في 19 أغسطس 2016 أرسلت روسيا إلى خليج عدن، فرقاطة حربية لمهمة ما أسمتها “مكافحة القرصنة في خليج عدن”، وقبلها كانت قد نشرت قاذفات في إيران لضرب مناطق سورية قبل أن تعلق العمل في ذلك، وفي نفس اليوم أيضًا سحبت أمريكا نحو 40 مستشارًا عسكريًا خاصين بحرب اليمن من السعودية.
هذه الخطوة لا تحمل دلالات جيوسياسية فقط، وإنما جيوعسكرية تؤكد أن نفوذ موسكو أصبح يتمدد في المنطقة ليس من الناحية السياسية والاقتصادية فقط، وإنما من الناحية العسكرية أيضًا.
ففي سوريا تخوض أول حرب لها خارج الحزام التقليدي لنفوذها في آسيا الوسطى، كما أنها أول حرب لروسيا بهذا المقياس منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ليس هذا فقط فهي تحمل رسالة مفادها أنها قادرة أيضًا على استخدام قواعد عسكرية في بلدان مختلفة في المنطقة تمامًا كما يفعل الجانب الأمريكي بوصفه قوى عظمى، وهي أيضًا قادرة على أن تصل إلى الجمهورية اليمنية وخليج عدن، وهذا بحد ذاته له رسائل عديدة إلى دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية.
وبعد إعلان الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام في 22 يوليو الماضي تأسيس مجلس سياسي أعلى لإدارة شؤون البلاد سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، لم يعارض في حينه أحد من المجتمع الدولي إلا بعد أن اتضحت الرؤيا لديه عن طبيعة المجلس وتوافقه دستوريًا من عدمه مع الدستور اليمني، وبالرغم من ذلك كانت ردود الفعل الدولية غير مبشرة للحكومة الشرعية، بقدر ما كانت خطًا أخضر للحوثيين للاستمرار فيما أقدموا عليه.
لكن روسيا وإيران الدولتان الوحيدان اللتان كانتا لهن رأيًا في المجلس السياسي الأعلى الذي أعلنه الحوثيون ومنح البرلمان اليمني الثقة له، بالرغم مخالفته للدستور اليمني النافذ.
إيران تبارك منح البرلمان الثقة لمجلس الحوثيين
فقد وصف مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين جابري أنصاري قرارات نواب الشعب اليمني ومن ضمنها تشكيل المجلس السياسي الأعلى بأنها “قانونية وتحظى بالاحترام”.
وقال أنصاري إنه بعد سنة ونصف من الحرب على اليمن وذرائع القوى الكبرى ليس أمام اليمن إلا اللجوء لآلياته الداخلية وفي مقدمها إعادة تفعيل البرلمان المنتخب، وأضاف أن سلوك السعودية غير المنطقي وأدى إلى فشل مباحثات الكويت وعودة جهود المبعوث الأممي إلى نقطة الصفر.
وهذا يظهر جليًا أسباب محاولة التدخل الإيراني في اليمن بالرغم من نفس الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، إلا أن ذلك ينم عن محاولة إيرانية لتوظيف القضية اليمنية لصالحها، والزج بحليفها الروسي إلى اليمن من أجل الربح في مناطق أخرى.
وهذا أيضًا يفسر البُعد الذي تلعبه روسيا الاتحادية في المنطقة، مستغلة تهور القيادات في المنطقة، واللعب على أخطائهم من أجل مد نفوذها وسيطرتها في المنطقة العربية.
وجاء حديث ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية، المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط لوزير الخارجية اليمني وإعرابه عن قلق موسكو العميق لاستمرار القتال في اليمن، ومناشدته أطراف النزاع العودة إلى طاولة المفاوضات، وعدم حديثه عن المجلس السياسي أو استمراره دعم الشرعية في اليمن، يشير إلى أن سوريا تخطط لوضع ورقة أخرى من أجل تخفيف الضغط عليها في سوريا.
روسيا تطالب حكومة هادي بحلول عملية من أجل السلام
ووفقًا لبيان وزارة الخارجية الروسية، فقد بحث المبعوث الروسي مع وزير الخارجية اليمني ضرورة تبني خطوات عملية وعاجلة لكسر الوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني والكارثي الذي يعانيه اليمن، وسرعة العودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يعني دعوة صريحة للحكومة اليمنية بإعلان التنازل عن مطالبتها الثابتة باستسلام كامل للحوثيين والرئيس اليمني السابق.
يأتي ذلك بعد أيام من وصف القائم بأعمال السفارة الروسية في صنعاء أوليغ دريموف تشكيل المجلس السياسي الذي أعلنه الحوثيون والرئيس السابق علي عبد الله صالح، بأنه خطوة صائبة في الاتجاه الصحيح، ودعا دريموف اليمنيين إلى تجاوز الحديث عن الشرعية.
وفي هذا الصدد وصف أندريه كورتونوف مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية، في لقاء تلفزيوني، المجلس السياسي الذي شكله الحوثيون وصالح بأنه “سلطة انتقالية في اليمن تقابلها سلطة قوى المعارضة في سوريا”.
والحديث عن سوريا وربطه باليمن، هو المقصود أو ما تتطلع إليه روسيا الاتحادية وحليفتها إيران، لتفعيل أوراقهما الضاغطة على أصدقاء سوريا ودول مجلس التعاون الخليجي، للخروج من الأزمة بنصرٍ مكتمل الأركان “عسكريًا وسياسًا”، وتكون روسيا وإيران قد حققتا أهم خطوة نحو التمدد في المنطقة العربية وتعاظم دورهما.
وهذا يقودنا إلى حديث علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية في فبراير الماضي، عندما قال إن الجانبين – أي موسكو وطهران – يتعاونان في سوريا والعراق ولبنان في الوقت الراهن، وقد يشمل تحالفهما اليمن.
ويبدو أن إيران قد حسمت موقفها في اليمن، حيث قال ولايتي إن بلاده ستتدخل هناك بدعم من روسيا على غرار ما حدث في العراق وسوريا.
ورقة اليمن
وتفكر موسكو وطهران في دخول الأزمة اليمنية، لأن ذلك سيخفف الضغط الذي تعانيه من أطراف مدعومة خليجيًا في سوريا، وستدفع إيران روسيا إلى اليمن وإغرائها في جعلها البديل الأول لمحاربة الإرهاب بعد الانسحاب الأمريكي وفرض الهيمنة الروسية في منطقة الشرق الأوسط، والعودة إلى أمجاد الماضي، وهذا لن يتحقق إلا بمصالح يبدو أن طهران تعرف صناعتها جيدًا.
يبدو أن الفرصة في الوقت الحالي أصبحت كبيرة للتواجد الروسي، لأسباب عدة، أهمها عودة البرلمان اليمني الشرعي، ودعواته إلى إحياء الاتفاقيات مع روسيا لمحاربة الإرهاب، فضلاً عن صمود الجبهة الداخلية اليمنية، إضافة إلى انشغال واشنطن بالانتخابات الرئاسية وانسحابها من المنطقة رويدًا رويدًا، وبهذه الفرصة ستعمل روسيا على التدخل في اليمن، بداية لممارسة دورها كدولة عظمى وعضو دائم بمجلس الأمن وهو ما يفرض عليها موقفًا من كل حدث.
وبعد ذلك ستعمل على حماية الحوثيين وصالح وستمنعهما من الانهيار والبقاء فترة أطول، لتكون ورقة وستحصل موسكو على تنازلات في سوريا وأوكرانيا وليبيا حيث صارت حساباتها مترابطة مع حسم معركة صنعاء.
وحديث الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في مقابلته مع قناة روسيا 24 عن استعداد بلاده التحالف مع إيران ضد “العدوان”، وفتح القواعد العسكرية اليمنية لروسيا لمحاربة الإرهاب المدعوم من دول المنطقة، مؤشرًا لتفعيل الورقة اليمنية لترهيب الخليج، وربما قد يصل الأمر إلى الضغط على أطراف دولية لإرغام التحالف العربي والحكومة الشرعية القبول بالهزيمة السياسية، والاعتراف بشرعية الحوثيين، وقد تصل إلى الدعم العسكري، وهذا يعتمد على المستجدات في سوريا.
الخلاصة:
المشكله اليمنية تتجه نحو أن تصبح إحدى أوراق اللعب الدولية، ويبدو أن موسكو وجدت في الورقة اليمنية ورقة مقايضة رابحة مع الأطراف اللاعبة في الشأن السوري، ولهذا جاء الفيتو الروسي على رؤية ولد الشيخ المدعومة من التحالف العربي وأمريكا وبريطانيا وقبلها رفض أي تمرير لأي بيان رئاسي من مجلس الأمن يخص اليمن دون أن يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حلاً سياسيًا شاملاً، ويأتي بيان الخارجية الروسية ليؤكد على دور متزايد لروسيا في الشأن اليمني بما في ذلك التلويح بالتواجد العسكري في المياه الدولية القريبة من الشاطئ اليمني.
روسيا تلعب جيدًا بأوراقها وتستفيد من أخطاء الطرف الآخر وتهوره، وإعلان إقلاع القاذفات الروسية من قاعدة إيرانية ثم تعليقها هو تأكيد لحضور روسي كبير في المنطقة، ومؤشر على تحالف إيراني روسي وثيق، وهو ما قد يتمدد نحو دول أخرى وينضم إليه الأتراك، وسيكون له نتائج على الموضوع السوري، وربما يصل اليمن.
لكن روسيا ستجعل اليمن فقط ورقة ضغط ولن تسمح لنفسها بالانغماس في هذا، وهي ليست اللاعب الأساسي فيه، فاليمن في النهابة محسوب على جيرانه.