من يدقق النظر في الشاشة العربية يجد أنها مقسمة إلى قسمين متناقضين تمامًا، القسم الأول يمين الشاشة ويضم المئات من أصحاب المليارات ومالكي القصور واليخوت في مختلف دول العالم وهم لا يتجاوزون 20% من إجمالي العرب، أما القسم الثاني يسار الشاشة فيضم ما يقرب من 90 مليون مواطن عربي تحت مستوى خط الفقر، وما يزيد عن 19 مليون أسرة عربية تسكن العشوائيات، فضلاً عن عشرات الملايين من المشردين السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين والفلسطينيين خارج بلدانهم، يتسولون قوت يومهم على موائد أشقائهم أو عبر الملاجئ الدولية.
وبينما المنطقة تعج بهذه الأزمات ليل نهار، إذ بالمرأة في عالمنا العربي تحيا في كوكب آخر، حيث قائمة أولويات مختلفة تمامًا عما يدور حولها، واهتمامات لا علاقة لها حتى بكماليات الحياة فضلاً عن ضرورياتها، فحين تخرج علينا صحيفة صينية لتؤكد أن إجمالي إنفاق المرأة العربية على مستحضرات التجميل يتجاوز 25 مليار دولار سنويًا، كان لا بد لـ “نون بوست” من إلقاء الضوء على هذه الإمبراطورية، للوقوف على حجم هذه التجارة الرائجة والتي تتصدر فيها المرأة العربية قائمة نساء العالم.
6.6 مليار دولار إنفاق الخليج على سوق التجميل
كعادتها، تتصدر المرأة الخليجية قائمة نساء العالم الأكثر إنفاقًا على جمالهن وحسن قوامهن ورشاقتهن، فبينما يقدر سوق مستحضرات التجميل في العالم أجمع بـ 255 مليار دولار، تحتل فيه الخليج نحو 6.6 مليار دولار، بزيادة سنوية قياسية مقارنة بدول العالم.
المرأة الخليجية الممنوعة من العمل والسفر وحرية التحرك وبناء العلاقات الخاصة مع صديقاتها ومعارفها بسبب قوانين ولوائح دولها سعت إلى تعويض ذلك كله عبر إشغال وقت فراغها بالتزين والتجمل، والمرور على كافة الماركات العالمية في العطور ومستحضرات التجميل، فضلاً عن إجراء عمليات التجميل ما بين الحين والآخر، آملة أن تنال رضا وإعجاب زوجها ومن ثم يتوقف رويدًا عن الزواج عليها أو إهمالها وإقامة علاقات خاصة مع غيرها.
الحكومات الخليجية هي الأخرى عزفت على أوتار رضا نسائها، فبينما تمر المنطقة العربية عامة والخليجية خاصة بأزمات اقتصادية حادة جراء تراجع سعر النفط، نجد أن معدل الإنفاق على مستحضرات التجميل من قبل هذه الحكومات، وبحسب التقديرات، يتجاوز 3 مليارات دولار، مما أعطى الضوء الأخضر للمرأة الخليجية لتلبية احتياجاتها من هذه البضاعة المليارية ذات الصيت والانتشار الواسع.
كما يتصدر الخليجيون معدلات الإنفاق في العالم على مستحضرات التجميل، حيث يبلغ متوسط إنفاق الفرد على هذه المواد ما يقرب من 334 دولارًا، وهذه من أكبر النسب العالمية، كما تحتل مواد التجميل الخاصة بالعناية بالشعر مرتبة مهمة في المبيعات في السوق الخليجية، بقيمة تصل إلى حوالي 620 مليون دولار، وبنسبة نمو مرتفعة جدًا تصل إلى 16%، لكن العطور ما تزال تحظى بالنسبة الأكبر من المبيعات.
أما فيما يتعلق بنمو سوق التجميل في الخليج مقارنة بدول العالم، فبينما يتراوح معدل نمو هذا السوق عالميًا ما بين 3-4% إذ به يصل في الخليج إلى 12%، مما دفع شركات التجميل والعطور العالمية إلى الهرولة للسوق الخليجي، وتقديم منتجاتها وفق رؤية استراتيجية تسويقية قادرة على تحويل منطقة الخليج إلى أكبر سوق لتجارة مستحضرات التجميل بمختلف أنواعها.
المرأة السعودية في الصدارة
تتصدر المرأة السعودية قائمة النساء الأكثر استخدامًا لمستحضرات التجميل في دول الخليج، لاسيما منتجات العناية بالشعر والبشرة والعطور، فحسب تقديرات مؤسسة “يورو مونيتر” فإن حجم الإنفاق من السعوديات على كافة مستحضرات التجميل بلغ 1.5 مليار دولار، في العام الواحد، منها 800 مليون دولار على العطور فقط، خاصة وأن متوسط إنفاق المواطن السعودي على العطور يبلغ 136 دولار سنويًا، بما يعني خمسة أضعاف المواطن الأوروبي والذي يبلغ معدل إنفاقه 18 دولارًا، وتسعة أضعاف نظيره الأمريكي، في حين توزعت القيمة المتبقية على مواد التجميل الأخرى، وتلقى العطور جاذبية كبيرة من قبل السعوديات مما جعلها مرشحة لنمو كبير جدًا في المستقبل القريب بمعدل سنوي لا يقل عن 17%.
ثم تأتي المرأة الإماراتية في المركز الثاني بإجمالي إنفاق على مستحضرات التجميل قدره 900 مليون دولار سنويًا، تليها المرأة الكويتية بـ 80 مليون دولار، في حين تقترب المرأة العمانية من حاجز الـ 75 مليون دولار، أما بالنسبة للمرأة القطرية فتتجاوز 27 مليون دولار، بينما تصل المرأة البحرينية إلى 22 مليون دولار.
المرأة المصرية الأولى عربيًا
من المفارقات العجيبة والتي تعكس حجم ما يعانيه المجتمع العربي من “شيزوفرينيا” أن مصر وما تتعرض له من أزمات اقتصادية ومعيشية وأمنية وسياسية، دفعها لأن تتسول من الداخل قبل الخارج لتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وبلغت ديونها الداخلية ما يقرب من 2 تريليون جنيه، فضلاً عن ديون خارجية تتجاوز حاجز الـ 200 مليار دولار، هي نفسها من تنفق فيها المرأة حوالي 24 مليار جنيه (3 مليار دولار) على مستحضرات التجميل!!
المرأة المصرية منذ الملكة نفرتيتي أجمل نساء العالمين في الأسرة الثامنة عشر كما يلقبها المصريون، وحتى الآن وهي تنظر لنفسها نظرة مختلفة، فجمالها وأناقتها وسحرها عقيدة راسخة في ذهنها لا يمكن أن تتخلى عنها مهما كانت الظروف، ففي أشد لحظات الألم والتدني في المستوى المعيشي تجد البنت المصرية تسير في الشوارع والطرقات بكامل رونقها وجمالها مستخدمة في ذلك كل الأساليب المتاحة وفي مقدمتها مستحضرات التجميل.
الدكتور عز الدين حسين الخبير الاقتصادي أكد في تصريحات له أن إجمالي ما تنفقه المرأة المصرية على جمالها شهريًا يتجاوز 2 مليار جنيه، بما يعني 24 مليار جنيه سنويًا (3 مليار دولار)، وذلك حسبما أشار في دراسته التي أعدها مؤخرًا عن إنفاق الأسرة المصرية.
الخبير الاقتصادي المصري سخر من حجم إنفاق المرأة المصرية والخليجية على مستحضرات التجميل بقوله أن معدل إنفاقهما معا – المصرية والخليجية – يتجاوز ميزانية إعادة إعمار غزة بالكامل في 2014!! في إشارة منه إلى المبالغة في الإنفاق قياسًا بما يشهده المجتمع العربي من أزمات.
عز الدين برر معدلات إنفاق المرأة المصرية على مستحضرات التجميل أن عدد الإناث في مصر وبحسب الإحصائيات الرسمية وصل إلى 43 مليون نسمة، أي تقريبًا 48% من عدد السكان في مصر، وبفرض أن عدد النساء المهتمات بشراء مستحضرات التجميل يبلغن 20 مليون فقط من السيدات والفتيات، مع متوسط إنفاق على مستحضرات التجميل شهريًا (100 جنيه) بما يعادل (12 دولارًا)، سنجد أن الإنفاق الشهري على شراء مستحضرات التجميل فقط يصل إلى 2 مليار جنيه شهريًا (400 مليون دولار).
وفي شهادة سيدتين مصريتين لإحدى الصحف المحلية الصادرة بالقاهرة، حول متوسط إنفاقهما على مستحضرات التجميل، أشارتا إلى تجاوز متوسط الإنفاق 300 جنيه (40 دولارًا) شهريًا، حيث تقول مارينا إدوارد، خريجة الأكاديمية البحرية، إنها تنفق ما يزيد على 600 جنيه (80 دولارًا)، كل شهرين على كريمات عناية ببشرتها، وشعرها، فيما تنفق ما يزيد على 1400 جنيه (165 دولارًا) لتغيير لون الشعر في السنة، وتقول إنها تهتم بكريمات العناية أكثر من مواد المكياج، لافتة إلى أنها لا يمكنها أن تستغنى عنها، لكن بشكل محدود وماركات عالمية موثوق فيها، فيما توضح مادونا بشارة، موظفة علاقات عامة بأحد الفنادق العالمية، أن أدوات المكياج التي تستخدمها تكلفها تقريبًا 1000 جنيه (120 دولارًا) في الثلاثة أشهر، ولفتت إلى أن تلك الإحصاءات غير صادقة مقارنة بأسعار أدوات التجميل المرتفعة.
55% من اللبنانيات يخضعن لعمليات تجميل
حين تذكر بيروت، يتبارى إلى الذهن مباشرة جمال نساء ورجال لبنان على حد سواء، فالمرأة اللبنانية استطاعت خلال السنوات الماضية أن تقدم نفسها كأجمل امرأة عربية، إلى الحد الذي سلّم فيه الجميع أن الجينات الوراثية للمرأة اللبنانية هي سر جمالها، ومن ثم باتت بيروت قبلة الباحثين عن الجمال والأناقة والأنوثة والجاذبية.
وكان من إفرازات الجمال اللبناني أن تصدرت المرأة اللبنانية شاشات الفضائيات سواء كمذيعة برامج أو ممثلة، وبصرف النظر عن المؤهلات الفنية للمرأة اللبنانية إلا أن جمالها كان جواز سفرها الأمريكي نحو الشهرة والنجومية، لكن حين نعرف أن أكثر من 55% من نساء لبنان و12% من رجالها يخضعون لعمليات تجميل، فلا بد من مراجعة حقيقية لهذه الصورة الذهنية التي سيطرت على العقل العربي لسنوات طويلة، حسبما أشار جراح التجميل اللبناني غبريال خوري.
خوري أشار إلى أن اللجوء إلى عمليات التجميل في لبنان بات ضرورة من الضروريات، حيث استحدثت بيروت نوعًا جديدًا من السياحة أسمته بـ “السياحة التجميلية” حيث تتوافد الكثيرات من النساء لاسيما من دول الخليج لإجراء عمليات تجميل على مختلف أنواعها.
خوري أرجع زيادة عمليات التجميل في لبنان في الآونة الأخيرة إلى التطور في المجتمع والعقلية اللبنانية كما هو الحال في كل العالم، ملفتًا أنه ليس من المعيب الآن إجراء أي عملية تجميل في لبنان، يعني إذا كان الإنسان منزعجًا من أي شيء في وجهه أو جسمه يلجأ إلى العمليات التجميلية لتصحيحه، مضيفًا أن النساء يشكلن نحو 88% ممن يخضعون لعمليات تجميل في لبنان، حيث يطلبن تغيير ملامحهن وأجسادهن، مما تسبب في شكوى البعض من أن انتشار عمليات التجميل في لبنان جعل الشابات متشابهات في الشكل والجسم.
ومن ثم تحتل المرأة اللبنانية المركز الثاني عالميَا في عمليات التجميل بعد المرأة البرازيلية، كما يعد لبنان أحد أكبر الأسواق العربية في مجال العطور، حيث يتضمن كبرى الماركات العالمية في إنتاج العطور، بينما يبلغ حجم سوق العطور في المملكة الأردنية الهاشمية 55 مليون دينار (87 مليون دولار)، بينما تقتطع المرأة الأردنية ما يوازي 24% من راتبها لشراء مستحضرات تجميل.
المرأة المغربية: الجمال غير المكلف
وفي المقابل تثبت المرأة المغربية ما بين الحين والآخر أن الجمال والأناقة لا علاقة له بالتكلفة الباهظة وعمليات التجميل المكلفة، بل قليل من مستحضرات التجميل الكيماوية مع بعض المكملات الطبيعية، في وجود ثقة بالنفس وبساطة في الأداء كفيلة بأن تخرج “ملكة جمال” وامرأة مكتملة أركان الأناقة والجاذبية، وهو ما دفع المرأة المغربية لأن تحتل مكانة متقدمة بين النساء العرب الأكثر جمالاً ورومانسية.
في دراسة حديثة أصدرتها مؤسسة “Digital Data Marketing“، كشفت أن المغربيات لا ينفقن سوى 100 درهم شهريًا (10 دولارًا) لشراء مستحضرات التجميل، ويستغرقن فقط عشر دقائق في تجميل أنفسهن.
الدراسة الميدانية التي تناولت كيفية تعامل المغربيات مع مستحضرات التجميل والتي شملت 328 سيدة، توصلت إلى أن أقل من عشر دقائق كافية للانتهاء من وضع مختلف مساحيق التجميل، وأن نسبة مهمة منهن يقمن باقتناء ما ينقصهن من “مكياج” عبر الطلب عن طريق “كاتالوغ”، وذكرت الدراسة أيضًا أن 44.59% من المغربيات يشرعن في وضع مستحضرات التجميل، ما بين 20 إلى 35 سنة، كما خلصت إلى أن 76% من المغربيات الحريصات على تزيين أنفسهن “عازبات”، فيما 24% من المتزوجات هن اللواتي يعتنين بجمالهن.
مما سبق يتضح أن هناك حالة فصام حقيقية يعيشها المجتمع العربي، رجاله ونساؤه، فحين يكون هذا الإنفاق الضخم من المليارات على مستحضرات التجميل، والسفر للخارج، والسحر والشعوذة، في ظل ما تواجهه دول المنطقة بلا استثناء من أزمات طاحنة تهدد مستقبلها، فلا بد من وقفة، ولا بد على القائمين على أمور الدول العربية وشعوبها أن يعيدوا النظر في قائمة أولوياتهم حفاظًا على مجتمعاتهم وثرواتهم.