مع اندلاع شرارة الربيع العربي في تونس وانتقالها إلى مصر، حملت الامارات العربية المتحدة لواء العداء للقوى والتيارات السياسية التي وصلت للحكم في تلك البلدان باعتبار أن الأنطمة التي ثارت عليها شعوبها كانت تربطها علاقات وثيقة بنظام الحكم في الإمارات، فقد كان يمثل حسني مبارك ونظامه ركزية أساسية لحكام الإمارات وحليفاً قوياً لهم في المنطقة، كما كان لزين العابدين بن على رئيس تونس المخلوع وعائلته استثمارات قُدرت بمليارات الدولارات في إمارة دبي، بحسب ما كشفت وثائق مسربة بعد هروبه.
وفي الحالة المصرية ومنذ اليوم لثورة 25 يناير وإزاحة مبارك عن السلطة بعد 18 يوماً قضاها المتظاهرون في ميدان التحرير، انتظرت الإمارات حتى ينقشع غبار الثورة ومن ثم تُعيد ترتيب أوراقها من جديد في داخل الشأن المصري من خلال رجال مبارك في الدولة العميقة، لضمان عدم صدور أي أحكام ضد الرئيس المخلوع عبر تقدم منح اقتصادية وهبات قدرت بنحو 10 مليارات دولار مقابل الافراج عنه1
ومع وصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم في 30 يونيو 2012، اعتبرت الإمارات أن وصول الإخوان إلى الحكم يمثل لها ضربة قوية لمشروعها السياسي الرامي إلى التخلص من حركات الإسلام السياسي في المنطقة، ومن هنا ناصبت النظام المصري الجديد العداء الشديد، ففتحت أبوابها لرجال النظام السابق الفارين مثل أحمد شفيق ورشيد محمد رشيد، كما حاولت محاصرة نظام الحكم الجديد في مصر من خلال وقف المساعدات الخليجية التي تم الاعلان عنها بعد رحيل مبارك، كما قامت باعتقال العشرات من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين الذي يعملون بأراضيها أو المؤيدين لهم وإخضاعم للاخفاء القسري واستغلالهم كورقة ضغط على الرئيس محمد مرسي، ثم بعد ذلك التخطيط للانقلاب العسكري عليه بدعم كامل من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في 3 يوليو 2013.
وكانت الإمارات أول من باركت الانقلاب العسكري واحتفت به بعد دقائق من بيان عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب، وبعدها قدمت عشرات المليارات بالتعاون مع باقي دول الخليج (وتحديداً السعودية، الكويت) لتمكين عبدالفتاح السيسي من السيطرة على الأوضاع التي تلت الانقلاب مروراً بترشح السيسي إلى الرئاسة وفوزه بها في مشهد هزلي أعاد إلى الاذهان حقبة مبارك، ولا زلت تقدم الدعم للسيسي رغم فشله في كل الملفات في مصر.
في هذه الورقة نحاول رصد العلاقة بين نظام السيسي والامارات منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن وكذلك البحث عن الأهداف السياسية والاقتصادية التي دفعت الامارات للاقدام على هذه الخطوة، ومن ثم مستقبل العلاقة بين السيسي والامارات في الفترة القبلة.
أولاً: محددات السياسة الإماراتية تجاة مصر
يمكن التمييز في إطار هذه المحددات بين مجموعتين أساسيتين من العوامل، الأولي هي الثوابت الحاكمة للسياسة الإماراتية منذ تأسيسها عام 1971، والثانية المتغيرات والتحولات التي شهدتها المنطقة وكانت لها تداعياتها على هذه السياسة:
المجموعة الأولي: الثوابت
1ـ العلاقات مع السعودية:
مع بداية الانقلاب العسكري في 3 يوليو برزت حالة من التنسيق التام بين السعودية بقيادة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز والإمارات بقيادة محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، فيما يخص دعم النظام المصري الجديد، فكلا الطرفين جمع بينهما العداء لجماعة الإخوان المسلمين نظراً لما يعتبره الطرفان أن الإخوان الفصيل الأخطر على أنظمة الحكم الملكية في تلك البلدان، وظلت حالة التنسيق وتلاقي المصالح بين الرياض وأبوظبي حتى رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ومع وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم في السعودية في يناير 2015، ودخول السعودية في عملية عاصفة الحزم في اليمن بالتعاون مع دول خليجية أخرى وعلى رأسها الإمارات استمرت حالة التوافق في المصالح بين الرياض وأبوظبي، ولكن سرعان ما تعارضت مصالح البلدين في هذا البلد الذي يمزقه الحرب، وكان أول هذه الخلافات ما يتعلق بالوضع في مدينة عدن جنوب اليمن التي تسعى الإمارات للسيطرة عليها بالكامل وإبعاد النفوذ السعودي عنها لأهميتها الاستراتيجية لوقوعها على مدخل مضيق باب المندب، ثم تطور الوضع مع تثبيت السعودية لرجالها في الحكومة اليمنية، مثل على محسن الأحمر وتعيينه نائباً لهادي وأيضا تعيين أحمد بن داغر رئيساً للوزراء والإطاحة برجل الإمارات خالد بحاح وإقالته من منصبي نائب الرئيس ورئيس الوزراء2.
وفيما يخص العلاقة بين الرياض وأبوظبي بشأن مصر فقد مرت بثلاثة مراحل مختلفة:
(أ) من الانقلاب العسكري حتى وفاة الملك عبدالله:
شهدت هذه المرحلة حالة من التنسيق التام بين البلدين، وفيها تم التركيز على الهدف الأهم لهما وهو تثبيت حكم الانقلاب العسكري وتقديم كل أنواع الدعم له من أجل حسم الأوضاع في مصر والتخلص من عقبة الإخوان المسلمين، وظل البلدان على هذا الوضع حتى ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية الذي رفضته الإمارات على لسان محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي الذي قال إنه يأمل أن لا يترشح السيسي للرئاسة ويظل وزيراً للدفاع3. بينما رأت السعودية أن ترشح السيسي يعد أمراً مهماً في هذه الفترة، والذي عبرت عنه وسائل إعلام قريبة من نظام الحكم في السعودية، وكان هذا أول تباين في وجهات النظر بشأن مصر بين البلدين، ثم استمر التوافق في وجهات النظر بينمها حتى وفاة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.
(ب) منذ وصول الملك سلمان وحتى اتفاقية تيران وصنافير:
بعد تولى الملك سلمان الحكم في يناير 2015 اختلفت سياسة البلدين تجاه مصر، فالامارات ظلت على دعمها اللامحدود للسيسي في مقابل ذلك تراجع الدعم السعودي للنظام المصري بشكل واضح مما دفع الأذرع الإعلامية للسيسي لمهاجمة الملك سلمان والحديث عن أنه غير مؤهل لحكم السعودية، وأنه يعاني من الزهايمر، وأنه يدعم الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية، على العكس تماماً مما كان يحدث مع الملك عبدالله الذي كانت تثني عليه وسائل الإعلام المصرية الرسمية والخاصة لكونه دعم مصر في وقت الشدة، وساعد في تخليصهم من حكم الإخوان المسلمين، واستمر هذا الوضع حتى الإعلان عن زيارة الملك سلمان لمصر في أبريل 2016، والتي وقع فيها الطرفان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية.
(ج) بعد اتفاقية ترسيم الحدود وحتى الآن:
المتابع للشأن الخليجي يجد أن ثمة خلاف بين الرياض وأبوظبي ظهر بعد زيارة العاهل السعودي للقاهرة وتوقيع الاتفاقية، ففي الوقت الذي كان فيه الملك سلمان بالقاهرة زار وفد إماراتي مصر بقيادة طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي للإمارات على رأس وفد اقتصادي، الأمر الذي اعتبره كثيرون رسالة من أبوظبي للرياض بأن مصر ليست مكاناً لتقاسم النفوذ بين البلدين، كون أن الإمارات هي الممول الاساسي والرئيس لنظام عبدالفتاح السيسي، فهي لا تقبل مناصفة أو مشاركة من أي أطراف أخرى لا سيما السعودية التي اعتبرت هي الأخرى أن القرار في اليمن بيدها ومن ثم لا تقبل أي دور إماراتي أو خليجي فيها4.
2ـ العلاقات مع إيران:
العلاقات بين أي دولة عربية وإيران دائما ما تمثل حساسية لدول الخليج التي تعتبر نفسها في عداء مع الدولة الفارسية، وحاول مبارك إبان فترة حكمه التذرع بقضايا متعلقة بالجهاديين الذين تأويهم إيران لبقاء العلاقات بين القاهرة وطهران مقطوعة دون مبررات مقنعة لجلب الرضا الخليجي في الوقت الذي تقيم فيه بعض دول الخليج علاقات سياسية وإقتصادية مع إيران، ومنها الإمارات على سبيل المثال التي تربطها علاقات اقتصادية وسياسية قوية معها، رغم وجود 3 جزر تحت سيطرة طهران وهي طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، لكن يظل هاجس التقارب المصري الإيراني أحد العوامل الرئيسية في تعامل دول الخليج مع القاهرة.
ومنذ ثورة يناير ومع أول حكومة جاءت بعدها والتي ترأسها الدكتور عصام شرف، اعتبرت الإمارات إن مصر بعد الثورة ليست كما قبلها فحاولت أبوظبي امتصاص صدمة التغيير التي حصلت في مصر، والعمل على افشالها منذ البداية، فعمدت على تجاهل زيارة رئيس الحكومة المصري إلى دول الخليج كما أعلنت اعتذراها لشرف عن استقباله في أبوظبي بحجة انشغال جدول الزيارات، لكن ما تسرب فيما بعد كان السبب الرئيس هو تخوف الإمارات من وجود تقارب بين القاهرة وطهران خاصة في الوقت الذي طالبت فيه قوى سياسية مصر بعودة العلاقات مع إيران، وأنه لا مبرر لقطع العلاقات بين البلدين المسلمتين القويتين في المنطقة، وهو ما عاقبت عليه الامارات مصر.
التحجج الإماراتي بتقارب العلاقات بين القاهرة وطهران وصل لأعلى مستوياته عقب زيارة الرئيس محمد مرسي إلى إيران لحضور قمة دول عدم الانحياز التي استضافتها طهران في سبتمبر 2012، والتي اعتبرتها ابوظبي تحولاً كبيراً في الموقف المصري من إيران، ويمثل إشارة سلبية لدول الخليج وعلاقاتها بالقاهرة، وسوقت الإمارات هذه الفكرة بين دول مجلس التعاون الخليجي، لفرض حصار خليجي على مصر بقيادة السعودية ووقف الدعم الاقتصادي الذي وعدت به هذه الدول لمصر من أجل زيادة الازمة الاقتصادية التي كانت تمر بها مصر في تلك الفترة5، مما تسبب في توتر العلاقات بشكل كبير بين القاهرة وأبوظبي في تلك الأثناء، إضافة إلى معاداة الإمارات الشديدة لتيار الإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين.
3ـ العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية:
تعتبر الولايات المتحدة الأميركية اللاعب الرئيس في الشرق الأوسط، نظراً للمصالح التي تمثل أهمية استراتيجية لواشطن في المنطقة مثل أمن إسرائيل وتدفق النفط وقناة السويس، كما برز دور جديد لواشنطن في الشرق الأوسط، وهو محاربة التنظيمات الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات التي تعتبرها واشنطن عدواً لها، ومن هنا تأتي العلاقة بين أبوظبي وواشنطن التي تستعين بقواعد عسكرية إماراتية، مثل قاعد الظفرة التي تحوى أكثر من 3000 جندي أميركي، لقصف معاقل الجهاديين في سوريا واليمن6.
ومن هذه الزاوية تكمن علاقة الإمارات العربية المتحدة مع مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، والتي تحاول أبوظبي من خلالها تسخير العلاقات المصرية الأمريكية، في خدمة الأهداف الإماراتية من خلال تقديم نفسها حليفاً قوياً لواشنطن في المنطقة العربية، على حساب الدور الذي كانت تلعبه مصر منذ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1978، وحتى ثورة 25 يناير التي أطاحت بحسني مبارك رجل الولايات المتحدة الأول في العالم العربي.
المجموعة الثانية: المتغيرات
1ـ الربيع العربي والتحولات السياسية:
مثلت موجة التغيير التي شهدها المنطقة العربية في عام 2011 أو ما يعرف بالربيع العربي، ضربة كبيرة للإمارات التي ظلت تراهن ولفترة طويلة على استقرار الأنظمة الحاكمة وخاصة نظام حسني مبارك في مصر، الذي أطاحت به الثورة، فقد وجدت الإمارات نفسها أمام أنظمة أخرى غير التي كانت تعول عليها وأصبحت أمام واقع جديد للإخوان المسلمين العدو اللدود للإمارات دوراً كبيراً فيه، من هنا عمدت إلى التخلص أولأ من النظام الجديد في مصر وعلى رأسه الرئيس محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة ذراع الإخوان المسملين السياسي في مصر، وبعدها الانقضاض على باقي ثورات الربيع العربي.
مجموعة التحولات السياسية التي رافقت الربيع العربي دفعت الإمارات لتغيير سياستها وانتهاج سياسة أكثر عدوانية للبلدان التي وقعت بها الثورات تحت ذريعة القلق من تصدير الثورات إليها خاصة وأنها تعاني من انسداد سياسي كبير، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وبعدما كانت توصف سياسة الإمارات تجاه الدول العربية والإسلامية بالحكيمة والمتوازنة مع الجميع في ظل حكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الإمارات وحتى وفاته عام 2004.
فقد بدأت تتخذ منحاً مغايرًا مع مرض الشيخ خليفة بن زايد في 2011 وسيطرة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بشكل كامل على دولايب الحكم في البلاد وفرض سياسته الجديدة المعادية لتيار الإسلام السياسي ورغبته في التخلص من ثورات الربيع العربي عبر الدعم الاقتصادي والسياسي لبقايا الأنظمة السياسية التي ثارت عليها شعوبها، وكانت الحالة المصرية هي الأكثر اهتماماً للسياسة الامارات الجديدة والرغبة في انتاج نظام سياسي مصري يصبح أداة في يدها لتحقيق مصالحها السياسية والاستراتيجية في المنطقة ويمكنها من تحقيق هدفها الاستراتيجي الأهم وهو تقديم الإمارات كداعم للسياسة الأميركية في المنطقة دون شروط، مما دفع كثيريين بوصف الإمارات بـ”أسبرطة الصغيرة” نظراً لعلاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية.
2ـ تراجع الدور القطري:
لعبت قطر دوراً مهماً وحيوياً في مرحلة ثورات الربيع العربي في بعض الدول خاصة مصر عبر تسخير أدواتها السياسية والإعلامية وخاصة قناة الجزيرة في الوقوف بجانب الثوار وتغطية الأحداث لحظة بلحظة في الوقت الذي كانت تفرض فيه وسائل إعلام الأنظمة الحاكمة تعتيماً كبيراً وتزييفاً للواقع على الأرض حتى سقط الانظمة التي ثار عليها الشعب وظلت قطر تلعب هذا الدور المحوري مع الأحزاب التي خلقت تلك الأنظمة وخاصة جماعة الإخوان المسلمين في مصر7.
وراهنت على نجاح تلك الحركات، لكن مع تغير الأوضاع السياسية في تلك البلدان وقدرة الثورات المضادة على تنظيم صفوفها والعودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى سواءً بانقلاب عسكري كما حدث في مصر أو بانتخابات كما حدث في تونس، وكذلك تدهور الأوضاع السياسية في اليمن بشكل كبير وبقاء الأزمة السورية كما هي، وجدت قطر نفسها في مأزق شديد خاصة وأنها تغرد خارج السرب الخليجي الذي ظل يدعم بقايا الأنظمة السابقة والتي تمكن من العودة مرة أخرى، إضافة إلى ذلك الضغوط السياسية الشديدة التي تعرضت لها الدوحة من الرياض وأبوظبي في ظل حكم الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزبز، كذلك عملية التغيير السياسي التي شهدتها قطر في يونيو 2013، وتولى الأمير تميم بن حمد الحكم خلفاً لوالده حمد بن خليفة آل ثاني.
كل هذه العوامل ساهمت بشكل مباشر في تراجع الدور القطرى في الإقليم والذي كان يصب بشكل مباشر في دعم ثورات الربيع العربي، هذا التراجع سمح للدور الإماراتي بالنمو على حساب الدور القطري في ظل دعم سعودي كبير لتوجهات محمد بن زايد في المنطقة حتى بعد رحيل الملك عبدالله وقدوم الملك سلمان ظل الدعم السعودي التقارب مع الإمارات كما هو. ورغم تخفيف الضغوط التي كانت تمارس على الدوحة من الرياض ظل الدور القطري متراجع بشكل كبير في الملفات السياسية التي كانت تمسك بأوراقها مثل المصالحة الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة.
3ـ الانتخابات الأميركية:
تعد السياسة الأمريكية تجاه المنطقة أحد عوامل الثبات بالنسبة للإمارات فهي تراهن بشكل واضح في الإنتخابات الاميركية الحالية على مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب وتسعى لدعمه حتى وإن لم تُعلن عن ذلك لتلاقي مصالحها مع توجهات ترامب في عدة أهداف أبرزها: العداء الشديد للتيارات الإسلامية، والمصالح الاقتصادية بين مجموعة شركات ترامب وإمارة دبي التي وقعت اسثتمارات قدرت بنحو 6 مليارات دولار مع شركة مقاولات تابعة لمرشح الحزب الجمهوري8 لتنفيذ مشروعات سكنية في الإمارة كما وقعت شركة لاندمارك للتجزئة الإماراتية عقودا مع مجموعة ترامب لبيع منتجات من بينها المجوهرات في متاجر “لايفستايل” التابعة لها.
ثانياً: الأهداف الإماراتية من دعم الانقلاب العسكري في مصر:
1ـ القضاء على مشروع الإسلام السياسي:
مع تصدر جماعة الإخوان المسلمين للمشهد السياسي في دول الربيع العربي وخاصة في مصر بعد ثورة يناير مباشرة شعرت الإمارات أن هذا النجاح لتيار الإسلام السياسي يمثل ضربة قوية لها وربما يعد سبباً في نزع شرعية حكام الإمارات خاصة بعد مطالبات كتاب ومفكرين إمارتيين بعضهم من أعضاء جماعة الإخوان في الإمارات النظام في أبوظبي بإجراء تعديلات دستورية في قوانين انتخابات المجلس الوطني وإطلاق مزيد من الحريات في عريضة تم رفعها إلى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في مارس 2011، وقد أغضب هذا الإجراء سلطات الإمارات بشكل كبير، وعلى إثرها قامت باعتقال عدد كبير من أعضاء جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، وشددت من إجراءتها الأمنية بشكل كبير من أجل منع انتقال حمى التغيير التي طرأت على المنطقة العربية إلى الداخل الإماراتي، بات العداء الشديد من قبل الحكومة الإمارات وخاصة ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد.
ثمة أمر آخر ساهم في دعم النظام الإماراتي لأي تحرك يقضى على تيار الإسلام السياسي وفي مقدمته جماعة الإخوان المسلمين، وهو محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها الشيخ حمدان بن زايد على شقيقه محمد بن زايد في 2011، بحسب وثائق مسربة وصلت لموقع ميديل ايست آي البريطاني، والتي كشفت عن قيام الشيخ حمدان بالتواصل مع زعماء قبائل في الإمارات من أجل تحويل نظام الحكم في الإمارات إلى ملكية دستورية، تملك فيها آل نهيان الإمارات دون أن تحكم، وهذه التحركات التي قادها شقيق محمد بن زايد لاقت ترحيباً كبيراً في الأوساط السياسية الإماراتية، وخاصة أعضاء جماعة الإخوان في الداخل الإماراتي9، ولكن قبل الانقلاب بساعات تم اكتشاف المخطط الذي كان ينوى الأمير الإماراتي القيام به، مما جعل رد فعل محمد بن زايد أكثر عنفاً حيال جماعة الإخوان المسلمين.
نظام الحكم في أبوظبي يعتقد أنه بالقضاء على جماعة الإخوان المسلمين في مصر سيكون ذلك بداية النهاية لمشروع الإسلام السياسي في المنقطة للأبد، لاسيما وأن الإخوان في مصر يمثلون الحركة الأم لفروع التنظيم حول العالم ومن ثم فشل التجربة المصرية والقضاء عليها سيحول ذلك أمام أي نجاح لتيار الإسلام السياسي مرة أخرى، فمن هنا تأتي أهمية مصر بالنسبة للإمارات فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين.
2ـ السيطرة على مقدرات الاقتصاد المصري:
منذ 3 يوليو 2013 عمدت الإمارات على تقديم الدعم الاقتصادي اللا محدود لنظام الانقلاب العسكري من أجل تثبيت أركانه وإحكام السيطرة على البلاد ولكن مع عدم قدرة نظام السيسي على حسم الوضع لصالحه واستمرار حالة التدهور الاقتصادي ووصول البلاد إلى حافة الهاوية، وصلت الإمارات إلى قناعة أن الوضع الاقتصادي المتدهور الذي وصلت له مصر لا يمكن علاجه فقط بالمساعدات والمنح والقروض التي سرعان ما يتم انفاقها ولم تقم الحكومة باصلاحات اقتصادية تضمن بها تعافي الاقتصاد المنهار، بل كل ما تم منحه لمصر من دول الخليج بحسب تسريبات نشرتها قنوات مصر مناهضة لنظام السيسي10 تدخل في حسابات بنكية خاصة بالقوات المسلحة، فمن هنا عمدت الإمارات إلى وضع خطة للسيطرة على الاقتصاد المصري والتحول من الممول للنظام المصري إلى الشريك في الاقتصاد، بحسب وثائق تم تسريبها من مكتب محمد بن زايد ونقلتها وسائل إعلام11.
كذلك المتابع للشأن المصري يجد أنه منذ الانقلاب العسكري ارتفعت الاسثمارات الإماراتية في مصر بشكل كبير، وكان لها النصيب الأكبر من المكاسب الاقتصادية، فقد بلغ عدد الشركات الإماراتية التي تستثمر في مصر حالياً 638 شركة بحجم استثمارات وصل إلى نحو 18.4 مليار درهم في عدة مجالات مثل العقارات والاستكشافات البترولية والسياحية والصناعات الكيماوية والغذائية والزراعية.
ففي مجال الملاحة أعلنت الشركة القابضة للنقل البحري والبري المصرية، أنها وقعت مذكرة تفاهم مع شركة الملاحة العربية المتحدة الإماراتية لتستثمر 150 مليون دولار في مشروع محطة الحاويات الثانية بميناء شرق بورسعيد، الذي وصفته بأنه باكورة مشاريع محور قناة السويس في عهد الانقلاب ليتم تسليمه للشركات الإماراتية، وغيرها من المشرعات في المجالات المختلفة في أغلب مناطق الدولة المصرية12.
3ـ توظيف الجيش المصري لتحقيق أغراض الإمارات:
دائماً ما تعول دول الخليج على قوة الجيش المصري وبقائه في صفها من أجل الاستعانة به في وقت الحاجة، كما حدث في حرب الخليج عام 1990، وظل الوضع هكذا إلى ثورة 25 يناير التي بدأت في رسم وضع جديد لمصر في الخريطة الإقليمية والدولية واستعادة الدور المصري في المحيط العربي دون وصاية أو توجيه من أحد الأمر الذي لم يستمر طويلاً وانتهى مع الانقلاب العسكري. فمنذ 3 يوليو تعتبر الإمارات العربية المتحدة أن الجيش المصري أصبح في يد “أبوظبي” نظراً لكون وزير الدفاع في وقتها عبدالفتاح السيسي أصبح طوعاً للموقف الإماراتي نظير الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يحصل عليه السيسي منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن، التي تحاول أن تستغل مقدراته في تحقيق بعض الأهداف لها في المنطقة فعلى سبيل المثال في ليبيا، قام الطيران المصري بغارات عديدة ضد مواقع تابعة للفصائل الإسلامية المناوئة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي تدعمه الإمارات بقوة في ليبيا على حساب الفصائل الأخرى13.
أيضا في الحرب التي تقودها الإمارات والسعودية في اليمن لم تعلن مصر مشاركتها الرسمية في الصراع الدائر إلا أن قطع بحرية مصرية تقوم بعمليات في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب تحت مبرر تأمين الملاحة في قناة السويس خوفاً من سيطرة الحوثيين على الممر ومن ثم تأثر قناة السويس بشكل مباشر لكن ثمة من يرى دوراً مصرياً أخر في دعم القوات الإماراتية التي تقاتل في اليمن وخاصة في عدن القريبة من تحركات القطع البحرية المصرية.14 وهذا ربما ما يفسر الحديث عن قيام الإمارات بتمويل الصفقات العكسرية الأخيرة التي وقعها الجيش المصري مع فرنسا مثل طائرات الرافال التي تجاوز 5.4 مليار يورو15.
4ـ الهيمنة السياسية:
تحاول الإمارات السيطرة على القرار السياسي المصري فيما يخدم أجندتها في المنطقة لإحداث توازن بين دول الخليج من ناحية وإيران من ناحية أخرى ومن ثم يعد القرار المصري مرهون بسياسة الإمارات التي تعتبر أن نظام السيسي هو صنيعتها بالأساس، نظراً لما قدمته له منذ الانقلاب ومستمرة في تقديمة حتى الأن، كما تنظر الإمارات إلى مصر بأنها حليف مهم للحفاظ على موازين القوى الإقليمية ضد التهديد الإيراني، سواء باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث والإيحاء الإيراني المستمر بأن البحرين محافظة إيرانية، ودعم وتحريك الشيعة في داخل الخليج العربي لبث الفوضى في المنطقة. خاصة وأن هناك رغبة إماراتية في التكيف مع المتغيرات الدولية وتنويع دائرة خياراتها الدولية، ومصر إحدى الدول الكبرى في الإقليم بعد تصدع كل من العراق وسوريا16.
ثالثاً: الأدوات الإماراتية:
1ـ الدعم الاقتصادي:
كانت الأداة الاقتصادية وسيلة دول الخليج الأساسية في دعم نظام الانقلاب العسكري فمنذ اليوم الأول أعلنت الإمارات والسعودية والكويت منحها حزمة مساعدات اقتصادية لنظام السيسي والتي وصلت بحسب تقارير عدة إلى أكثر من 40 مليار دولار.17
2ـ تمويل الصفقات العسكرية:
منذ قدومه إلى رأس السطلة في يونيو 2014 حاول السيسي أن يقوم بتطوير الترنسانة العسكرية للجيش المصري معتمداً على رغبة دول الخليج في ذلك من أجل الهيمنة على القرار في مصر من خلال تمويل تلك الصفقات، فعرضت السعودية والإمارت تمويل صفقات الرافال الفرنسية وكذلك صفقات حاملة المروحيات المستيرال التي دخلت الخدمة في مصر يونيو 2016، وهو ما أكده السيسي في إحدى خطاباته حينما قال إن صفقاته المتعددة لتسليح الجيش المصري ﻻ تتحمل فاتورتها القاهرة وحدها18.
3ـ وسائل الإعلام والمراكز البحثية:
تدرك الإمارات حقيقة دور وسائل الإعلام في تشكيل وصياغة الرأي العام ومن هذا المنطلق أنشأت عدة قنوات فضائية ومواقع اليكترونية لدعم نظام عبدالفتاح السيسي كما قامت بشراء بعض الصحف المصرية عبر رجال أعمال مصريين من أجل فرض سيطرتها الكاملة على الإعلام المصري، بما يمنحها القدرة على التحكم في السياسة التحريرية لتلك الصحف والقنوات.
ومن أجل تحقيق ذلك، بدأ عدد من المستثمرين الإماراتيين مفاوضات للاستحواذ على شبكة قنوات الحياة، المملوكة لرجل الأعمال السيد البدوي يأتي هذا في ظل إعلان شركة إعلام المصريين، المملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة عن استحواذها على 100% من أسهم قناة “أون تي في”، فضلا عن اتجاهها للاستحواذ على صحيفة صوت الأمة الأسبوعية19، كما ترتبط الإمارات بعلاقات وثيقة مع بعض الإعلاميين المصريين لتحسين صورة نظام السيسي. كما قامت الإمارات بتدشين عدد من المراكز البحثية سواءً داخل الإمارات أو خارجها لتشكل الرأي العام المصري في تجاه دعم السيسي وقراراته20.
4ـ شبكة علاقات دبلوماسية عبر شركات العلاقات العامة:
تدرك الإمارات بشكل كبير دور شركات العلاقات العامة في تحسين وصناعة الصورة الذهنية للأنظمة السياسية والأحزاب، وفي هذا السياق تعاقدت أبوظبي مع عدد من تلك الشركات في المملكة المتحدة وأميركا من أجل تحسين صورة النظام المصري في الخارج عبر التواصل مع دوائر صناعة القرار في بعض الدول الغربية للترويج لعبدالفتاح السيسي واعتبار أن ما حدث في 30 يونيو وما تلاها هي ثورة قام بها المصريون وليس انقلاباً عسكرياً قاده جنرال عسكري.
وهو ما ساهم في منح السيسي شرعية عند كثير من الدول الغربية التي كانت تعتبره قائدا لانقلاب عسكري على رئيس مدني تم انتخابه من الشعب المصري، مثلما حدث في ألمانيا التي كانت ترفض استقبال السيسي ولكنها تراجعت وقبلت بالزيارة، كما استغلت الإمارات مستشارها السياسي توني بلير في اعادة رسم صورة ذهنية جديدة عن الأوضاع في مصر في الدوائر الغربية كما استغل علاقاته السياسية والدبلوماسية كونه رئيس وزراء بريطانيا لفترة طويلة، من أجل الاستفادة بنفوذه في تلك البلدان.
أيضا استغلت الإمارات تلك العلاقات في تضييق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين في بريطاينا ودفعت في اتجاه تصنيف الجماعة بأنها تنظيم ارهابي في بريطانيا، لكنها فشلت في ذلك ولكن استطاعت أن تعقد جلسة في مجلس العموم البريطاني حول هذا الموضوع21.
رابعاً: النتائج:
بعد مرور ثلاثة أعوام على الانقلاب نجحت الإمارات وبشكل كبير في تحقيق عدد من الأهداف التي وضعتها قبل الاطاحة بالرئيس محمد مرسي، كما أنها اخفت في بعضها، وهنا سيتم التقييم على ثلاثة مستويات:
المستوي الأول: أهداف تحققت بالكامل:
1ـ الإطاحة بحكم الإخوان: نجحت الامارات الداعم الرئيس للانقلاب العسكري في تحقيق هدفها الاساسي وهو الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر من خلال وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي ومن ثم تحقق لها ما خطط له وهو إبعاد الإخوان عن المشهد السياسي بشكل كامل حتى لا تصبح التجربة في مصر مصدر إلهام لدول الخليج ولا سيما الامارات.
2ـ ايجاد نظام سياسي موال لها: منذ اليوم للانقلاب العسكري عمدت الامارات إلى إيجاد نظام سياسي في مصر موال لها بالكامل ويخدم مشروعها في المنطقة وهو ما نجحت فيه حتى الآن فيما يخص نظام الانقلاب في مصر الذي أصبحت قراراته السياسية والاقتصادية رهن الممولين الأساسيين للانقلاب وعلى رأسهم الإمارات.
3ـ الهيمنة السياسية: حتى الآن ومنذ 3 يوليو 2013، لازال القرار السياسي المصري مرتبط بشكل كبير بعلاقات ابوظبي الخارجية، فرغم رغبة نظام السيسي بشكل كبير تحقيق شرعية خارجية وقبول دولي من كل دول العالم إلا أن هناك بعض الدول التي غابت عنها البوصلة المصرية من أجل تعارضها مع الامارات مثل إيران التي تعتبر الامارات التقارب معها يمثل ضرراً كبيراً على مصالحها السياسية.
المستوي الثاني: أهداف تحققت جزئياً:
1ـ الهيمنة الاقتصادية: لأن هناك منافسة كبيرة بين المستثمرين الإماراتيين وشركات تابعة للقوات المسلحة وبعض رجال الأعمال القريبين من النظام الحاكم، وكذلك في ظل منافسة الاستثمارات السعودية بقوة في عدد من القطاعات والمناطق، وخاصة شبه جزيرة سيناء.
2- توظيف الجيش المصري: تظل السيطرة على قرارات الجيش المصري هدفاً مهماً للإمارات وغيرها من الدول الداعمة للانقلاب كون أن الجيش لايزال الأقوي عربياً ومن أقوى جيوش المنطقة إقليمياً، فرغم مرور 3 سنوات على الانقلاب ودعم الإمارات له إلا أن هذا الهدف لم يتحقق بشكل كبير بالنسبة لها، فلعى الرغم من قيام القوات الجوية المصرية بغارات جوية على مناطق ليبية دعماً لخليفة حفتر حليف الإمارات في بنغازي، إلا أن هناك الجيش المصري رفض المشاركة في عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، وإن كان البعض قد ذهب إلا أن عدم مشاركة جيش السيسي في هذه العمليات كان وفق ترتيب إماراتي كوسيلة من وسائل الضغط على المملكة العربية السعودية، وخاصة في ظل تعارض الأجندات الإماراتية السعودية في اليمن.
المستوي الثالث: أهداف أخفقت في تحقيقها:
1- القضاء على الاخوان: منذ 2011 وتصدر تيار الإسلام السياسي المشهد في دول الربيع العربي اعتبرت الإمارات أن الإخوان المسلمين هم الخطر الأشد عليها، وسارعت في التخطيط للتخلص من حكم الإخوان في المرحلة الأولى، وبعد ذلك القضاء على الإخوان بشكل نهائي عبر دعم لا محدود لحفائها في الدول العربية والاجنبية من أجل تحقيق الهدف، لكن رغم مرور أكثر من 5 سنوات على الربيع العربي فإن الإمارات لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف، ففي تونس لا زالت حركة النهضة تشارك في الحكم، وفي مصر رغم الانقلاب العسكري والاعتقالات والمطاردات التي تطال أعضاء الجماعة إلا أن الإخوان لازالت تتمتع بقدر من الشعبية بحسب استطلاعات رأي قامت بها عدة مؤسسات بحثية محايدة، كما أن الجماعة لازالت القوة الصلبة الأكبر في مقاومة نظام السيسي.
وفي ليبيا لازالت قوات فجر ليبيا والجماعات الداعمة لها التابعة للاخوان تتمتع بقوة عسكرية وشعبية في مناطق نفوذها ولم يتمكن حفتر من القضاء عليها رغم الدعم الدولي والاقليمي له، وكذلك الحال في اليمن التي تمثل أزمة بالنسبة للامارات مع السعودية كون أن الرياض دعمت على محسن الأحمر القريب من الإخوان المسلمين على حساب خالد بحاح حليف الامارات، ولازال حزب الإصلاح في اليمن له الكلمة العليا في الأوضاع الميدانية.
2- الاستقرار الاقتصادي: الحياة الكريمة وتوفير احتياجات الناس وحل الأزمات الاقتصادية، هذا ما روج له الانقلاب العسكري بعد 3 يوليو 2013، كون أن الأزمات الاقتصادية التي تم افتعالها وتضخيم بعضها، كانت أحد المعاول الرئيسة في خروج جانب من المتظاهرين في 30 يونيو 2013، فكانت الوعود الإماراتية بتقديم الدعم الاقتصادي الكبير لانعاش الوضع المتدهور في مصر مما يمثل تكوين شريحة كبيرة داعمة للسيسي من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، كنتيجة للتحسن الاقتصادي الذي سيشعر به الناس، لكن ما حدث هو العكس فهناك حالة تردي كبيرة في الوضع الاقتصادي وزيادة السخط الواضح على النظام ولولا القبضة الأمنية الشديدة التي تمارسها قوى الأمن ضد الشعب لكان للتظاهرات والمطالبة بتغيير الوضع تأثير كبير في الشوارع المصرية.
3- الاستقرار السياسي:
عمد نظام الانقلاب منذ اليوم الأول على استخدام فكرة الصدمة بضربه التيار الاسلامي في مصر جملة واحدة من أجل القضاء على أي معارضة له خاصة من الإخوان ليضمن الاستقرار بشكل كبير، لكن ما حدث هو العكس فكل يوم تزداد شريحة المعارضين للسلطات الحاكمة، ومع أول تراخ أمني تظهر قوة الرافضين للسيسي في الشوارع كما حدث في جمعة الأرض في أبريل 2016، كما أن الوضع في سيناء يزداد سوءً عن ذي قبل، وكذلك نظرة المجتمع الدولي للاوضاع في مصر تصب في تجاه ضرورة تغيير نظام السيسي وربما البقاء على النظام العسكري خوفاً من انفجار سياسي لا يمكن السيطرة عليه كما حدث في 2011.
خامساً: المسارات المستقبلية:
بعد ثلاثة أعوام من الانقلاب العسكري وعدم قدرته على ترسيخ أركانه مما يمكنه من الاستمرار في الحكم لفترة طويلة فمن المتوقع أن يكون هناك إعادة تقييم للدور الذي لعبته أبوظبي في مصر ومدى جدوى دعم السيسي، وهنا تبرز عدة احتمالات:
1ـ حدود الدعم السياسي:
يرتبط نجاح نظام الانقلاب في مصر أو فشله بشكل كبير بالامارات، كون أنها الداعم الرئيس والأساسي للنظام، ولكنه أصبح يمثل أزمة لحكومة أبوظبي، وإذا ما استمرت حالة الفشل الاقتصادي والسياسي التي يعاني من نظام السيسي، سيتم التفكير في بديل للسيسي مع بقاء النظام العسكري لانقاذ الوضع من الانفجار اذا ما استمر الوضع الحالي كما هو ولعل بقاء الفريق أحمد شفيق أخر رئيس حكومة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، والمرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات 2012 أمام الرئيس محمد مرسي، في الإمارات، يشكل ورقة يمكن أن تستغلها أبوظبي في أي وقت لتغيير الأوضاع، أو ربما التفكير في بديل آخر من داخل المؤسسة العسكرية في إطار من التنسيق مع السعودية الراع الرئيس الآخر للانقلاب العسكري في مصر، وبطبيعة الحال، بتوافق أميركي، على اعتبار أن هذه الأطراف لا تتحرك إلا بعد ضوء أخضر أميركي.
2ـ حدود الدعم الاقتصادي
تدرك الإمارات أن النظام المصري الحالي لم يعد قادراً على وقف نزيف الاقتصاد وأن كل ما يُقدم له من منح ودعم لا تعد إلا مسكنات كما لم تعد كل هذه المنح عملاً مجدياً لتحسين الأوضاع الاقتصادية التي باتت تمثل حالة سخط كبيرة في البلاد، وهذا الفشل يرجع من وجهة نظر الإمارات إلى أمرين الأول: الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة بما فيها رأس النظام، فأغلب التحويلات المالية التي تتم من دول الخليج يتم وضعها في حسابات خاصة للقوات المسلحة دون أن يتم دعم الاقتصاد المتهاوي بها بأي طريقة. الثاني: سوء الإدارة في مصر، خاصة ما يتعلق بالدعم المقدم من الحكومة لشريحة كبيرة من أفراد المجتمع مما يعد عبئاً على ميزانية البلاد، ومن هنا ترى الإمارات أن الحل لابد وأن يكون في إعادة هيكلة الاقتصاد والغاء الدعم حتى يتحسن الوضع الاقتصادي ويتوقف النزيف المستمر.
ونظراً لما سبق من المتوقع أن يتوقف الدعم الاقتصادي اللامحدود للسيسي دون مقابل، وهذا ما كشفته وثائق تم تسريبها من مكتب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لمواقع أجنبية حول خطة الإمارات للسيطرة على الاقتصاد المصري بشكل كامل والتحول من فكرة الممول الاقتصادي إلى فكرة الشريك22.
3ـ حدود الدعم العسكري:
عسكرياً قامت الإمارات والسعودية منذ الانقلاب بتمويل عدد من صفقات التسليح التي وقعها نظام السيسي لتطوير وتحديث الترسانة العسكرية المصرية23، ومن المتوقع أن يستمر هذا الدعم العسكري للجيش المصري في المستقبل للعب دور أكبر في الاقليم لخدمة الدول الداعمة للانقلاب وخاصة الإمارات التي تطمح بلعب دور إقليمي كبير في الشرق الأوسط وأفريقيا، وحتى في حال الخلاف مع السيسي فهذا لا يعني الخلاف مع المؤسسة العسكرية، لأنه وفقاً للرؤية الإماراتية، فإنه حتى لو حدث تغيير سياسي في مصر، واختفي السيسي من المشهد ستبقي هذه المؤسسة طرفاً فاعلاً إن لم تكن الطرف الوحيد الذي ستراهن عليه القوى الإقليمية في إدارة المشهد المصري، بما يتوافق وأهدافها الأساسية في مصر والمنطقة.
خلاصة:
إن حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها نظام ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013 في مصر، دفعت الدول الداعمة له إلى إعادة التفكير في مستقبل الأوضاع في مصر التي أصبحت على شفا الانفجار الذي لو حدث، سيعيد تشكيل المشهد الاقليمي بالكامل، والإمارات كونها الراعي الرسمي للانقلاب العسكري، ستكون أول المتأثرين أذا ما تم تغيير الأوضاع في غير صالحها بمصر، وفي نفس الوقت تحاول الإمارات أن تضغط على نظام السيسي بورقة المعونات العسكرية والاقتصادية حتى يظل القرار المصري رهن أبوظبي خشية خداع السيسي للإمارات وتغيير سياساته بما يتعارض ومصالحها.
إن سياسة الإمارات تجاه مصر قائمة بالأساس على التوظيف مقابل الدعم من أجل عدة أمور منها ما هو متعلق بوجود ظهير إقليمي لها مثل مصر يدعمها في تحقيق توازن في المنطقة ضد إيران، ومنها ما هو متعلق بأهداف الإمارات الخاصة في ليبيا واليمن وغيرها من دول الجوار الجغرافي، ومنها ما هو متعلق بالمواجهة المفتوحة التى تخوضها الإمارات ضد الحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر الإمارات المواجهة معها أقرب للصراع الوجودي في مرحلة ما بعد الثورات العربية.
المصدر: المعهد المصري