لا يعتبر الأمر شخصيًا، فعدم ثقة أغلب الرجال في النساء تعد صفة لا تخص مجتمعًا بعينه، ولكنها بالتأكيد تخص مجتمع الرجال، حيث تعتبرها النساء حقيقة كونية، وهي أن الرجل يسهل عليه تصديق ما يقوله نظيره الرجل عما تقوله المرأة، حتى ولو كان نفس الكلام المُقال، وهذا يحدث مع اختلاف مكانة المرأة، فلا يُشكل كونها أم أو زوجة أو حتى معلمة أي فرق بالنسبة للرجل، فهو لا يثق في رأيها كامل الثقة في جميع الأحوال.
لم تفد لعبة إلقاء اللوم على أحد الأطراف أحدًا من قبل، يتطاحن العالم الآن ويجتمع على محاربة كل ما هو غريب عن الأغلبية، وتجتمع أغلب الصراعات المجتمعية على محاولة كسب القضية تجاه طرف معين، إلا أنه في نهاية المطاف، لا يكسب أحد الصراع، ولا يكون الكل سعيدًا في النهاية كذلك، وهنا يأتي الصراع بين عقلية الرجل والمرأة جليًا، مع كل تلك المحاولات الخاسرة في محاولة تنوير عقل الرجل بخصوص ما يحدث داخل عقلية المرأة .
يتدخل المجتمع والثقافة بحدة في طريقة تعامل الرجل مع المرأة، وخصوصًا إن كان ذلك المجتمع ذكوريًا تسيطر فيه الهيمنة الرجالية، إلا أن مسألة ثقة الرجل بالمرأة مسألة عامة تخص أغلب جنس الرجال، وهي المسألة التي تعتبر النساء أسبابها سطحية وغير منطقية، إلا أنها تبدو للرجل عقدة لا يستطيع حلها، حتى ولو مر على زواجه العديد من السنوات.
لا تتركز مسألة عدم الثقة في المرأة بأنها ستخون الرجل، أو ستسرقه، أو ستغدر به، أو ستؤذيه، وهذا لا يمنع أن يكون هناك العديد من الرجال الذين يعتبرون الأمور السابقة أمورًا محورية يأخذونها في الاعتبار عند التعامل مع المرأة، وذلك يكون في أغلب الأحيان بناءً على خبرات سابقة، إلا أن مسألة الثقة في العادة بين الرجل والمرأة تتمحور حول المشاعر، فالرجل لا يمكنه أن يثق في مشاعر المرأة بسهولة.
لنكن منصفين ونحاول أن تناول الموضوع من وجهة نظر الرجل هذه المرة، وهذا لا يعني أننا نضع كل النساء في تصنيف معين ونصورهم بصورة نمطية على أنهم يتبعون نفس طريقة التفكير، إلا أنها محاولة تكاد تكون قريبة مما يحدث على أرض الواقع في الخلافات المستمرة بين الجنسين، ويمكنها أن توضح الأمور أكثر، وذلك من أجل وضع حل وسطي أكثر تأثيرًا وفعالية.
إليك عدد من الأسباب التي تجعل الرجل لا يثق في المرأة
- المبالغة في رد الفعل وسوء تقدير الرجل
تعد مسألة سوء تقدير مشاعر المرأة والاستهانة بردود أفعالها تجاه الأمور من أكثر مسببات المشاكل بين الرجل والمرأة، فمن وجهة نظر الرجل، تبالغ المرأة دومًا، ولذا فإن كل ما ترويه بحماسة أو بغضب شديد ليس حقيقيًا بالنسبة للرجل، وهذا ما يُشكل نظرة مجتمعية ضاغطة على المرأة بشكل عام، فبعيدًا عن الأمور اليومية والخلافات العائلية التي من الممكن أن ترويها المرأة بغضب مبالغ فيه أو بحساسية مبالغ فيها بالنسبة للرجل، ولكن يستصعب الرجل فهم الكثير من المواقف التي تتعرض لها المرأة، ومنها التحرش على سبيل المثال، والذي لن يفهمه الرجل إلا في حالتين، إما أن يرى الموقف أمام عينه، أو يتعرض له بنفسه، وحينها سيفهم ردة فعل المرأة، والتي من الطبيعي أن تكون أكثر حساسية من الرجل.
ربما قابل أغلب الرجال هذا المشهد في حياتهم مع شريكاتهم، تأتي فيه المرأة شديدة الغضب من أمر معين، تخبره بما حدث وهو يستمع بإنصات بسبب توقعاته المرتفعة بأن ذلك أمر شديد الأهمية، ليرى بعد أن تنهي كلامها أن الأمر – في نظره – لا يستحق كل ذلك الغضب، ليقول لها نعم أنا سمعت ما قلت، ولكنه لا يستحق كل تلك المبالغة!
استسلم عدد كبير من الرجال من محاولة فهم طريقة تفكير المرأة، فيجد أغلبهم أن المرأة تقول ما لا تفعل، أو تقول ما لا تشعر به بالفعل، وتشعر بما لا تفصح عنه للرجل، وتلك هي الطريقة التي حيّرت ملايين الرجال، فهم في العادة، كائنات مباشرة وعملية للغاية، تتحاور بالطريقة المباشرة وبالجمل القصيرة، ولا يفهمون ما تحاول المرأة أن تشير إليه لهم بطريقة غير مباشرة، هم لا يحاولون إغاظتها بعدم فهمهم المستمر، هم بالفعل لا يفهمون!
- التحول من الحبيب إلى الصديق
لا ينسى الرجل أبدًا عندما يتم رفضه من قبل الفتاة التي أعجب بها وقرر الارتباط بها، فتلك هي أحد المواقف التي تُحفر في ذاكرته ويقوم بمعاملة النساء على أساسها بعد ذلك، فكون كل رجل قد تعرض للرفض وإزاحته لمرحلة الصداقة بينه وبين الفتاة يجعل من كل رجل ألا يصدق مشاعر المرأة، ولا يعتبرها صادقة، ويتهمها بالتلاعب إلى أن تُثبت براءتها!
- الكل متعاطف مع المرأة دائمًا
هناك سبب آخر لا يجعل الرجل يثق في المرأة كل الثقة، ألا وهو أن المرأة، وعلى الرغم من كل المشاكل العنصرية والجنسية التي تتعرض لها بسبب كونها امرأة، ستنال التعاطف من الجميع في كل الأحوال، وستجد العالم بجانبها، والمؤسسات تدافع عنها بكل حزم وجدية، وستأتي الحملات لك وأنت تسير في الشارع، وتقوم بتوعيتك تجاهها.
نعم، يكون العالم مكانًا سيئًا في أغلب الأحيان للمرأة، إلا أنه لا يعتبر الرجل من العدل التعاطف مع المرأة في كل الأحوال، مما يغض البصر عن المواقف التي يحتاج فيها الرجل التعاطف كذلك، فيكثر الحديث عن معاناة المرأة ولكن يندر عن معاناة الرجل، وتتصدر الجرائم ضد المرأة عناوين الأخبار، ولكن لا يحدث المثل مع الجرائم ضد الرجل، فإذا كان هناك استغلالًا للمرأة، لم لا يفكر أحد أنه يكون هناك استغلالًا للرجل؟
- استغلال القانون
تستغل بعض النساء القانون في صفها لاستغلال الرجل، وأن تقع به في المصيدة من أجل الحصول على بعض من الحقوق الإضافية، أو للحصول على مناصب معينة في العمل، وهو ما خلق فجوة بين الرجل والمرأة، واعتبره الرجل ذلك أمرًا طبيعيًا ألا يثق في كل النساء لكي لا يقع فريسة لتلك النوعية من النساء خاصة.
- النسوية المغلوطة
تشكل النسوية قلقًا للعديد من الرجال، فبعضهم يؤيد المرأة في محاربتها للحصول على فرص متساوية مع الرجل، وعلى رواتب عادلة، وعلى تواجد مماثل لتواجد الرجل، ونضالها من أجل الحصول على الحرية والاحترام في المجتمع، والخروج من ثوب أنها امرأة ويجب أن تُعامل بطريقة خاصة تقيد حريتها، إلا أن تلك النساء مازلت تريد من الرجل دفع فواتير المنزل، والدفع عنها عند التنزه سويًا في ميعاد رومانسي، فهي تريد منه أن يظل “الرجل” في تلك المواقف وأن تظل هي الأضعف، وهو ما يحدث بالضبط حينما تقوم المرأة بالاعتداء على الرجل بضربه على وجهه، فسيفسر العديد من المجتمعات ذلك بأنها كانت غاضبة وكان لها ما أرادت فعله، إلا أنه إذا حدث الموقف بالعكس، وقام الرجل بذلك، يكون في مأزق بأنه سادي وديكتاتوري وذكوري.
كان مبدأ النسوية في البداية هو الحصول على المساواة، مع عدم كره الرجال في نفس الوقت، إلا أنها باتت تحيد عن مسارها، ولهذا يجد الرجال صعوبة بالغة في التعامل مع المرأة في العديد من المواقف، ولذلك اختاروا الطريق الأسهل، وهو أن يستسلموا ويتركوا المحاولة في فهم عقلية المرأة، وفضلوا عدم الثقة بها وبآرائها على المحاولة لوضع حل وسطي للأمور، ولا يجب إهمال أن الكلام السابق ليس مدافعة عن الرجال فحسب ووضع المرأة في تصنيف الصورة النمطية، وليس كذلك من أجل قلب موازين الأمور، وإنما هو محاولة للفهم من وجهة نظر مختلفة.