمع المحلي ويحارب فيها الفساد لإرجاع موارد ومقدرات الاقتصاد، وبهذا قد يدخل دوامة الحكومات السابقة في محاربة الفساد وإضاعة الوقت.
من الواضح أن تونس تحتاج لشخصية توافقية في الدرجة الأولى تلتف حولها كل الأحزاب السياسية وعلى نفس المستوى على تلك الشخصية أن تمتلك الخبرة في التعامل مع المشاكل والأزمات التي تحيط في البلاد وإبداع طريقة بحيث يتحمل كل من الشعب والحكومة التكلفة اللازمة حتى ينهض الاقتصاد ويستعيد الثقة فيه. وحتى ذلك الوقت يبقى الجواب في رحم الأشهر القادمة بما ستحمله من قرارات وإجراءات من حكومة الشاهد، يتبين فيها طريقة إدارة الاقتصاد والقضاء على الأزمة في البلاد.