تعمد الحكومة السورية لإظهار سوريا والوضع الاقتصادي فيها أنه مقبل على انفتاح وقطف الثمار، فبعد التدمير والهدم تحتاج سوريا لإعادة بناء وهذا الوتر تسعى دمشق لاستغلاله أيّما استغلال، فلا تكاد التقارير الواردة من هناك تفتأ تذكر أن الحكومة تسعى للتحضير لمؤتمر اقتصادي تكون إعادة الإعمار من أبرز أجنداته، إذ إن وفدًا من مغربين سوريين مؤلفًا من 45 شخصًا من الكويت زاروا سوريا لستة أيام في الأسبوع الماضي وقابل فيها مسؤولين بحثوا فيها مشاريع الإعمار والاستثمار والتحضير لأوراق عمل المؤتمر الاقتصادي الأول ومؤتمر المغتربين كما أوردته صحيفة العربي الجديد عن مصادر خاصة.
إعادة الإعمار
مفهوم إعادة الإعمار لدى الحكومة حاضر ولم يغب خلال سنوات الثورة الخمسة، بل ظهرت أحاديث تفيد أن آلة النظام العسكرية تعمد لقصف أحياء بطريقة سجادية لإعادة بنائها من جديد، ولا يتوانى عن الحديث في هذا الملف داخليًا على مستوى الحكومة وفي الفعاليات الإقليمية والدولية المعنية بهذا الشأن، وحتى مع الأمم المتحدة علمًا أن النظام المسؤول الأول والأخير عن حجم الدمار الهائل على كافة الأصعدة والذي تواصل طائراته ومدافعه بفتك المدن والقرى في كل سوريا بكافة أنواع الأسلحة المتاحة.
ولعل تعاون الأمم المتحدة مع دمشق في هذا الجانب، يُظهر مدى القبول والشرعية التي لا يزال النظام يتمتع بها، وهو ما يأمله النظام السوري من المجتمع الدولي، فنظام يقصف ويدمر ويقتل ومن ثم يجهز لملفات إعادة الإعمار ويعقد العقود ويبت في العهود لهو نظام أخذ عهدًا من الدول الكبرى أن يبقى، فإن لم يبق بالشكل المركزي للحكم فبالشكل اللامركزي على جزء من سوريا أسموه “سوريا المفيدة”.
ستستغرق عملية إعادة الإعمار ما يقرب من 25 عامًا وتقدر التكلفة حتى الآن بـ 220 مليار دولار بحسب توقعات دولية
ففي لقاء جمع بين وزير الأشغال والإسكان في حكومة الأسد وممثلي الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وعد فيه الممثل الإقليمي بأن تكون المنظمة شريكًا قويًا وأساسيًا للوزارة في المجالات التي تهتم بها في المنظمة، والتي تتركز في التخطيط العمراني وتخطيط المدن وإعادة تأهيل المدن والأحياء المتضررة، وقضايا مرتبطة باختصاصات وزارة الأشغال السورية كالبنى التحتية وخدمات البلديات وتقنيات حديثة في مجال المياه والصرف الصحي.
وقد أفردت مراكز دولية عديدة دراسات حول حجم الدمار في سوريا وطريقة إعادة الإعمار والأموال اللازمة والوقت الذي تحتاجه، حيث ستستغرق العملية ما يقرب من 25 عامًا وتقدر التكلفة حتى الآن بـ 220 مليار دولار بحسب توقعات دولية.
يذكر أن المركز السوري لبحوث السياسات في تقريره الصادر العام الفائت بعنوان “مواجهة التشظي” تحدث عن خسائر اقتصادية إجمالية تقدر بنحو 225 مليار دولار، في حين قدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا في تقرير صادر لها بعنوان “سوريا بعد خمس سنوات في خضم الحرب” الخسائر الإجمالية بنحو 260 مليار دولار.
وليست أذرع الأمم المتحدة التي تغازل النظام السوري في هذا الملف الضخم فحسب، بل إن هناك من حلفاء النظام من يسيل لعابه لتقاسم كعكة إعادة الإعمار، فالشركات الروسية والإيرانية التي دفعت بثقلها لحماية النظام من السقوط سياسيًا وعسكريًا وماليًا، ستعمد للمشاركة في إعادة تأهيل وتطوير البنى التحتية والمشاريع الحيوية واستغلال المشاريع القومية الاستراتيجية في البلاد، ويدعمها في هذا قرارات النظام التي أصدرها هذا العام كالقوانين التي تتيح مشاركة القطاع الخاص للقطاع العام في بناء تلك المشاريع.
فقد ورد في تقارير إعلامية عما سرب من مباحثات سورية إيرانية في منتصف الشهر الجاري جاء فيها، أن سوريا ستقوم بسداد ديونها لإيران عبر إنشاء شركة اتصالات خلوية ثالثة مشتركة بين إيران وسورية، وإلى جانب شركة الاتصالات قرر النظام السوري منح الجانب الإيراني الفوسفات السوري من خلال تأسيس شركة مشتركة تشرف على الاستخراج وتصدر الإنتاج إلى طهران.
خيال يركض وراءه النظام السوري
كل الأقاويل والأفعال التي يسعى النظام السوري للخوض فيها في الوقت الحالي الذي لا تزال الحرب فيه مستعرة ومستمرة على كافة الجبهات هو حديث لا يخرج عن بث دعاية الاستقرار والثبات للحاضنة الشعبية في الداخل والحلفاء في الخارج، أما من جهة الدول الحليفة فهي تحاول استباق الزمن والظفر بجزء من الكعكة التي لم تتضح معالمها حتى الآن على الأقل وفيما لو سيكون هناك كعكة أصلًا أم لا.
فعملية إعادة الإعمار لا تتم إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، وقد تتم وفق قواعد دولية وليست محلية، ومادام النظام السوري لا يُحكم سيطرته على غالبية المحافظات السورية بل إنه يُستنزف في حلب ويخسر المزيد من سيطرته في شمال سوريا، فلن يكون أمامه سوى التشدق فحسب بهذا المفهوم المغري للدول والمستثمري في العالم من جهة، ومن جهة أخرى لإغاظة المعارضة السورية، على أن هذا الكلام يبقى نظريًا وحبيس الأوراق لا يفارقه حتى يتبين للمستثمر والدولة أن الأمور هدأت واستقرت وأخذ على ذلك العهود وحان أوان الإعمار بالفعل.
سوريا ستقوم بسداد ديونها لإيران عبر إنشاء شركة اتصالات خلوية ثالثة مشتركة بين إيران وسورية
وليس النظام وحيدًا في هذا الملف، فالمعارضة أيضًا لها خططها وأصدقائها وحكومتها المؤقتة التي تعمل في الأراضي المحررة بموارد مالية شحيحة جدًا، تثبت للعالم هي الأخرى أنها على قدر أهل المسؤولية وأنها تسعى لإعادة بناء سوريا حال سقوط النظام وفق آليات وخطط معتبرة.
إلا أن المعارضة لا تملك ختم توثيق العهود والمواثيق الذي يملكه النظام بحكم أنه لا يزال مُشرعن من قبل الأمم المتحدة يحتفظ بكرسيه في الجمعية، أضف أن المعارضة لم يتم الاعتراف بها بشكل قانوني ورسمي بحيث تمثل الشعب السوري وتصدر الوثائق والقوانين وتبرم العقود مع الحكومات، لذا فإن المؤتمرات والفعاليات المعقودة في هذا الشأن من قبل المعارضة تشمل دراسات وبحوث واقتراحات للآلية التي سيتم فيها إعادة الإعمار والتمويل والظروف والقوانين التي تسعى المعارضة تطبيقها حال استلامها زمام الأمور بعد سقوط الأسد لا أكثر.
والخلاصة، أن النظام السوري يحلم بإعادة الإعمار في الوقت الحالي وسيبقى هذا حلمًا بسبب عدم الاستقرار السائد والاستنزاف المستمر لموراده ولبقية الأراضي التي يسيطر عليها، فلا مستثمر ولا دولة تأمن على أموالها واستثماراتها في ظل الوضع السوري الحالي، أما إذا تم واقتطع له من سوريا ما يسمونه سوريا المفيدة فلن تكون مفيدة ولا الجنة التي يؤمل في بنائها، لأنه لن يأمن جانبه وقتها، ولأنه فشل فشلًا ذريعًا في إدارة اقتصاد البلاد أيام ما قبل الثورة وحوله لاقتصاد غابة لا يسعُ إلا لزبانيته ومن والأهم، فمن أين لهذا النظام أن يدير اقتصادًا وينجح فيه!