الأزمة (القضية) الكردية واجهت الدولة العراقية الحديثة منذ بداية تأسيسها، ومر الصراع على الحكومات المتوالية وأطراف من الشعب الكردي بمنعطفات راوحت بين المفاوضات السياسية والمواجهة العسكرية، ورغم ما دفعت الدولة من جهة والكرد من جهة أخرى من دماء وأرواح استنزفت الكثير من مقدرات الطرفين وتنازلات سياسية لعدد من الدول استغلت هذا الصراع، إلا أن الأزمة ظلت قائمة وحافظت على ديمومتها رغم اتسامها بالمد تارة والجزر تارة أخرى تبعًا للمؤثرات الداخلية والخارجية.
وفي هذا اليوم بالتحديد وعندما انشغل العالم بتحرير نينوى، يواجه المجتمع الدولي والإقليمي والوطني عقبة حقيقية وقلق كبير قبل بدء العمليات العسكرية وما سيكون بعدها من استحقاقات.
الخلاف هذه المرة خطير ويأخذ أبعادًا كبيرة، حتى إنه ينذر بالمواجهة العسكرية التي لا أحد يستطيع التنبوء بحدودها ومداها ونتائجها على كل الأطراف ومستقبل العراق والمنطقة.
أحداث وسلوكيات زادت من تعقيد المشهد
قبل البدء بإعطاء نبذة مختصرة عن المناطق المتنازع عليها، علينا أن نرجع إلى الوراء قليلاً، فبعد 2003 تحالف الكرد والشيعة برعاية أمريكية ليجعلوا العرب السنة بين فكي كماشة والذين تحددت خيارتهم بسبب ترددهم وأحلامهم التي انقضت وافتقارهم إلى الشخصيات القيادية السياسية الرشيدة والذي جعل منهم طرفًا ضعيفًا، مرر التحالف المذكور اتفاقيات استراتيجية وخطوا خطوات كانت استمرارًا لأخطاء سبقتها أدت إلى تعقيد الأزمة.
نص قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في مادته ٥٣/ أ
ـ يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية (للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى……) علمًا أن التاريخ المذكور هو بداية لما سمي في حينها حرب تحرير العراق وإسقاط النظام.
وجاءت المادة 140 من الدستور النافذ بخصوص حل مشكلة المناطق المتنازع عليها والتي فشل الكرد في تطبيقها ضمن المدة القانونية التي حددتها المادة الدستورية في إطارها القانوني، لكنها استغلت ضعف الحكومة المركزية في بغداد، فقد فتحت مقرات عديدة للأحزاب الحاكمة في الإقليم لتكون في حقيقتها مقرات لأفواج البيشمركة بحجة حماية هذه المقرات داخل نينوى، وقد طلبت الحكومة العراقية التي كان يرأسها آنذاك رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة إياد علاوي وبرعاية أمريكية طلبًا للإقليم من أجل المشاركة في مسك الأرض وفرض النظام في مناطق شاسعة من محافظة نينوى والتي عجزت الحكومة عن احتواء سكانه.
بدأت حكومة الإقليم تستغل حالة الفراغ الحكومي الرسمي بفرض أمر واقع في تلك المناطق من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات الأمنية والإدارية، ثم بدأت مشاكل الأقليات الموجودة واستهدافها من قبل تنظيمات إرهابية أو (علق هذا الاستهداف بتلك التنظيمات) ورغم تشكيل اللجان التحقيقية وعلى مختلف المستويات ووجود القوات الأمريكية آنذاك، إلا أن هناك العديد من علامات الاستفهام التي لم تجد الجواب الشافي والحقيقي وراء الجهات التي استهدفت الشبك والمسيحيين، ودوافع ذلك الاستهداف، وحتى الفتنة التي وقعت مع الإيزيدية بقت الشكوك تدور حولها.
وعند سقوط مناطق المحافظة التي كانت تحت سيطرت الحكومة المركزية بيد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية أو داعش، كان هناك نوعًا من التناغم وغض الطرف من جانب الإقليم لما يواجه مصير تلك المناطق، وأستطيع أن أقول إن حكومة الإقليم حاولت أن تجعل ذلك ورقة للضغط والمساومة والتشفي لما حصل من هزيمة للحكومة المركزية وأجهزتها الأمنية وخسارتها لأراضي في نينوى وصلاح الدين وديالى لحساب هذا التنظيم.
ولا بد من الإشارة إلى أن حكومة الإقليم كان لها شيء من التواطؤ مع ما حصل، ولن نتعب أنفسنا بالبحث عن دليل، فتواجد شخصيات تمارس نشاطًا سياسيًا في أربيل كانت تحاول أن تسوق أن ما حصل إنما هو ثورة عشائر وخروج أحدهم ليعلنها أنه حليف للدولة الإسلامية وأن نينوى تعيش أبهى أيامها في ظل هذا التنظيم، أقول إن وجود مثل هكذا شخصيات في الإقليم إنما يدل على أيادٍ كردية كان لها دور مباشر فيما حصل.
ولما وصلت نار الخلافة لمحاولة بسط نفوذها على المناطق المتنازع عليها وهزيمة البيشمركة التي كانت متواجدة هناك خرج السيد مسعود برزاني رئيس الاقليم ليعلن أن الحدود ترسم بالدماء.
أما موقف الحكومة المركزية متمثلة بالتحالف الوطني بالتحديد فلم يكن أقل سوءًا من حكومة الإقليم في تعقيد المشهد بدور اتسم بالابتزاز والمساومة والدعوة إلى الالتزام بنصوص الدستور والقانون مرة وبضربها عرض الحائط مرات عديدة، وقد أخضع الأمر لحسابات انتخابية ودخل ضمن صفقات سياسية وتوزيع المناصب وضمن دوافع ومصالح شخصية ضيقة ولم يرق هذا الدور إلى دور الحرص على وحدة أراضي نينوى ورعاية واحترام مصالح وتوجهات أهلها.
وما يميز دور التحالف الوطني والكرد أن الأخير كان يمتلك الرؤية السياسية والاستراتيجية والأهداف المعلنة، أما التحالف الوطني فإنه كان يسعى لتحقيق أهداف قصيرة المدى بل وأنية في عمومها.
وقد كانت الولايات المتحدة راعية لاستدامة هذا النزاع والصراع، فبالرغم من امتلاكها أدوات الضغط المناسبة على جميع الأطراف، إلا أنها اعتمدت وسيلة التسويف والتأجيل وترك الموضوع واستغلاله من أجل إضعاف الطرفين.
أما العرب السنة فقد كانت مشاكلهم كثيرة وأحلامهم كبيرة ولم يكن لهم مشروع يجمعهم ولا يمتلكون رؤية واضحة أو خطة استراتيجية لإدارة هذه الأزمة التي تواجه تواجدهم السياسي والاجتماعي والديموغرافي والجغرافي في تلك المناطق، وقد جربوا أن يكونوا في صف الحكومة المركزية لمعالجة مشاكلهم لكنها جعلتهم ورقة تفاوضية قابلة للتنارل عنها مقابل أبسط المصالح، حيث افتقرت الحكمة والإدارة الرشيدة للتعامل معهم ومرة تحالفوا مع الكرد ليكونوا أكثر التزامًا معهم من الحكومة المركزية.
المناطق المتنازع عليها
1- مخمور: كانت تابعة للحدود الإدارية لمحافظة أربيل، وبعد غزو العراق للكويت أصبحت خارج الخط الأخضر وضمن الحدود الإدارية لنينوى.
ذات أغلبية كردية مع وجود عدد من العشائر ضمن حدودها.
2- عقرة: جرى فيها استفتاء في بداية الثمانينات من القرن الماضي وأصبحت جزءًا من الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، وفي عام 1991 أصبحت جزءًا من الحدود الإدارية لمحافظة دهوك وهي ذات غالبية كردية.
3- الشيخان: تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، يسكنها العرب السنة والإيزديين الذين يختلفون فيما بينهم حول قوميتهم: هل هم كرد أم عرب.
4- سنجار: تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، يسكنها العرب والإيزيديون ومجتمعات صغيرة من العرب الشيعة.
5- تلعفر: تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، يسكنها التركمان المنقسمون طائفيًا مع أغلبية سنية ووجود عرب حافظ بعضهم على هويته العربية وبعضهم تحدث التركمانية وأصبح محسوبًا على التركمان ويطالب الكرد بضم ناحية زمار التي يسكنها الجرجرية وهم أيضًا منقسمون فيما بينهم بشأن قوميتهم.
6- الحمدانية: يقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، يسكنها أغلبية مسيحية بالإضافة إلى العرب السنة والشبك المنقسمين فيما بينهم، هل هم عرب أم كرد أم قومية بحد ذاتها كما أن بعضهم من السنة والبعض الآخر من الشيعة.
7- تلكيف: تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، يسكنها أغلبية مسيحية مع وجود عشائر عربية وكرد كانت قبلة للشبك الذين هاجروا بسبب الاستهداف الطائفي.
8- ناحية القحطانية: التابعة لقضاء البعاج يقطنها الإيزيديون.
حلول الأزمة
إن حل الأزمة بصورة عامة يعتمد على أمرين أولهما قوة الأطراف المتصارعة والثاني مدى ما هو عادل، وغير ذلك من الحقوق والمطالب، لكننا أمام مواجهة داخلية، مما يجعلنا أن نضيف إلى ما ذكرنا أن مهما كانت قوة الأطراف ومدى العدل الذي نعتمده لتقييم المطالب، إلا أن المواجهة ستجعل من كافة الأطراف ضعيفة ومستنزفة وأن مآلات ما بعد المواجهة ربما يكون أقوى تأثيرًا وأشد وطأةً على المجتمعات من حر الحرب وآتونها.
كما أن هذه الأطراف سيكون التفاوض خيارها في نهاية المطاف ذلك بسبب ما يبدو من توازن لقواها الذي يجعل من الصعب أن يكون هنالك نتيجة تعتمد على مبدأ الغالب والمغلوب وفرض الشروط، لذلك واستباقًا لما سيحصل لا بد من الحكمة وتغليب لغة التفاوض والحل السياسي على غيره من الحلول لذلك أجد أن الحل يبدأ بالتالي:
– التوافق على قانون النفط والطاقة والموارد الطبيعية وتشريعه بالسرعة الممكنة والذي يضمن التوزيع العادل لتلك الموارد والثروات على كافة أبناء الشعب العراقي وألا يغفل هذا القانون المواضيع ذات العلاقة بعملية التنقيب والإنتاج والتوزيع والتعاقد وإيجاد حل جذري وقانوني لوجود البيشمركة.
– إجراء الإحصاء السكاني بإشراف وتنفيذ من قِبل هيئة الأمم المتحدة لضمان الحيادية على الأقل في المناطق المتنازع عليها ثم يستمر إجراؤه بباقي محافظات العراق.
– إعادة الحقوق لأصحابها، فبعد أن قام النظام السابق بعملية التعريب في بعض المناطق فقد قامت جهات كردية بمصادرة أملاك ومصالح عائدة لأصحابها الشرعيين تحت يافطة “إعادة الحقوق إلى أصحابها “، “فاخذوا بذلك الحق وثلثين الباطل”.
– إجراء استفتاء بعد مشاورت الأطراف الموجودة في تلك المناطق للخيارات التي يرسمونها لمستقبلهم.
– استقدام قوات أممية لحفظ الأمن والسلام في هذه المناطق على أن تكون من الدول المحايدة التي لم تتدخل بالشأن العراقي.
على أن تحدد كل هذه الخطوات بسقف زمني لا يتجاوز السنتين وربما سيحتاج العراق إلى قرار من مجلس الأمن وهو أمر ليس أصعب من حرب داخلية أخرى.