ربما لا يبدو الأمر بتلك الصعوبة، إلا أن العلاقات المُدمرة او العلاقات المستغِلة من أكثر العلاقات تأثيرًا على نفوس البشر، فربما يؤلمك التعدي عليك جسديًا، إلا أنه من المعروف أن الألم والجرح يطول، إن كان الألم نفسيًا أكثر منه جسديًا.
لا تستطيع ضحية العلاقات المدمرة إدراك حجم المشكلة التي وقعت فيها في بداية الأمر، وتستغرق في ذلك وقتُا طويلًا حتى تتأكد أنها في علاقة مدمرة مع شريك استغلالي، وذلك لأن كل ما يفعله ذلك الشريك هو محاولة التلاعب بعقل الضحية، لتتفهم أن كل ما يحدث في العلاقة بينهما، وإن كان من ضمن التصرفات الخاطئة، أو الغير صحية على مستوى العلاقات العاطفية، هو خطأ منها هي وليس منه، وأنها الطرف الملام في كل الأمور، وأن ما يحدث هو عقاب هي تستحقه، وهذا ليس خيالًا، هي بالفعل تقتنع بأنه عقاب لها وتتعايش كليًا مع تلك الفكرة.
لا يتم التعميم هنا بطريقة عنصرية عند الإشارة بأن الشريك الاستغلالي عادة ما يكون الرجل، وتكون المراة هي الضحية في أغلب الأحيان، ولكن طبقًا للدراسات الاجتماعية والخاصة بالطب النفسي، فإن النتائج تدعم التعميم السابق، ليكون الرجل في العادة هو الشريك الاستغلالي دومًا.
إليك علامات مهمة تخص العلاقات المدمرة
اختلاق المشاكل
يقوم الشريك الاستغلالي باختلاق المشاكل، وذلك فقط من أجل إرضاء نفسه، فهو يحب أن يلوم نفسه أثناء المشكلة من أجل أن تعتذر الضحية عن فعل لم ترتكبه حقًا، ولكنها تقوم بذلك للتخفيف من لوم شريكها لنفسه بطريقة حادة، ووصفه لنفسه بأنه فاشل وأنه هو السبب في حدوث المشكلة، فلولاه لكانت الامور أفضل، وهنا تميل الضحية في العادة إلى مسامحته ونفي تلك الصفات التي يصف نفسه بها عنه، ليكون ذلك التسامح والتعاطف معه جزء كبير من محاولته تعويض نقص ثقته بنفسه الحادة.
الاستغلال اللفظي
الاستغلال اللفظي من أكثر الصفات المشهورة للشريك الاستغلالي في العلاقات المدمرة، فيمكنه ان يسب، أو ينعت شريكته بصفات بذيئة، أو يقوم بإصدار أصوات غير لائقة، كل ذلك من أجل إهانة الضحية، والتحرش بها لفظيَا، حيث تميل الضحية هنا إلى تبرير الموقف، وتعيد أسبابه إلى كون شريكها في حالة غضب، لذا فإنه من الطبيعي أن يفقد أعصابه ويقوم بالسب واللعن، نعم، هذا يحدث، ولكن ليس بشكل دائم، وعندما يحدث بشكل دائم، يجب على الضحية أن تلاحظ إنذار الخطر، وأن تدرك بأن ما يحدث هو استغلال عاطفي.
لا تستطيع الضحية إظهار شخصيتها الحقيقية
هذا ما يحدث بالفعل في العلاقات المدمرة، يبدأ الشريك بالتلاعب في شخصية الضحية عن طريق التلاعب بعقلها، فيقوم بالبداية بالإعجاب بكل ما تقوم به، وكل ما يميز شخصيتها، ومن هنا تبدأ الضحية في إعطائه الضوء الأخضر ليقوم بتقييمها وإبداء رأيه الصريح فيها، ويقوم بالتعديل، لذا يبدأ الشريك الاستغلالي هنا بالنقد المستمر لكل ما تفعله الضحية، والتشكيك في كل ما تفعله سواء كان ناجحًا أم فاشلًا، واستخدام نجاحها للتقليل منها ومن أهميته، واستخدام فشلها في منحها شعورًا سلبيًا إضافيًا، عن طريق لومها المستمر بأنها السبب في ذلك الفشل، وربما سيزيد هذا الفشل أكثر في المستقبل بسبب طريقة تفكيرها الخاطئة، لذا تقوم الضحية هنا بتصديق آراءه فيها، وتقوم بالتعديل على الكثير من الأشياء في حياتها، وفي النهاية، تجد نفسها شخصية مختلفة تمامًا عما كانت عليه في البداية، وذلك لأنها تعتقد أنه شخص رائع وأن كل ما يريد هو التطوير منها وجعلها امرأة أفضل، ولكنها لا ترى أنه في الحقيقة يقوم بدفعها لتشعر بالسوء تجاه نفسها دومًا، لتفقد الثقة بنفسها كليًا.
الغرور المستمر
على الرغم من تمتع أغلب الشخصيات المستغلة في العلاقات المدمرة بانعدام حاد في الثقة بالنفس يحاولون تعويضه باستغلال الآخرين، إلا أنهم يتمتعون بصفة الغرور الزائد، وهذا يظهر عندما يجتمع ذلك الشخص مع الضحية في مكان عام وسط الأصدقاء، فيبدأ بإظهار سلوك مغرور واضح للجميع، ويحاول ان يفهمهم أنه أفضل منهم جميعًا، وأنهم ليسوا إلا مجموعة من الأغبياء، كما يمكن له أن يقوم بإحراج شريكته أمام الجميع، ولا يجد حرجًا في الاستمرار في ذلك لفترة طويلة من الوقت، وهو ما يشعر الضحية بضغط عصبي شديد، فهي لا تعرف ما الذي يجب عليها أن تفعله، هل تقوم بتبرير أفعاله، أم الاستماع لأقوال من يعارضون وجودها في تلك العلاقة الغير صحية.
“أنت تحتاجين لعلاج نفسي!”
تسمع أغلب ضحايا العلاقات المدمرة تلك الجملة، “أنت تحتاجين لعلاج نفسي”، أو “أنت تحتاجين لزيارة الطبيب النفسي فورًا”، أو “أنت تعانين من مشاكل نفسية حادة”، وأن هذا يؤثر عليه في العلاقة، وأنه لن يستطيع الاستمرار على هذا النحو، وتأتي الضحية مجددًا بثقافة التبرير، وتصدق بالفعل بأنها من يفسد الأمر في تلك العلاقة، وربما هي بالفعل من بحاجة إلى تدخل الطب النفسي لإصلاح الوضع، إلا أن الجملة السابقة تعد من أخطر الإنذارات التي تشير إلى أن شريكك في العلاقة استطاع بالفعل التلاعب بعقلك وشعورك تجاه نفسك.
هالة من العظمة والغموض
سيحاول الشريك الاستغلالي إحاطة نفسه بهالة من القوة والسيطرة والأهمية، سيخبرك بخطط مستقبلية رائعة، قد تتضمن السفر حول العالم، والعديد من المشاريع المهمة، سيحاول بكل الطرق إحاطة نفسه بهالة الأهمية، وفي نفس الوقت التقليل من أهمية خطط شريكه، وسيحاول أن يشعرها أنها شخصية مملة، لترى فيه أنه من يحاول التغيير منها، وأن الحق في صفه في كل ما يقول، إلا أن وبعد مدة، ستلاحظ شريكته عدم مصداقية أغلب ما كان يقوله عن خططه المستقبلية، فلن تجده يحققها حتى وبعد مرور فترة طويلة بعد تخطيطه لتلك الخطط، وأن الهدف كان التقليل منها، ليكون هو الطرف المهم في تلك العلاقة.
لا تتحدثي لأصدقائك عنا!
يقوم بعض الشركاء في العلاقات المدمرة بأمر الضحية بعدم التحدث مطلقًا عن علاقتهما، ويقومون ببذل كل السبل لإقناع الضحية بذلك، لتقوم الضحية بدورها بعدم التحدث أبدًا عما يفعله هذا الشريك نحوها، ليكون هو في مأمن، لأنه يعرف جيدًا أن المحيطين بالضحية سيقومون بكشف ألاعيبه نحوها، وسيقومون بتنويرها بأنها يتم التلاعب بها عاطفيًا وعقليًا من قِبله، فهومتيقن من ذلك تمام اليقين، لذا يحاول بكل الطرق إبعادها عن أصدقائها المقربين، وأحيانًا إبعادها عن أهلها.
إذا وجدت نفسك في حالة مستمرة من التبرير لأفعال شريكك غير الصحية وغير العقلانية، فعليك الخروج من تلك العلاقة فورًا، ولا يمكن الرجوع إليها مجددًا، لأنك ببساطة ستستمرين بالكذب على كل من حولك، وأولهم نفسك عن طريق التبرير المستمر للأساليب المرضية التي يتبعها شريك تجاهك، وتجاه من حولك من أصدقاء أو أقرباء، فإن كان لا مجال للهروب في نظرك، فعليك أن تحاولي حتى تجديه، وحينها فقط، يمكنك اعتبار نفسك إنسانة مختلفة، وليست ضحية علاقة مُدمرة.