كالكاذب الذي لا يمل ناصتوه من تذكيره بكذبته الشهيرة التي قالها على مرأى ومسمع من الجميع، كاللص الذي تلاحقه كل ضحاياه، فمن هذا قد سرق خزانة، ونزع من هذه قرطها الذي ورثته عن أمها، واستولى من هذا الطفل على لُعبته الجميلة، التي اشتراها له والده قبل أن يموت في الحرب بيد نفس اللص.
هكذا يجب أن تظل معاملاتنا لهذا الكيان المغتصب القائم والباني أركانه على جثث أجداد أصدقائنا، وبيوتهم التي هجّروا منها قسرًا ليمرح فيها المحتل ويستمتع ببحرها وجمال طبيعته، تلك هي المعاملة المُثلى لهذا المُغتصب.
السبيل الوحيد
لم يعد في يدنا سلاح، نحمله في وجوههم ولم يبق لنا سوى هذا، الفضح والمقاطعة، في ظل عمالةٍ واضحة وتواطؤ جلي على قضيتنا الفلسطينية العادلة، ففي مصر أضحى ناشد السلام الدافئ ابنًا لهم، كيف لا وقد أعاد سفيرهم إلى قاهرة المُعِز وأوفد وزير خارجيته ليدنّس القدس الشريف بأقدام التطبيع الذليلة.
وفي الأردن، من يحاصر فلسطين، ويدعي أنه صمام حماية المسجد الأقصى الذي أُحرق وانتهكت حرمته وتنجس حرمه الشريف تحت أعين الملك الهمام دون أي تحرّك، حتى إن الشجب صار على استحياء خوفًا من سخط ماما أمريكا عليهم.
وحين يُذكر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تتجه عقولنا إلى القبلة الثانية، بلاد الحجاز الذي يسعى ملوكها الآن للسلام مع المحتل، ويرسلون جنرالاتهم المتقاعدين للتطبيع مع قتلة الأطفال ومد جسور تعاون جديدة، بعد أن كان السفر إلى الأراضي المحتلة جريمة قد تودي بك إلى السجن، حتى حفظ ماء الوجه لم يعد ذا قيمة لدى حُكامنا.
هل سمعتم عن خالد العُمير؟ خالد هو مواطن سعودي، يقبع الآن في سجون المملكة السعودية، بسبب دعوته لاعتصام لنصرة فلسطين والأقصى عام 2008، ومنذ ثمان سنوات وهو يُعاقب بهذه التهمة العبثية.
شعرت بكثير من الخجل، حين تضامن مع فلسطين جمهور فريق سيتلك الإسكتلندي الذي كان يستضيف فريق هبوعيل بئر السبع الصهيوني، ضمن ذهاب الدور التمهيدي من دوري أبطال أوروبا، في الوقت الذي تشدد فيه بلادنا الحصار على أهلنا في غزة، بل إن معاقبة الفريق ماديًا دفعت المشجعين إلى بدء حملاتٍ للتبرع لفلسطين، في الوقت الذي تُطبخ فيه قضية للشاب المصري أحمد الشحات صاحب واقعة إسقاط العلم الصهيوني من على سفارة الكيان بالقاهرة، ويتم سحب التكريم الذي حصل عليه بعد الثورة منه.
التطبيع الشعبي
قبل عدة أيام كان النقاش على أشده في كل مكان، حول مشاركة لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي في مباراةٍ مع خصم يحمل اسم الكيان المحتل، حتى بدأت المباراة واتضح جليًا أن اللاعب المصري لم تكن لديه الرغبة في هزيمة اللاعب الصهيوني، أو حتى المشاركة من الأساس، في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير إعلامية عن إرغام اللاعب على المشاركة في المباراة وتهديده إذا حاول الانسحاب.
قبل المباراة وبعد المباراة، قصتان تجدر المقارنة بينهما في هذا الصدد، كتب المتحدث باسم رئيس وزراء الكيان الصهيوني على صفحته على فيسبوك أنه يتمنّى أن تُقام المباراة بين اللاعبين وألا يحدث انسحاب من جانب اللاعب المصري، لأن الرياضة لا علاقة لها بالسياسة حسب وصف المتحدث، متسائلًا عن سبب رفض بعض اللاعبين العرب مواجهة اللاعبين الصهاينة.
بعد المباراة، ورغم حالة التطبيع التي حدثت، وهي المشاركة في المباراة، إلا أن أوفير جندلمان، قد ثارت ثورته بسبب رفض اللاعب المصري مصافحة اللاعب الآخر، وكتب بعدها العديد من المنشورات، من أهمها ما نقله عن رئيس الوزراء، تعليقًا على هذه الواقعة، أنه تلقى رسالةً من القاهرة مفادها “كانت هناك أصوات أخرى بمصر وللمرة الأولى منذ سنوات تم سماع أصوات أخرى في مصر وهذا مهم جدًا، ليس فقط على الصعيد الرياضي أو الحكومي بل أيضًا على الصعيد الشعبي، هذا هو تغيير كبير، تلك هي الكارثة التي نتحدث عنها.
تِلك هي محاولات كسر الحواجز التي نتحدث عنها، محاولة لكسر كل ما خُلق على مدار عشرات الأعوام، من حملاتٍ للمقاطعة، ورفض للتطبيع، وعدم التزحزح تحت أي ذريعة عن اعتبار الصهاينةً أعداءً محتلين، وهو ما لا ينبغي التنازل عن ذلك، ويمكن أن تنهار في لحظةٍ واحدة أمام مشهدٍ كهذا، مشهد يجمع أبناء مصر مع واحد من أبناء الكيان المحتل على بساط رياضي واحد.
إن كُل الادعاءات الزائفة بانفصال الرياضة وسياقاتها عن السياسة هي محاولات كريهة ينبغي علينا رفضها، وربما هي المفتاح أمام باب التطبيع، فمنذ كامب ديفيد والإدارة السياسية في مصر، لا تستطيع أن تحرك ساكنًا في القضية الفلسطينية، لكن على مستوانا الشعبي، يجب علينا المقاطعة واستمرار فرض طوق من العزل للصهاينة فيما نقدر على فعله.
قبل عدة سنوات، كما كتب أحد الأصدقاء، إن النقاش كان يدور، حول مشروعية المشاركة في البطولات التي يشارك فيها الصهاينة، وهل يجب المقاطعة أم لا، أما اليوم فيدور النقاش حول مشاركة اللاعبين العرب في مواجهة الصهاينة أم لا، بل ويتولى الآن محسوبون على قضيتنا من ينادون، بإبعاد الرياضة عن السياسة، في رؤية قاصرة غير مفهومة السياق.
إن كانت الرياضة لا علاقة لها بالسياسة، فلماذا كُل هذه الجلبة؟ إن كان لا علاقة للرياضة بالمواقف السياسية، فلماذا كُل هذا النواح الصهيوني على مجرد رفض المصافحة؟
إن حالة الغيظ التي شاهدناها، وحالة الترقب التي عاشتها هذه المباراة وحجم الزخم قبلها وبعدها لهي أكبر دليل على الارتباط الجزري بين المجالين، وتحديدًا ما يرتبط بالاختراق الشعبي.
فالكيان الصهيوني قد أمّن جانب الحكام والحكومات العربية، لكنه ينقصه أن تميع القضية الفلسطينة في نفوس الشعوب العربية، وهذا لا يحدث إلا في مجالات الفن والرياضة، فالواجب هو الوقوف دائمًا ضد كُل هذه المحاولات.
إننا اليوم، كما قدّمنا، غير قادرين على هزيمة الصهاينة في غير هذا الميدان، ميداننا نحن الشعوب والأفراد، وما وسعنا في ذلك، نواجههم نحاول إرباك ما طبخوه مع حكامنا، نحاول أن نقاوم بما يمكننا النضال به في هذه القضية، فلم يُعد لنا سوى المقاطعة والفضيحة.