مظلوم ومظلومة، طفلان مصريان من ملايين الأطفال في مثل عمرهما، ما بين السادسة والثانية عشر في مختلف صفوف المرحلة الابتدائية يعانون أشد المعاناة في تعلم لغتهم العربية بالإضافة لتعلم اللغة الإنجليزية بجوارها كما تقتضي مناهج التعليم في بلادنا.
ليست مشكلة مظلوم ومظلومة أنهما يعانيان من تأخر عقلي يمنعهما من استيعاب لغتهم، لكن مشكلتهما الحقيقية الفقر الذي يعانون منه، فالوالدان في حالة مادية صعبة، وفي الغالب يكونا منفصلين أو يكون الأب في ذمة الله، وتتعقد المشكلة أكثر عندما لا يوجد من يساعدههما في متابعة دروسهما التي يتلقيانها في المدرسة.
ولا يقف الأمر عند هذا، فنظام التعليم في مدارسنا، ونوعية المدرسين الحالية، وكثافة الفصول، وجدول الحصص الواجب الالتزام به، فوق أنهما لا يلتحقان أبدًا بروضة للأطفال قبل المدرسة كل هذا يجعلهما في وضع غير حقيقي من اللامساواة مع زملائهما الذين ينعمون بوالدين في حالة مادية جيدة تمكنهم من إلحاقهم بروضة قبل الدراسة الابتدائية يتعلمون فيها حروف الأبجدية وأرقام الحساب، وإن لم يحدث فهناك الدروس الخصوصية التي تساعدهم والإخوة الذين يساعدونهم في المنزل بجوار الآباء والأمهات المعلمات.
ليس الأمر يقف هنا، لا، ولكن هناك عقبة أخرى تواجه مظلوم ومظلومة تقضي على أي آمال لهما في مستقبل يضمن حد أدنى من الحياة الكريمة تتمثل في المعاملة القاسية والتهميش الذي يعاملان به من المعلمين ومن إدارة المدرسة ومن زملائهما الذين يتعجبون من فشلهم الذريع في قراءة أو كتابة حروف الأبجدية التي يجيدونها ببراعة، في حين أن مظلوم ومظلومة لا يعرفان عنها شيئًا كتابة أو قراءة، ويجدان مشقة كبيرة جدًا في تعلم بعضها إن وجدا من لديه الوقت لتعليمهم إياها.
لا يفكر أحد في مشكلة مظلوم ومظلومة، سوى في كيفية التخلص من عبئهما بأقل تكاليف، فالمدرسة تؤدي ما عليها حسب ما يأمر القانون، فينتقل مظلوم ومظلومة من صف إلى آخر بقوته التي لا يقف في وجهها ضمير ولا مهنة ولا خلق، ينتقلان من صف لآخر، دون أن يدريا كيف ولماذا؟ بالغش تارة، وبالرأفة أخرى، وبالخوف من فقدان المدرسة تقييمها الإيجابي ومن ثم مكافآت أسرتها التعليمية تارة ثالثة.
لا ينتهي الأمر هنا، فسرعان ما تكتشف الأمور في الشهادة الابتدائية، لكن لا بأس، فالغش المتطور ينجيهما من أي محاولة أخيرة لاكتشاف الكارثة التي تحل بهما عبر الكتابة لهما من قبل المراقبين، وتستمر الأمور هكذا حتى يتخرجا من مدرسة ثانوية صناعية أو زراعية ليصبحا عاملاً أو مزارعًا أو ربة بيت أو مهنيًا أيا كان من الذين يملأون المحروسة غشًا وتدميرًا وسلبية ومن الذين يشترون بدراهم قليلة أيام الانتخابات وممن يستغلونهم من مدعي الوطنية أو التدين.
وليس هذا فحسب، لكن غالب هؤلاء من أشقاء مظلوم ومظلومة، يصبحون آباءً وأمهات، ويسألون عن تربية أجيال جديدة لأنهم يتزوجون في سن صغيرة بتكاليف بسيطة، وما ينتج عن هذا من دائرة لعينة من الفقر والجهل والمرض.
وأخيرًا، وليس آخرًا، فإن النسبة الغالبة من أشقاء مظلوم ومظلومة يتسربون من التعليم في المرحلة الابتدائية، في الغالب، بفعل كراهيتهم للمدرسة والمعلم ولأنفسهم، حيث يضيقون ذرعًا بنقص قدراتهم، وسوء معاملة معلميهم، واستهزاء أقرانهم بهم، وإهمال أبويهم أو الموجود منهما لهم، حيث يتخرجون في الشارع ويتلقفهم كل جاف قاس يستغلهم بطريقته ولحسابه، فيدمر طفولتهم ومستقبلهم واجتماعنا الإنساني، عبر إخراج جيل لا يعرف سوى كراهية وتدمير كل شيء.
ترى من المسؤول الحقيقي عن مأساة مظلوم ومظلومة وأشقائهما بعيدًا عن نظام تعليمي فاشل وسيظل فاشلاً في ضوء حكومات لا تجد أفضل من مظلوم ومظلومة وأشقائهما درعًا واقيًا من أي تغيير حقيقي؟
ترى أي عار على من يدعون علمًا وثقافة من أمثالي في التقصير في حقهما؟ وأي خزي وندامة لأمثالي ممن ينفقون آلاف الجنيهات على المصايف والمشاتي، وعلى الترفيه، وعلى الاستهلاك المنفلت تمامًا من حدود المنطق والعقل؟
ترى أي عار يلحق هؤلاء الذين يحجون ويعتمرون ليل نهار إن وجدوا لهذا السفه المتدثر بالدين سبيلا؟ وهؤلاء الذين يمضون آلاف الساعات أما شاشات الكمبيوتر والفضائيات ومع التليفونات المحمولة ينفقون عليها المبالغ الطائلة شهريًا، وغيرهم كثير من الذين ينفقون في الأفراح والمآتم والانتخابات، وكل أنواع التفاهات ملايين الجنيهات يوميًا وشهريًا، وغيرهم من الذين ينفقون مثلها على المقاهي وغيرها من وسائل السفه التي ينحدر إليها مجتمعنا كل يوم دون عقل؟
ترى لو أن كلاً من هؤلاء اقتصدوا قليلاً في سفههم في تضييع الأموال والأوقات والأعمار، وتبنينا مشروعًا لإنقاذ مظلوم ومظلومة، أليس في هذا إنقاذًا لهم ولنا من مصير بائس ينتظرهم وينتظرنا جميعا، هل من مجيب؟